Facebook Pixel
التدين وصلته بآلاء الله في الكون
1093 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

صور جديدة وعديدة للأعمال الصالحة، التدين وصلته بآلاء الله في الكون من كتاب مشكلات في طريق الحياة الإسلامية للكاتب محمد الغزالي

كتاب : مشكلات في طريق الحياة الإسلامية - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 5 ] الفصل الأول : صور جديدة وعديدة للأعمال الصالحة (3 من 4)
• التدين وصلته بآلاء الله فى الكون

وثَمَّ أمر آخر يتصل برسالة الدين بين الأحياء ، إننى أكره التدُّين المحجوب عن جمال الكون وعظمته ، المشلول عن فهم أسراره وتسخيرها لمصلحته . .

وبين الحين والحين يساورنى ـ وأنا أتلو القرآن ـ شعور بأن الله يريد لفتنا إلى إبداعه فى الأنفس والآفاق ، يريد إشعارنا بما فى كونه من دقة ورقة ولطافة واقتدار، يريد من النَّاس أن يطالعوا آيات عظمته فى هذا الكون الدَّال على ربه ، الموجِّه إليه بالليل والنهار..

وهل يقسم الله بعناصر كون تافه؟ انظر إلى هذه الصورة : (فلا أقسم بالشفق * و الليل و ما وسق * و القمر إذا اتسق) إنها صورة الأصيل المحمرّ الأفق يعقبه الغروب ، وبزوغ القمر .

ثم صورة أخرى لمرحلة تابعة من مراحل الزمان . (و الليل إذا عسعس * و الصبح إذا تنفس) لقد تحركت الدنيا واهتز صدرها بأنفاس اليقظة الباكرة .

إن الذى خلق السموات والأرض ، وجعل الظلمات والنور ، يطلب منَّا أن نستكشف صفاته فى أرجاء ملكوته ، وأن ننظر إلى العالم على أنه مَجْلى أسمائه الحسنى ، وأن نبنى سلوكنا بعد ذلك على إيمان وثيق ، وخضوع مطلق ، وأن نسترشد بوحيه ونحن نكدح على الثرى استعداداً لرحلة العودة ، وهى رحلة لابد منها . (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده)

إنه أمر مثير للعجب أن يعيش جمهور المسلمين من بضعة قرون ، لا يعرفون عن الكون شيئا يذكر ، وأن تكون علومه ثانوية فى ثقافتهم الخاصة والعامة ، وأن يكون التعرف على أسراره وقواه شيئا كماليّاً خفيف الوزن عند البعض ، وضرباً من اللغو والعبث عند البعض الآخر !!

فما الذى استحوذ على انتباههم من فنون المعرفة؟ كلام فى دين الله لو عرفه سلفهم ما فتحوا بلداً ولا أنشأوا حضارة ! ! . فى الوقت الذى صدَّ فيه المسلمون عن الدراسات الكونية أوغل آخرون فى طريقها ، وحققوا مآرب رهيبة ، ثم طوَّعوها لنصرة عقائد باطلة وفلسفات وضيعة.!!

إن هذه القطيعة الموحشة بين الدين من ناحية وبين الكون والحياة من ناحية أخرى ينكرها الإسلام كل الإنكار ، ويطلب من عباد الله الصالحين مسلكاً يناقضها كل المناقضة .

قد تقول : نحن نعرف ذلك ولا جديد فيما تحكى . !

وأجيب : لا يزال الشباب الذى يريد المتاب والعمل للإسلام يدير ظهره للدنيا وعلومها ، ويخفف حقائبه من البحوث الكشافة للقوى الحيوية الكثيرة ، ويظن الذكر والشكر فى العبادات المحضة ! .

كنت فى بعثة إلى "نواكشوط " عاصمة موريتانيا الإسلامية تهتم بشئون الدعوة . ورأيت هناك جماعة من الشيوعيين الصينيين لا يعملون للسماء وإنما يعملون للأرض ، استطاعوا اكتشاف منابع للمياه العذبة ، ومدُّوا شبكة للأنابيب إلى الأراضى التى كانت تحتاج إلى المياه ! .

ورأيت هؤلاء الشيوعيين الصينيين فى اليمن الشمالى يشقون فى قلب الصحراء وبين سلاسل الجبال طرقاً " مزفتة " أو " مسفلتة " بتعبير العوام ! . فقلت فى نفسى : من أقصى الشرق ، من بعيد بعيد ، يجىء هؤلاء ليصنعوا فى بلادنا ما يصنعون ! فماذا نعمل نحن ؟ ! .

لقد شعرت بالغيظ عندما علمت أن قطراً إسلامياً كان يصدِّر القمح أيام كان مستعمرة ، فلما استقل ، ووقع زمامه بين أيدى أهله اقشعرت الأرض ، وبدأ استيراد القمح من الخارج !!

وشعرت بالاستحياء وأنا أحصى الدول الصناعية المنتجة فلا أجد ، بين العشر الأولى ، ولا بين العشر الثانية ، دولة مسلمة واحدة !!

ومعروف أن اليابان بدأت نهضتها من قرن تقريباً ، وأن شعوباً إسلامية بدأت نهضتها فى الزمان نفسه ، ووصلت اليابان إلى الذروة وبقينا نحن فى السفح . !.

ما السبب؟ قد يكون لفساد الجو السياسى دخل كبير ، ولكن فساد الجو الثقافى له ـ فى نظرى ـ دخل أكبر .

ما تقول فى فتيان يريدون إشعال معركة من أجل قضايا جزئية تتعلق باللباس وغيره هى أقرب إلى سنن العادة منها إلى سنن العبادة ، وقد تأتى فى نهاية سُلَّم الأولويات .

إن دين الله لا يقدر على حمله ولا على حمايته الفاشلون فى مجالات الحضارة الإنسانية الذكية ، الثرثارون فى عالم الغيب ، الخرس فى عالم الشهادة .

وأشعر بأن فقر المسلمين إلى الاستبحار العلمى لخدمة دينهم ودنياهم يحتاج إلى شرح أكثر ، فإن تبجح الجهال بما لديهم من معارف مغشوشة أو قاصرة أمر لا يطاق ، وإذا لم نوضح لأمتنا الحق كله تعرضت وتعرضنا معها للهلاك . ولأنقل إلى القارئ خلاصات وجيزة عن سير التقدم العلمى فى العالم الحديث ، ليعرف أى هاوية سنتردى فيها إذا لم نغير أنفسنا .

• شىء عن التقدم العلمى:

ألقى الدكتور محمد كامل محاضرة فى هذا الموضوع نقتبس منها هذه العبارات ، مع تصرف فى الصياغة اللفظية ، قال :

"من قرن وثلث فقط بدأ التطبيق الواعى للعلم فى ميادين الصناعة والزراعة والطب .. استطاع عالم إنجليزى تحضير مركّبات كيماوية ملوَّنة تحل محل الصبغات الطبيعية المعروفة ، ونتج عن ذلك الكشف ظهور الأصباغ والأدوية والأسمدة المخصِّبة والمبيدات الحشرية والألياف .. إلخ .

استخدمت الأساليب العلمية فى جميع الصناعات ، وتنافست فى هذا المجال إنجلترا وفرنسا وألمانيا أولاً ، ثم لحقت الولايات المتحدة بهذه الدول فى القرن الماضى .. وأخيراً الاتحاد السوفييتى واليابان..

بعد الحرب العالمية الثانية أصبح التقدم العلمى يسير بخطوات فِساح ، ومعدَّلات خيالية! وثبت أنَّ 80% من الدخل الموجود فى الدول الصناعية يرجع إلى هذا السبق ، وأن 20% يرجع إلى تراكم رأس المال.

أدرك النَّاس جميعاً خطورة التقدم العلمى من الناحيتين النظرية والتطبيقية ، فشرعوا يتجهون إليه ، وصفوة العلماء ـ فى الدول الكبرى ـ مشغولون الآن ولبضع سنين ، بالبحث فى قشرة الأرض وما تحتوى عليه من يابسة وماء وهواء ، وقد أقروا الآن نظرية فى " التركيبات الأرضية اللوحية " ـ ترجمة حرفية لنص إنجليزى ـ ولهذه النظرية ارتباط مباشر بعدة قضايا ، منها : احتمالات العثور على الثروات المعد نية والنفطية و مستودعات الغاز الطبيعى ، واختيار الأماكن التى تُدفن فيها النفايات الناتجة عن المفاعلات الذرية ، ومتابعة الحركة المعقدة للمحيطات وتياراتها ، ومعرفة الأسس لتغيِّر الجو ، وحدوث الجفاف ، ورسم صور لأعماق البحار واستخراج عينات من صخورها ، وأخطار زيادة الكربون فى الجو.. إلخ.

ثم هناك التطبيق العلمى الواسع لكشوف الفضاء ، وعمل الأقمار الصناعية ، ودراسة الصور التى تقدمها لنا عما يقع فى هذه الأرض من حركات مدنية وعسكرية ! وإمكان الإفادة من هذه الأقمار فى عالم الإعلام والبث الإذاعى" .

ترى ماذا نقول للناس فى هذا البث ؟

ومضى المحاضر يتحدث عن آفاق التقدم العلمى المعاصر ، فتطرق إلى علم الأحياء ، وبيَّن أنه خطا إلى الأمام ، فبعد أن كان علماً وصفياً ، يعنى بسلوك وتركيب الكائنات الحية كلها ، ويشرح وظائف أعضائها ، تحوَّل إلى علم تحليلى يهتم بتكوين الخلايا الحيَّة منذ نشأتها الأولى مستعيناً بالأجهزة الحديثة مثل: " الميكروسكوب الألكترونى " الذى يستطيع تكبير الأشياء آلاف المرات ، وأجهزة الطرد المركزى التى أمكنت من فصل أجزاء الخلية وجزيئاتها ، والأشعة السينية التى تعطى فكرة عن التركيب البلُّورى للمواد ، والرنين النووى المغناطيسى الذى يساعد على تركيب الجزيئات ، بالإضافة إلى التطورات الكبيرة الناتجة عن استخدام النظائر المشعة ! .

لقد استطاع العلماء ـ بهذه الأدوات ـ نقل الجزيئات الحاملة للصفات الوراثية من كائن حى إلى كائن آخر ، وقد تدخَّل " الكونجرس " الأميركى ومنع المضىّ فى هذه البحوث ، لأنه خشى أن تتولد من عمليات النقل جراثيم تقضى على الحياة البشرية .

قال المحاضر: "وقد اتجه العلماء ببحوثهم فى مجال الهندسة الوراثية إلى البكتريا والفيروسات ، ومنها إلى الكائنات الأكثر تعقيداً بعد توفير ضمانات معينة ، طمأنت المسئولين.

وصعد البحث من الأرض إلى السماء ، والصورة المرتسمة الآن فى أذهان العلماء أن الكون يحتوى على ملايين المجرات الموزعة فى الفضاء على جميع الاتجاهات بشكل متجانس ، وأن هذا الكون يتمدد ، وقد يظل كذلك حتى ينفجر.. "

ثم تحدث المحاضر عن " الحاسبات الألكترونية " قائلاً : " إن توسعاً هائلاً دخل في صناعتها ، وأن المواد نصف الموصلة قد تطورت من 1004 قطعة من المعلومات لكل شريحة سنة 1971 إلى 64 ألف قطعة معلومات لكل شريحة سنة 1978 ، وأن هذه الحاسبات ستدخل البيوت فى الولايات المتحدة خلال عشرين سنة ، ومن الممكن تصور استخدام الحاسب لتنفيذ مطالب معينة عن طريق التليفون ، كطهى الطعام فى الأفرإن ، وغسل الملابس ، وتسجيل المواعيد ، والإشراف الطبى على المرضى ، والحراسة والإنذار عند الخطر ، والجلوس مع الأطفال . . إلخ " .

إننى أبحت لنفسى هذا التلخيص كى يشعر المسلمون بأن ضيق الأفق قاتلهم لا محالة ، وأن العزلة عن الكون وعلومه جريمة فى حق الإسلام وأهله ، وأن تأييد الحق الذى شرَّفهم الله به لا يتم بالقصور العلمى وحسبان الدين مراسم جوفاء ، وأن العبادة كما تكون مناجاة لله فى صلاة خاشعة تكون مدارسة لعلمه الجليل فى كونه الكبير ..

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى
#مشكلات_في_طريق_الحياة_الإسلامية
كلمة حرة
نشر في 06 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع