1201 مشاهدة
0
0
إن ربط معايير التقدم والتطور والرقي بمعدلات الإنفاق والاستهلاك يعدّ أمراً خطيراً للغاية، وهو يتبع النموذج المادي البحت الذي يجرّد الإنسان من إنسانيته فقياس تطور ورقي وتقدم أي فتاة،هل يجب أن يرتبط بثيابها ولا بنوع قهوتها ولا بنوع جوالها ولا بما ترتديه؟
الحجاب والتخلف والتقدم؟لاشكّ أن هذا الموضوع شائك للغاية، وكل ما حوله من كلام له أمثلة تنقضه سواء أكانت تنفي أم تؤكد ربط الحجاب بالتخلف
لم أجد جواباً أكثر إحاطة من جواب الدكتور المسيري حول هذه النقطة، حين سألوه: هل الحجاب مرتبط بالتخلف؟
فأجاب: "من يربط الحجاب بالتخلف ينزعه من سياقه الاجتماعي والاقتصادي والتاريخي والإنساني، ولنأخذ مثالاً
فتاة مستنيرة لاترتدي الحجاب، ترتاد نادي الجزيرة في مصر، تلعب التنس بالشورت، وترتاد قاعات الديسكو، وتجيد التحدث بعدة لغات أجنبية، وتشرب قهوتها اليومية لدى ستاربكس، ولاتعرف شيئاً عن مصر الحقيقية، مصر الفقراء والكادحين
هل هي أكثر تقدماً من فتاة محجبة تعيش في مصر الحقيقية، ولاتتمتع بمعدلات استهلاك عالية ولا تشرب القهوة لدى ستاربكس؟
حينما أذهب إلى دمنهور (مدينة مصرية) أرى المجتمع المدني في غاية الحيوية والنشاط، وكثير من القائمين على جمعياته فتيات محجبات، أعرف إحدى هذه الجمعيات التي توفر أجهزة غسل الكلى للمرضى الفقراء، وتقوم مجموعة من الفتيات(وهنّ محجبات) بتوفير الأموال اللازمة من القادرين، ومن بعض الأقارب والمعارف المقيمين في الخليج والولايات المتحدة لتغطية تكاليف هذا المشروع الخيري، بالله عليكم، من هو أكثر تقدماً فتاة نادي الجزيرة المتحررة أم هؤلاء المحجبات؟"
إن ربط معايير التقدم والتطور والرقي بمعدلات الإنفاق والاستهلاك يعدّ أمراً خطيراً للغاية، وهو يتبع النموذج المادي البحت الذي يجرّد الإنسان من إنسانيته
فقياس تطور ورقي وتقدم أي فتاة، لايجب أن يرتبط بثيابها ولا بنوع قهوتها ولا بنوع جوالها ولا بما ترتديه!
وأضاف الدكتور المسيري خلال حديثه عن الحجاب قصة حصلت مع زوجته العائدة حديثاً من أمريكا، ونزلت لأحد أسواق القاهرة في الثمانينات لشراء حقيبة وحذاء
فكان ثمن البضاعة الجيدة يقارب 150 جنيهاً في حين لم يتجاوزر راتبها في مصر وهي دكتورة ال 180 جنيهاً
حينها عادت وقالت:
أمام النساء في مصر أحد حلين لمواجهة معدلات الاستهلاك المرتفقعة، إما الحل التايلاندي (بيع الأجساد، حيث باتت تايلاند وجهة دعارة عالمية) أو الحل الإسلامي
وبذلك اكتشفت البعد الاقتصادي للحجاب، وهو أحد العوامل المؤثرة فيه وليس الوحيد، بالإضافي للأبعاد الدينية والاجتماعية والسياسية حتى!
حيث انتشر الحجاب مثلاً خلال تظاهرات الإيرانيين ضد نظام الشاهً، كتمسك بالهوية التي كان نظام الشاه يحاول طمسها، وحين نجحت الثورة الإسلامية في إيران، وفرضت الحجاب بالقوة، باتت النساء يقمن بنزع الحجاب كعلامة على اعتراضهن على الحكومة وسياساتها، وهذه أمثلة على دخول العامل السياسي في الحجاب
وبذلك نرى فداحة الخطأ بربط الحجاب بالتقدم والتخلف، بالتحرر والتنوّر، لأن هذا الربط يقوم على البعد الاقتصادي الاستهلاكي فحسب!، وقياس تحرر وتقدم المرأة لا يرتبط بما تضعه على رأسها سواءً أكانت محجبة أم لا، بل يرتبط بالمعايير التي نريد ان نقيس فيها هذا التقدم: كدورها في المجتمع، مساعدة المحتاجين، تحمّل المسؤولية تجاه الآخرين
----------
كلام الدكتور المسيري منقول من كتابه الهوية والحركية الإسلامية بتصرف
نشر في 03 نيسان 2017