1523 مشاهدة
0
0
جواب هذا السؤال ليس من نوع (نعم/لا) ولو أنه يبدو كذلك للوهلة الأولى! فلئن سألنا "هل فحوى قصة يوسف أنه ضاع عن أهله ثم وجدهم؟" فمن السذاجة الاعتقاد بأن جواب هكذا سؤال يجب أن يكون إما بنعم أو ب لا
هل انتشر الإسلام بحد السيف؟ وبالتالي هل يتوجب على المسلمين قتال الآخرين لنشر الإسلام؟بداية جواب هذا السؤال ليس من نوع (نعم/لا) ولو أنه يبدو كذلك للوهلة الأولى! فلئن سألنا "هل فحوى قصة يوسف أنه ضاع عن أهله ثم وجدهم؟" فمن السذاجة الاعتقاد بأن جواب هكذا سؤال يجب أن يكون إما بنعم أو ب لا
بدايةً المسلمون نتاج البشرية وهم جزء منها، ونتاج الحضارات البشرية هو ملك للبشرية جمعاء كما أن الشعوب المتعاصرة في حقبة ما تتبع دوماً نفس القواعد والقوانين
حين أتى الإسلام، كان في العالم الإمبراطورية الفارسية، والإمبراطورية الرومانية، وكانتا في حروب وتنافس دائمين، وكذلك كان العرب، الذي خاضوا حرب البسوس لأجل ناقة، وحرب داحس والغبراء، وكانت القبائل تغير على بعضها وتتنافس على الأراضي والنفوذ، وكان الغساسنة في الشام موالين للروم، بينما كان المناذرة في العراق موالين للفرس وكانت بينهم حروب دائمة
فحين وُلدت دولة جديدة في تلك الحقبة وهي دولة العرب المسلمين، لم تجلب تلك الدولة الحروب! ولم تخترعها، ولم تأتي بها كشيء خارج عن المألوف في ذاك العصر، بل انخرطت تلك الدولة الوليدة بالتنافس مع دول الجوار بلغة ذاك العصر! واستمر حال البشرية باعتبار الحروب والتوسع واحتلال المناطق وسيلةً لبسط النفوذ إلى أن زالت تلك الحضارة العربية الإسلامية بنفس الطريقة التي توسعت! حين غزا المغول الدولة العباسية وأسقطوا حكمها
فبدايةً تحميل شعب واحد صفة شنّ الحروب، يحوي الأخطاء التالية:
1- اجتزاء للحقيقة من حقبة مضت
2- تقييم حقبة ولّت بقواعد الحاضر
3- تحميل شعب واحد من عشرات الشعوب مسؤولية ماكان يجري في ذاك العصر
فالإسلام لم يخترع الحروب بل شكلها، فأدخل الإسلام إلى الحروب: لاتقتلوا شيخاً ولا طفلاً ولا امرأة، ولاتقطعوا شجرةً ولا تذبحوا شاةً إلا لمأكلة
كما أعطى حقوقاً للأسير وحقوقاً للسبايا
-على الهامش، السبايا كانت من مفردات لغة ذاك العصر والإسلام أعطاهن حقوقاً، فلئن أعطى الإسلام حقوقاً للسبية فهذا ليس تشريعاً وتشجيعاً على السبي! كما أن الإسلام حث على تحرير العبيد، والاعتراف بوجود العبيد وذكرهم لايعني على الإطلاق الحث على الاستعباد -
فالدين الجديد لم يصنع فاتحاً وإنما صنع من الفاتح رحيماً، كما أنه لم يصنع حاكماً بل صنع من الحاكم عادلاً
ولاشك أن الدين الجديد لعب دوراً هاماً بتوحيد العرب وتهميش النزعة القبلية وهذا موضوع بحث مختلف
فالمسلمون في ذاك العصر، كانوا نتاج الحضارة البشرية في زمانهم، فأسسوا دولة تشبه دول الجوار، ونافسوا تلك الدول وفق القواعد السائدة في زمانهم، واستولوا على الأراضي وضموها لحكمهم وشنوا غارات التوسع كما تعرضوا لغارات من الدول المجاورة، ودين الإسلام أتى مع القادمين الجدد، كما شكل حافزاً إضافياً لتوسعة رقعة الدولة فكان انتشار الدين نتيجة الحروب لا سببها ولا محركها
حين غزا الروم السواحل العربية بالسفن لم يكن لدى العرب أسطول، فأدركوا أنهم بحاجة ماسة لجيش بحري فأسسوا الأسطول وخاضوا معارك البحر، وهذا ما ميز العرب المسلمين في ذاك العصر أنهم تعرفوا على وسائل وأدوات عصرهم، فتعلموها ونافسوا فيها بل وبرعوا فيها وهو ما جعلهم ينتصرون على من جاورهم من دول وحضارات
وإذا ألقينا نظرةً اليوم إلى أمريكا الجنوبية، تتكلم كل دولها اللغة الإسبانية والبرتغالية، والسبب أن الاحتلال الإسباني والبرتغالي أصاب تلك الدول فأتت لغة المنتصر معه ولا يصح القول أن اللغة الإسبانية انتشرت بالحروب وهي لغة عنف!
كما أن أمريكا الجنوبية تدين كلها بالنصرانية، التي أتت أيضاً مع المستعمرين الجدد، فانتشار الدين كان نتيجة الغزو وأحد المحرضين عليه، ولم يكن أبداً ديدن ومفتاح الحروب ولا السبب الأول والأخير فيها
وأما الشعوب في البلاد التي دخلها المسلمون، فأسلمت لكثير من الأسباب، فإما لأنهم رؤوا للمرة الأولى في حياتهم غزاة يدخلون مدينةً فلا ينهبوها! أو رغبةً في الانضمام للقوي لحصد المزيد من المكاسب، أو خوفاً من بطش قد يأتي في المستقبل، أو طمعاً بالأعطيات، وقصص إسلام الأفراد تعكس عقلية ذاك الزمن، ومفتاح فهم انتشار اللإسلام محوره فهم كيفية سير الأمور في ذاك الزمان
والآن: هل يتوجب علينا اليوم في عام 2017 قتال الآخرين لكي يسلموا؟
نشر في 12 كانون الثاني 2017