Facebook Pixel
خسرت رمضان وربحت الصيام!
خسرت رمضان وربحت الصيام!
1419 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

دخل رمضان، كيف لي أن أصوم وأنا الوحيد المسلم في بلد لاتعرف ماهو الصيام !

خسرت رمضان وربحت الصيام!
ومنها إلى #تحدي_الحجاب

كانت أشهري الأولى هنا، ووصلتنا دعوة من الإدارة للاحتفال بالذكرى الخامسة لتأسيس الشركة وتم اقتراح موعد بعد شهرين وحرصت الإدارة على تواجد الجميع مابين الساعة السادسة والعاشرة من مساء اليوم المقترح وتم حجز رحلة على متن قارب سياحي من أجل تلك المناسبة
اقترب الموعد واقتربت التحضيرات لدخول شهر رمضان المبارك، وهو الأول لي في بلد أجنبي، لأكتشف الصدفة القاسية، أن موعد الاحتفال المزمع يكون في شهر رمضان!
يؤذن المغرب هنا في تمام العاشرة مساءً كما أن الفجر يبدأ تمام الثالثة إلا ربع فجراً

دخل رمضان، وقد اعتدنا في بلادنا أن العمل يكون بجدية أقل، وبدوام أقصر، بينما كنت الوحيد المسلم وعانيت من إحراج رائحة الفم، باللإضافة إلى الإحراجات الأخرى واحتجت لحوالي الأسبوع حتى يتماشى الجميع مع حالتي الخاصة والفريدة بالنسبة إليهم

سألني أحدهم ذات صباح باهتمام عن الصيام، وكان يعدّ كوب قهوة، فناولني إياه، فأخبرته بأنني صائم! فقال: نعم نعم هذه قهوة وليست طعاماً
وأُصيب بدهشة كبيرة حين علم أن صيامنا يشمل القهوة وحينها قال: إنه من الصعب جداً أن تبقى حوالي 19 ساعة فقط على الماء
حينها تبسمت وقلت: ولاحتى الماء!

لم يستطع فهم ما أقوله وانصرف في حيرة كبيرة وسط ابتسامتي التي أحرجته
بدأت البحث والقراءة عن الصوم، وساعدتني حلقة الشقيري بعنوان "رمضان بريء" ولكن الحقيقة الصادمة أن المسلمين الأوائل كانوا يفطرون في المعارك أخذاً بالرخص
كما أن جميع فوائد الصيام تشمل الصيام عن الطعام، ولايوجد أي فائدة للصيام عن الماء بل إن أخطاره كثيرة ولا يمكننا تفسير مغزى الصوم بالاعتماد على الفوائد الصحية

اقترب الموعد وأعلمتني الإدارة بطلب لحم حلال خصيصاً لي، وطعام نباتي لصديقي الهندي، الاعتذار ليس وارداً كأحدث موظف قد انضم إلى الشركة، الاعتذار سيكتب علي العزلة والنظرة الدونية هنا فكنت أمام خيارين
أن أذهب وأفطر!
أن أذهب وأنا صائم
لثوان قليلة حدثت نفسي، الرحلة بعيدة ويمكن اعتبارها على سفر، كما أنه يوجد رخصة للبنّاء الذي يصاب بإرهاق أثناء عمله، فهذه الرحلة جزءٌ من العمل، يمكنني الإفطار ومن ثم القضاء

تذكرت فتوى الأزهر حين أفتى للمنتخب المصري بالإفطار قبل مباراة ببطولة إفريقية، وتذكرت حجم السخرية التي ظهرت بها تلك الفتوى ومن أخذ بها، ووجدت نفسي في موقف أكثر سخافة من ذاك
عزمت على الذهاب صائماً، وبدأت بسؤال مسلمين قدامى في أوروبا وأمريكا، وبدأت بالفعل أبحث عن معنى الصوم، مغزى الصوم، ولماذا خصه الله تعالى بالأجر المباشر منه عزّ وجل
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ اللَّهُ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)

جمّعت ما تيسر لي من أفكار ووفقني الله عزّ وجل للتحدث إلى أحد الإخوة المقيمين في أمريكا، وأعطاني قسماً كبيراً مما أبحث عنه

تسحّرت في ذلك اليوم حوالي الثانية والنصف فجراً، ذهبت إلى العمل في الثامنة والنصف، أنهينا العمل في الخامسة والنصف أي بعد حوالي 15 ساعة من بدء الصوم! ومن ثم توجهنا إلى المرفئ ومنه صعدنا إلى القارب

رافقني مديري الذي بدأ يعرّفني على مرفأ المدينة ومعالمها ثم وصل النادل يسألنا عمّا نشرب، فاعتذرت بهدوء، حينها انتفض مديري وأخذ القائمة وبدأ يشرح لي عن الخيارات، حينها قلت له أنا صائم، فأجاب: أحقاً، ألم ينتهي صوم هذا اليوم بعد؟
قلت لا حتى العاشرة مساءً
أجابني: ومنذ متى؟
قلت: الثالثة فجراً!

حينها أومئ للنادل، وعاد النادل بكأس ماء بارد مع قطع ثلج، فأمسكه وناولني إياه وتابع حديثه
لاحظت أن الصوم موجود ومعروف حتى في الهندوسية ولكن لا أحد يصل للصوم عن الماء إلا نحن المسلمين، حينها ابتسمت له وقلت: ولاحتى الماء
حينها أصيب بصدمة وقال: cruel religion
دين قاسي!
أجبته: اسمع، لقد امتلكت شقتي الخاصة في سوريا بعمر 27 عاماً، وكنت أقود سيارة فولكس فاجن، وكان لدي عمل ولزوجتي عمل
خسرت كل شيء ووصلت إلى الأردن بثيابي مع زوجتي وطفلي، وحين وصلت إليكم هنا لم أستطع اصطحاب حتى جميع ثيابي!
لولا هذا الدين، لكنت على جسر لوكيرن منذ زمن!
-في بلجيكا وفي ضواحي مدينة لوكيرن، يوجد جسر حجري فوق نهر، يعتبر معلم انتحار أساسي لعمق الماء تحته-
فأنا أقرأ عن أناس في الأخبار قفزوا من على ذلك الجسر بسبب خسارة فريقهم، أو انفصالهم عن شريكهم
هذا الدين الذي علمني ترويض رغباتي والسيطرة عليها لدرجة أنني أرى كوب ماء بارد ولا أرغب في شربه هو ماجعلني أقف معك هنا اليوم ولم ينتهي بي المطاف منتحراً مثلاً
حينها قال: واو أرى ذلك، أنا أحترم ذلك تماماً وأعتذر إن كنت ما قلته قد أساء
أجبته: لاعليك، لقد اخترت الخيار الذي أعتقد أن فيه نجاتي، وأنا اليوم أعمل معكم كأي موظف رغم أن مدينتي تحت القصف وبقية عائلتي تحت النيران وهذا الدين أعطاني التوازن الذي أحتاج
أنا أؤمن أن هذا الدين هو مفتاح نجاتي في هذه الحياة وما بعدها

سارت الرحلة على مايرام، وحتى حين حلّ موعد العشاء في الثامنة والنصف، لاحظت اتفاقهم على البقاء معي على سطح المركب لعدم تركي وحيداً ولعدم إحراجي بالجلوس على الطاولة، ولكنني رفضت وجلست معهم وتبادلنا الحديث، حتى قام المدير بالتحدث مع الطباخ وتجهيز طبق لي وحفظه بعلبة خاصة لآخذه معي حين يحين وقت الإفطار

نزلنا من المركب تمام العاشرة، وصلت إلى البيت حوالي الحادية عشرة والنصف مساءً، وراجعت هذا اليوم، حصيلة بحث مستمر لأيام ومشاورات أتت بجملتين فقط عن أثر الصوم على النفس ودوره في بنائها جعلت الجميع يحترم ديني الذي لا يسمعون عنه إلا القتل والإرهاب!

علمت بعدها أن الطريق طويلة لفهم الدين الذي نحمله، ومن هنا نسحب موضوع الحجاب، لا أعتقد أن رجلاً مهما بلغ من الإدراك يمكنه فهم وسبر أثر وسرّ الحجاب، فنحن بحاجة للفتيات -حتى لو كنّ غير محجبات!- لسبر أسراره واكتشاف آثاره

الأجوبة التقليدية تنفع بين المسلمين وفي الأكواب المملوءة، كأن تقول: أنا أصوم أو محجبة لأن الله أمرني بذلك، ولأنه فريضة، ولأنني أحب الله وأحب الالتزام بديني

ولكن الدعوة، ومجابهة خطاب الآخر المشكك عن علم وقرائن ودلائل يحتاج لأعمق وأبعد من تلك الأجوبة بكثير، فتلك الأجوبة تظهرنا بمظهر المتبع الأعمى "هذا ما وجدنا عليه آبائنا" على عكس متطلبات واحتياجات هذا الزمان! ومن لايملك تلك الأجوبة اليوم يمكن هزه بسهولة خاصة في العالم الافتراضي المليء بالتحديات

تلك المعركة ليست اختيارية، فحتى لو أدرنا وجوهنا عن التحدي وعن تلك الإشكالات باعتزال وسائل التواصل لكي لا نرى تلك الإشكالات التي يطرحها الآخرون -منهم عن حسن نية حتى- فستصل إلى أولادنا وإلى منازلنا بطريقةً أو بأخرى، ولابدّ لفريق منا أن يقوم بالجهد ويجد الجواب الذي كان موجوداً في صدور الأولين

عذراً للإطالة :)
من التفكر في الغار
نشر في 20 كانون الثاني 2017
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع