Facebook Pixel
قضية الأخلاق في الإسلام
2148 مشاهدة
1
0
Whatsapp
Facebook Share

بعض الناس يتصور أن عجزنا الصناعى والعسكرى من وراء تخلفنا هنا وهناك، وأن أمتنا لو ملكت أسلحة وطائرات بعيدة المدى وقنابل ذرية لسادت وقادت!

كتاب : الطريق من هنا - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 4 ] : قضية الأخلاق عندنا

هل ترجع هزائمنا العامة إلى أننا لا نملك طائرات بعيدة المدى، وإلى أننا لا نصنع القنابل الذرية؟ بعض الناس يتصور أن عجزنا الصناعى والعسكرى من وراء تخلفنا هنا وهناك، وأن أمتنا لو ملكت هذه الأسلحة سادت وقادت!.

إن هذا فكر سقيم، والواقع أننا مصابون بشلل عضوى فى أجهزتنا الخلقية، وملكاتنا النفسية يعوقنا عن الحراك الصحيح، وأن مجتمعاتنا تشبه أحياء انقطع عنها التيار الكهربائى فغرقت فى الظلام، ولابد من إصلاح الخلل الذى حدث كى يسطع التيار مرة أخرى.

وعلاج الأعطاب الشديدة أو الخفيفة بالكلام البليغ أو النصح المخلص لا يكفى! لابد من إزالة أسباب الخلل، ومن إعادة الأوضاع إلى أسسها السليمة إلى فطرتها الأولى. (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله).

وقد راعنى أن خلائق مقبوحة انتشرت بين الناس دون مبالاة، أو مع إغماض متعمد، واستمرت الناس لها حتى حولها الإلف إلى جزء من الحياة العامة، ومن هنا رأينا الاستهانة بقيمه الكلمة، ورأينا قلة الاكتراث بإتقان العمل، ورأينا إضاعة الأمانات والمسئوليات الثقيل، ورأينا القدرة على قلب الحقائق، وجعل الجهل علما والعلم جهلا والمعروف منكرا والمنكر معروفا..

إن قضية الأخلاق وما عراها من وهن أمر جلل، إنك لا تستطيع بناء قصر شاهق دون دعائم وأعمدة وشبكات من حديد، ولا تستطيع بناء إنسان كبير دون أخلاق مكينة ومسالك مأمونة وجملة من الخلال تورث الثقة، وتأمل فى قول أبى تمام:

وقد كان فوت الموت سهلا فرده .. إليه الحفاظ المر والخلق الوعر!

إن ضمانات الخلق الصلب فى سيرة هذا البطل هى التى تعلو بها الأمم، وتنتصر الرسالات، وهى التى يستخذى أمامها العدو وتنهار الطواغيت، وعندما ترى مجتمعا صارما فى مراعاة النظام، دقيقا فى احترام الوقت، صريحا فى مواجهة الخطأ، شديد الإحساس بحق الآخرين، غيور، على كرامة الأمة، كثيرا عند الفزع، قليلا عند الطمع، مؤثرا إرضاء الله على إرضاء الناس، عندما ترى هذا الخلال تلتقى فى مجتمع ما، نثق أنه يأخذ طريقه صعدا إلى القمة.

وقد كان المسلمون الأوائل نماذج أخلاقية تجسد فيها الشرف والصدق والطهر والتجرد، ولذلك تصدروا القافلة البشرية عن جدارة، ولا غرو كانوا صنع الإنسان الذى وصفه الله بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم) وكانوا نضج روحه العالى فمشت وراءهم الشعوب تتعلم وتتأسى.

أما اليوم فنحن نجرى ونلهث وراء الشعوب الأخرى دون أن نصل إلى مستواها، لأن وزن الأخلاق عندنا خفيف وارتباطنا بها ضعيف..

والأخلاق مجموعات متنوعة من الفضائل والتقاليد تحيا بها الأمم كما تحيا الأجسام بأجهزتها وغددها، فإذا اعتقت هذه المجموعات وانفكت رأيت ما لا يسر فى مسالك العامة والخاصة..

فى كثير من البلاد الإسلامية رأيت الوساخة فى الطرق والبيوت أو فى الملابس والأبدان، ورأيت الفوضى فى سير الأشخاص والعربات، ورأيت الإهمال والتماوت فى تناول السلع والواجبات، ورأيت دوران الناس حول مآربهم الذاتية ونسيانهم المبادئ الجامعة والحقوق العامة، ورأيت انتشار اللغو والكسل وفناء الأعمار فى لا شىء!!.

الكذب فى المواعيد وفى رواية الأخبار، وفى وصف الآخرين أمر سهل! وكذلك استقصاء الإنسان فى طلب ما يرى أنه له، واستهانته فى أداء ما هو عليه، ونقصه ما هو قادر على إتمامه، وفقدان الرفق فى القول والعمل وشيوع القسوة والمبالغة فى الخصام!.

ثم تحول الآداب إلى قشور يطل من ورائها الرياء بل إن الرياء ـ وهو فى الإسلام شرك ـ يكاد يكون المسيطر على العلاقات الاجتماعية، وهو الباعث الأول على البذخ فى الأحفال والولائم والمظاهر المفروضة فى الأفراح والأحزان..

العجز الإدارى قد يرجع إلى أسباب خلقية وعلمية، بيد أن الأسباب الخلقية عندنا أسبق.

الفشل العسكرى قد يرجع إلى أسباب نفسية وفنية وصناعية، بيد أن الأسباب النفسية عند العرب أظهر وأقوى..

ويجزم أولو الألباب بأن الساسة العرب والقادة العرب وراء كل نصر أحرزه بنو إسرائيل خلال أربعين سنة.

بل إن قادة اليهود صرحوا بأن المكاسب التى أحرزوها تجاوزت الأحلام وسبقت الخيال! إنهم ما خططوا لها ولا احتالوا لبلوغها! إنها هدية من الانحلال العربى ومن ضعف الأخلاق، إنها غنيمة باردة لخصوم يحسنون انتهاز الفرص!.

وأى فرصة أغلى من أن يكون القائد العربى صريع مخدرات ومسكرات، وأن يكون الزعيم العربى قد وصل إلى منصبه فوق تل من جماجم خصومه، ورفات بنى جنسه المدحورين أمامه.

إن هذه أعظم فرصة لقيام دولة إسرائيل، لقد قامت فى الفراغ المتخلف من ضياع الأخلاق لدينا، وتحول المسلمين إلى أمم مقطعة، خربة الأفئدة، مخلدة إلى الأرض، جياشة الأهواء، باردة الأنفاس...

إننا نقول لغيرنا : النار مصير الملاحدة والمشركين، لسوف يجزون ما يستحقون لقاء كفرهم بالله ونسيانهم له!.

ليت شعرى لماذا لا نقول لأنفسنا: والنار كذلك مثوى المرائين الذين عملوا عن وجه الله، وأرادوا الحياة الدنيا وزينتها، واستماتوا فى طلب الشهرة والسمعة والمال والجاه، وكانت علاقتهم بهذه الأهواء أشد من علاقة المشركين بأوثانهم؟؟

لماذا لم نقل لأنفسنا: إن أول من تسعر بهم النار، رجال دين يطلبون الدنيا، ورجال مال وحرب ينشدون الوجاهة والسلطان؟ ألم يقل لنا نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك؟.

إننى طفت فى أقطار إسلامية كثيرة، فرأيت سطوة العرف أقوى من سطوة الشرع، واتباع الهوى أهم من اتباع العقل!.

وللناس قدرة عجيبة فى إلباس، شهواتهم ثوب الدين، وتحقيق مآربهم الشخصية باسم الله..

وأذكر أنى كنت فى شبابى الباكر أغشى بيت تاجر أرمنى كى أدرس اللغة العربية لأحد أولاده، وكانت الأم ترقب ابنها وتذكره بما أفرضه عليه من واجبات..

وخلال سنة لاحظت أن هذه الأم، لا ترتدى إلا ثوبين أو ثلاثة من نوع رخيص ولكنه نظيف وأنيق، وكثيرا ما كانت تعين زوجها فى دكانه وهى على هذه الحال من قلة التكلف وتواضع الملابس..

على حين كنت أرى الأسر الإسلامية فى دنيا أخرى! ما تكتفى المرأة إلا بالعشرات من الثياب الغالية...

ورأيت عرس يهودى يبنى بزوجته ـ قبل قيام دولة إسرائيل ـ فلم أر ما يثير الانتباه، وتذكرت وصف حافظ إبراهيم لعرس عربى:

سال فيه النضار حتى حسبنا .. أن ذاك الفناء يجرى نضارا!!

قلت: ماذا تفعل أمتنا بنفسها؟ وإلى أين تسير؟ وما تلك الأخلاق والتقاليد التى تحكمها؟.

اتصلت بى فتاة فى أواخر شهر رمضان عن طريق الهاتف، وقالت: نحن نسمع دروسك، وربما كان لها أثر حسن، أرجوك أن تنصح الآباء ألا يعضلوا بناتهم، إن أبى رد ثلاثة من الخطاب أتوا يطلبوننى، والسن تتأخر بى! قلت: لعل فى دينهم، أو مروءتهم ما يصرف النظر عنهم! قالت الفتاة فى يأس: إن الإيمان والأخلاق آخر شىء ينظر إليه! المهم المال والجاه! المهم الحسب والنسب!.

ودرست أوضاع الزواج فى أغلب البلاد الإسلامية، فوجدت النفاق الاجتماعى يهيمن على السلوك: كم سيدفع لشراء الحلى والملابس كم سيدفع لإقامة الأحفال والولائم؟؟ كم سيدفع لتقديم الهدايا واقتناء الأثاث العصرى؟.

ثم هذا العريس المتقدم من أى قبائل؟ إذا لم يكن من الحزب النازى فلن يصلح لفتاتنا، ولو كان مخترع الأقمار الصناعية...

الواقع أن أولى الألباب يحارون فى فهم شبكة التقاليد التى تسود عالمنا الإسلامى! وهم يوقنون بأنها بعيدة عن تقوى الله، ورعاية المصالح...

إن الجماهير تغض الطرف عمدا عن مسالك للشباب قبل الزواج تذبح فيها أعراض، وتبيد فضائل، إلى أن يتيسر الزواج وفق المواصفات التى وضعها الشيطان!.

وعندما تكون الرذيلة جزءا لابد منه فى الحياة الاجتماعية فعفاء على الدين، إنه سيكون عنوانا لا مفهوم له، أو اسما لا حقيقة له، ولا معنى للمسجد بجوار ما خور!.

إننى أتأذى عندما تزور الانتخابات فى بلد ما، لا لأن نفرا من الشطار سوف يسرقون مناصب لا يستحقونها- وهذا وحده جريمة- بل مصدر الأذى مرور الكذب فى هدوء، واستقرار شهادة الزور دون اكثراث، ويألف الكبار والصغار أن تطمس الحقيقة دون نكير!.

وأمة تحيا بهذه الخلائق جديرة بالموت..!.

ما عرفته من تعاليم الإسلام، ومن سيرة رجاله، أن الدين والخلق قرناء جميعا، وأنه إذا صح الإيمان، وصحت العبادات التى فرضت معه، ازدهرت الفضائل وتعامل الناس بشرف ونبل وتراحم وتسامح، واستخفى الغدر والخبث والشره والزور... الخ.

لقد ورثنا ثروة كبيرة من الآداب النفسية والاجتماعية، يتدبرها المرء فيتساءل: إلى أى أفق من الكمال والسناء ترفعنا هذه النصوص لو أننا اعتصمنا بها وحولناها إلى مسالك حية؟.

خذ هذه النماذج السريعة: قال رسول الله : " إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام فى شىء، وإن أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا "!.

وقال: " إن الله عز وجل ليعطى على الرفق ما لا يعطى على الخرق، وإذا أحب الله عبدا أعطاه الرفق، ما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا الخير".

وقال: " تبسمك فى وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر، وإرشادك الرجل فى أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك فى دلو أخيك لك صدقة وبصرك للرجل الردىء البصر لك صدقة ".

وقال: " والذى نفسى بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ".

وقال ابن عباس مفسرا قوله تعالى : (ادفع بالتي هي أحسن) الصبر عند الغضب والعفو عند الإساءة فإذا فعلوا ـ يعنى المسلمين ـ عصمهم الله وخضع لهم عدوهم..!.

وعن النعمان بن بشير كنا مع رسول الله فخفق رجل نعس- وهو على راحلته، فأخذ رجل سهما من كنانته فانتبه الرجل فزعا، فقال رسول الله : لا يحل لمسلم أن يروع مسلما. وقال رسول الله لأصحابه : تدرون أربى الربا عند الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: فإن أربى الربا عند الله استحلال عرض امرئ مسلم! ثم قرأ (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا).

وعن أبى كثير السحيمى عن أبيه قال: سألت أبا ذر فقلت: دلنى على عمل إذا عمل العبد به دخل الجنة! قال أبو ذر سألت عن ذلك رسول الله فقال: يؤمن بالله واليوم الآخر، فقلت: يا رسول الله، إن مع الإيمان عملا، قال: يرضخ ـ يعطى مما رزقه الله، قال: أرأيت إن كان فقيرا، لا يجد ما يرضخ منه؟ قال: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر! قال: قلت يا رسول الله أرأيت إن كان عييا لا يستطيع أن يأمر أو ينهى؟ قال: يصنع لأخرق! قال: أرأيت إن كان أخرق ـ عاجزا ـ لا يستطيع أن يصنع شيئا؟ قال: يعين مغلوبا! قال: أرأيت إن كان ضعيفا لا يستطيع أن يعين مغلوبا؟ قال الرسول: ما تريد أن يكون فى صاحبك من خير!! يمسك عن أذى الناس! قلت: يا رسول الله! إذا فعل ذلك دخل الجنة؟ قال: ما من مسلم يفعل خصلة من هؤلاء إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة!.

تأمل فى هذا الاستقصاء! وتأمل فى أن خلال الخير هى التى تقود الرجل من يده فتدخله الجنة!.

إن السلبية لا تزكى فردا ولا جماعة، والأمة التى تدور حول مآربها وحسب، لا تزيد عن أعدادها من الدواب فى الحقول، أو الوحوش فى الغابات..

وهناك رذائل تتجاوز مقترفيها ويمتد أذاها إلى آماد بعيدة، فالغش فى الامتحانات أو السلع أو المبانى أو رصف الطرق، أو غير ذلك من شئون الناس خاصة أو عامة، رذيلة مدمرة النتائج، وقد نفى النبى عليه الصلاة والسلام صاحبها من جماعة المسلمين " من غشنا فليس منا" .

والواقع أن فشو الغش فى مجتمعنا، وقلته فى مجتمعات أخرى هد ركننا وأضعف قوانا وزعزع الثقة فينا!.

وبعض الجامعات الكبرى ترفض الإجازات العلمية الممنوحة من بعض معاهدنا لأنها لا تطمئن إلى قيمتها، كما أن بعض المستهلكين يرفض السلع التى نصنعها لأنه لا يطمئن إلى جودتها! أفيشرفنا هذا الوضع؟.

وكما نفى النبى أن يكون الغشاشون من الأمة نفى أن يكون الهابطون بأقدار الكبار، الجاحدون لمكانة العلماء من الأمة " ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه ".

والحق أن فواجع رهيبة أصابت المسلمين بسبب غمط الأذكياء وتقديم الأغبياء، والعرب يرجحون عصبية الوطن والنسب على الكفاءة العلمية والادارية، والمستبدون من الحكام يقدمون مشاعر الزلفى والملق على القدرة الرائعة والخبرة الواسعة.

وقد كنت أوازن بين قادة الشيوعية والصليبية من ناحية وقادة المسلمين من ناحية أخرى فأشعر بغصة، القوم يقدمون أعظم من لديهم ونحن نقدم ما تيسر...!!.

والأخلاق ليست شيئا يكتسب بالقراءة والكتابة أو الخطابة والدعاية إنها درجة تكتسب بالمعاناة الشديدة، كيف تنتقل من أدنى إلى أعلى؟ كيف تنتقل من الطراوة إلى الصلابة؟ والمرء فى هذا الميدان يصنع نفسه، وهو أدرى الناس بما يشينه من كسل أو بخل أو خوف.. الخ، فيرسم طريق الشفاء ومراحل الخلاص، ولا يزال يتابع السير، ويغالب العقبات حتى يبرأ من علله..

على أن للجماعة الإنسانية دخلا كبير فى إدراك هذا النجاح، وقد علمنا أن هناك بيئات تنبت الذل وأخرى تنبت العز، وبيئات تنبت التواصل والتعاون وأخرى تنبت التحاقد والتحاسد.

وكان فى الامكان أن تتألف جماعات أو مدارس أو طرق لهذه التزكية المنشودة، بيد أن رجال الطرق لدينا اعتمدوا على أوراد وبدع لا خير فيها، وفقدوا المقدرة العلمية والعملية على التسامى بأنفسهم وبالأجيال، فأساءوا ولم يحسنوا، ومن هنا لم تجد الأخلاق التربة التى تزكو فيها وتزهو.. وعاش الناس وفق ما أتيح لهم من طبائع وتقاليد...

وكم كنت أود لو وجد الأستاذ المخلص الذى يتعهد الناشئة ويبصر ميولهم ومسالكهم، فيقوم ما اعوج بأناة، ويصلح الأخطاء بمحبة، ويحل العقد النفسية وينشط الملكات الذكية ولا يزال يصحبها بتوجيهاته حتى يخلق من الأطفال الصغار أبطالا كبارا، كل يمضى حسب قدراته (ولكل وجهة هو موليها).

وعصرنا لا يسمح بوجود هذا الأستاذ، لأنه أوقد جذوة التنافس بين الناس، وبغض لكل امرئ وضعه، فهو لا يبقى فيه إلا ريثما يتحول عنه إلى منصب أعلى. ويغلب أن ينتقل هذا الأستاذ من منصبه العلمى إلى منصب ادارى أحظى لدى الناس، فلا يبقى فى ميدان التربية الحقيقية إلا من فاتته القافلة وأكرهته الأيام على البقاء..!.

والأخلاق لغة عالمية تتفاهم بها الشعوب على اختلافها، وتتحاكم إلى منطقها، وربما اختلفت تقاليد وأحكام، لكن الأخلاق تظل مرتكزة إلى ما أودع الله فى الفطر من تحسين الحسن وتقبيح القبيح..

ونحن نعلم من ديننا أن من أركان النفاق الكذب فى الحديث، والخلف فى المواعيد، والخيانة فى الأمانات، والغدر فى العهود، والفجور فى الخصومات.. والناس فى المشارق والمغارب ما ينكرون شيئا من هذا، وما يحترمون كاذبا ولا غادر،.. إلا أننا نلفت الأنظار إلى حقيقة لها خطرها، إن الأخلاق فى أرضنا تتصل اتصالا وثيقا بالإيمان، فإذا اهتزت العقيدة ظهر النقص، ونجم الإثم، واضطربت الأمة كلها.

وقد أصابنا الاستعمار العالمى فى صميمنا عندما أوهى الإسلام واستبعد إيحاءه فى الحياة العامة، لقد تبع ذلك انهيار خلقى محزن، وميوعة لا تستقر فيها على شىء!.

ربما كانت للقوميات الأخرى فلسفات تتماسك بها، أما فى دار الإسلام فإنه مع استبعاد الإيمان ومواثيقه وشعائره انحلت الأفراد والجماعات على نحو لم تعرفه بلاد أخرى، وتبجحت الخيانة، وفجر الأقوياء، ولصق الضعاف بالحضيض، وصار طلب الخبز النداء الأول! وارتضى الكثيرون أن يفوزوا من الغنيمة بالإياب..!.

ولكى يعود سلطان الأخلاق إلى عرشه يجب أن يعود اليقين إلى الأفئدة، وأن تألف الجماهير الصلاة، وأن تنتصر الفضائل على الشهوات، وألا يحترم كذوب أو يتقدم مفرط.

وأرى أن يتم تصنيف الأخلاق وفق مقتضيات العصر، فهناك أخلاق تشرح بدقة فى التعامل بين الحكام والجماهير، وأخرى بين الجنسين فى شتى الميادين، وأخرى بين العمال وأصحاب العمل، أو بينهم وبين العمل نفسه.. وفى الإسلام مدد لا يغيض لهذه الغايات كلها.

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى
#الطريق_من_هنا
كلمة حرة
نشر في 11 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع