2289 مشاهدة
0
0
وكما توقعتَ أنت فإن زوجي إسحاق خفيف الظل، يمكنه أن يحيل أي شيء بالكون إلى دعابات، وهو ذاك الطراز الطفولي من الرجال، الذي يمكنه أن ينام بينما يشاهد التلفاز
حينها، كنتُ لا أزال عروسًا جديدة.وكما توقعتَ أنت فإن زوجي (إسحاق) خفيف الظل، يمكنه أن يحيل أي شيء بالكون إلى دعابات، وهو ذاك الطراز الطفولي من الرجال، الذي يمكنه أن ينام بينما يشاهد التلفاز، أو يهب يضغط النور بمجرد أن تنقطع الكهرباء، أو يقضي ربع ساعة في عقد رباط الحذاء، قبل أن يتركه في يأس وهو يزبد ويتوعد. حتى أنني قد علّمته ربطة بدائية بأن يصنع من كل رباط دائرة ثم يعقدهما معًا على هيئة فيونكة، وقد تعلمها بسرعة.
أنا لم أكن أعرفه جيدًا قبل الزواج، كان زواجًا تقليديًا وسريعًا جدًا، كان يريد أن يتزوج قبل أن تنتهي إجازته ويسافر، وكنتُ أريد أن أتزوج قبل أن أتجاوز الثلاثين، فوقع بيننا ما يشبه اتفاقًا ضمنيًا أننا سنتزوج أولاً، ثم نتعرف على مهل.
في أسبوع العرس الأول كان يحمل لي مفاجأة صغيرة،
وكانت ببساطة أنه يريد أن ينزل يمر على أمه ثم يكمل سهرته مع أصحابه بالمقهى، تلك السهرة الصبّاحية التي تبتدأ مع أول عطلة نهاية أسبوع تمر علينا وتمتد حتى صباح اليوم التالي، وبالطبع كانت المفاجأة بأكثر مما يحتمله قلبي الخفيف.
أخبرته أني لا أطيق فراقه، وأريده أن يبقى معي لأستمتع بصحبته، وأشياء من ذاك الطراز الذي لم يؤثر فيه، ولا فيّ أنا أيضًا، كما لم يكن ليؤثر في طفل؛ والحقيقة أنني كنت مذعورة لا أكثر؛ فمنزل الزوجية في مكان ناء من مدينة السادس من أكتوبر، كما أن العمارة لم تسكن بعد، وكان هذا أيضًا يمكن تجاوزه، أما الطامة الكبرى هي منظري أمام أصدقائه، والعائلة، وحتى أمام نفسي: زوجي يهرب مني في أول أسبوع زواج، لِمَ؟ هل كنتُ زوجة أبيه؟ هل كنت السلعوة أو أم أربعة وأربعين؟ بل إنه هو المرعب، إنه طويل وضخم وأسمر اللون، كما أن اسمه ينتهي بـ (العشماوي)، وبعد هذا يتركني ليسهر!!
وحين أخبرته في شماتة أن اسمه (العشماوي)، أخبرني في ’تباتة‘ أنني مدام (العشماوي)، وهو ما ساهم في إضحاكي، لكن لم يساعد أبدًا على أن أبتلع هذا الأمر، في حين بدا مصممًا جدًا، وبالتأكيد وقعت أول مشاجرة.
"لا يجب أن تفرضي سيطرتك عليّ"
"افعل شيئًا منطقيًا بالأول، ثم تحدث عمّا يجب وما لا يجب"
"إجازتي قصيرة ويجب أن أرى أصدقائي وأمي"
"ولماذا تزوجت إذًا، كنتَ لتظل بحضن أمك"
"يجب أن تتهذبي في محادثة زوجك"
ذاك التصاعد الدرامي الذي لم أملك السيطرة عليه، وخشيت من تبعاته مع صاحب مثل هذا الجسد، وكنت قد قررت في تلك اللحظة أنني غير راغبة حقًا في بقائه معي في المنزل، فانسحبت بهدوء إلى غرفة النوم:
"كما تريد يا (إسحاق)، مع السلامة"
أغلقت الباب، وارتميت فوق الفراش، كان يغمرني شعور عميق بالحسرة، بكيتُ قليلاً في الفراش حتى سمعت صوت اصطكاك باب المنزل، حينها مسحت دموعي في حقد، هو لن يمرح بالخارج بينما أبكي هنا وحدي، نظرت إلى الساعة في لهفة، إنه موعد مسلسلي التليفزيوني الذي توقفتُ عن متابعته منذ أسبوع، سأصنع صحنًا من الفيشار وأستمتع بالمسلسل، وسأشرب زجاجة البيبس كلها.
لكني إذ أمر عبر الصالة وجدته جالسًا، شهقت شهقة خافتة، لم يرفع رأسه لي، كان محنيًا رأسه لأسفل ناظرًا إلى قدميه، أعقبت شهقتي بابتسامة ماكرة، فلقد سعدت ـ برغم كل شيء ـ أنه ألغى خروجته من أجلي، ولكني أردت أن أسمعها منه، فتساءلت بنبرة أردت لها أن تكون محايدة:
"ظننتك خرجت"
لم يمنحني الإجابة التي أنتظرها، فعدت أسأله بوضوح أكثر:
"لماذا لم تخرج؟"
أشار إلى قدمه، تتبعت إشارته، كانت قدمه في الحذاء الرياضي غير أن الرباط لم يكن معقودًا، وأعقب إشارته بعبارة:
"لم أستطع أن أعقدها"
لم أستطع أن أمنع ضحكتي، يعجبني أسلوبه الذي يحيل كل شيء إلى دعابة، ولا شك أنه وجدها حيلة جيدة لكي يبقى معي دون أن يكون قد تنازل تمامًا أو سمح لي بالسيطرة عليه بحسب تعبيره، تقدمت منه وجلست جواره:
"هل تحب أن أعقدها لك؟"
لكنه تركني وهب واقفًا، واتجه إلى الشرفة، هل هو غاضب إلى هذا الحد؟ لم أتعرف بعد على طريقته في الغضب، وربما الجانب المرح الذي رأيته منه ليس كل شيء.
تبعته، استندت إلى سور الشرفة فيما أرتجف للسعة برد، ثم نظرت إليه:
"لا تضخّم الأمر لم يحدث شيء، وأنا سعيدة لبقائك معي، سنقضي وقتًا رائعًا وحدنا"
كان لا يزال ينظر للأسفل، فيما يحرك شفاهه بما لم أسمعه، حيث تعالى الضجيج بالشارع فجأة وإلى حد يصم الآذان، حاولتُ أن أتجاهل الضجيج وأمنحه تركيزي كله، فعدت أسأله باهتمام وبنبرة أعلى:
"ما الذي قلته؟ اعلي من صوتك رجاءً"
لكنه أعاد التكرار بذات النبرة الخفيضة ودون أن يرفع رأسه، فرحت أقول:
"لماذا لا ترد عليّ أو تنظر لي، وما هذا الذي يسترعي انتباهك جدًا بالأسفل؟"
وأحنيت رأسي أنظر إلى حيث ينظر، كانت سيارة (إسحاق) قابعة بالأسفل، لكنها بدأت تتحرك رويدًا، قبل أن تنطلق بأقصى سرعة، وحينها، رفع رأسه ناظرًا لي، وقال بنبرة واضحة:
"أقول: وأنا أيضًا سعيد لبقائنا وحدنا."
.
.
.
توقف الضجيج، وبت أدرك فجأة ما كان ذاك، كان نهيقًا مستعرًا لحمار، وللحظة توقف عقلي عن العمل، بقيتُ أبادله نظرة جامدة، أتطلع إلى عينه اللامعة، إنه يشبه (إسحاق) نعم لكنه مختلف قليلاً.. أنظر إلى حاجبه المتصلّب، إنه مختلف بقدر ما، أنظر إلى ابتسامته المتلاعبة، إنه ليس هو.
تحركت للوراء، خطوة برفق، خطوة ببطء، ثم ركضًا من الشرفة إلى باب المنزل، كان هذا ما هداني تفكيري إليه واستطعت فعله قبل أن أكتشف أن الباب موصد، وأن المفاتيح تتراقص في يده رقصة محمومة، على نغمات ضحكة متقطعة.
طرقت على الباب طرقتين بساعديّ وصرخت:
"افتحوا الباب، اكسروا البــــــاب"
كنت أعلم أن أحدًا لن يسمعني في هذه العمارة غير المأهولة، كما كان يتقدم باتجاهي، التقطت المصحف من فوق البوفيه وأشهرته بوجهه، وشرعتُ في تلاوة آيات من القرآن، فلم يهتز، وكل ما تبدّل أن ابتسامته صارت تتسع أكثر، في تقدمه إليّ!
اختلجت أوصالي وابتلعت كلماتي، ركضت إلى غرفة النوم، وأوصدت الباب بالشيفونيرة الضخمة التي لا أعرف كيف وجدت الطاقة لحملها، ثم قبضت على الموبايل فطلبت (إسحاق) وانتظرت إجابته بلهفة، وأخيرًا هتفت بصوت مضطرب ومن بين لهاثي:
"(إسحاق)، تعالى فورًا، هناك شخص في المنزل يشبهك!"
"مـ.. ماذا! ماذا تقولين؟"
"(إسحاق)، لا وقت للأسئلة، استمع لي، تعالى فورًا، المنزل مسكون والجن ظهر لي وهو يشبهك!"
مرت لحظات من الصمت لم تحتملها أعصابي، فصرخت:
"ما الذي تفكر به أقول لك أن تدور وتعود حالاً وإلا حين تعود لن تجد إلا جثتي"
"هل تدّعين هذا لتفسدي عليّ سهرتي؟"
"أيها الجبان!"
أغلقت الخط بسرعة وشيّعته باللعنات وأنا أطلب أبي:
"بابا، أرجوك، تعالى بسرعة، هناك جن في الشقـ.."
قطعت جملتي إذ أستمع إلى صليل المفاتيح في اصطدامها ببعضها، ثم صليل مفتاح ’بالذات‘، يدور في باب غرفتي ’أنا‘، في حين أبي يعتقد أن لديه الوقت ليمارس حقه الطبيعي في الدهشة:
"جن! وما هذا الجن؟"
صرخت:
"ألا تعرف ما هو الجن يا بابا، أرجــــــــــــــــــوك..
ثم أنزلت الهاتف وبدأت في النحيب فيما أردد:
"أرجوك بسرعة"
كان الصليل يتزايد حتى يصم الآذان، وبأكثر من الصوت المتوقع لمفتاح في الباب، وبدأ الباب في الارتجاج، أعدت احتضان المصحف فيما أردد الآيات التي أحفظها في هيستيريا، كان لساني مشغولاً بالترديد، وأذني تختلج مع كل صليل للمفتاح، أما ذهني منشغل بأمر آخر: من قال أن مثل هذا سيوقفه باب مغلق بالمفتاح، ثم الأكثر طرافة، من قال أن الباب مغلق بالمفتاح؟ أنا لم أفعل هذا ولا أملك مفتاحًا لهذا الباب، إنه يمرح معي لا أكثر، قبل أن يعصف بالباب والشيفونيرة وبي أيضًا فيلقي بنا من الشباك!!
آه، الشباك!!
"صدق الله العظيم"
أركض إلى الشباك فأفتحه وأتمسك بحوافه كي لا أسقط من فرط الإعياء، ثم أصرخ بأقصى طاقتي في أحد المارة:
"اسمع، يا هذا! الحقني! اصعد أرجوك انقذني، هناك شخص بالمنزل!"
يدير رأسه ويمضي، أشير إلى آخر:
"أرجوك! انقذني! قم بعمل شهم!"
العابر يمر، الباب يرتج، ألتفت بين المارة والباب:
"أرجوك! أقبل يدك! الدور الرابع، لا وقت، اكسر الباب، سيقتلني، لا وقت! لا وقت!"
يرفعون رؤوسهم إليّ، ثم يمضون في طريقهم بأرأس مرفوعة، شكرًا لكم، ستعرفون فيما بعد أنني لست مجنونة، ستقرأون في الجرائد أنني كنتُ محقة، أما هنا والآن، فلأجلس أستريح من إنهاك الأمل.
وقبل أن أبتعد عن الشباك، يطالعني بائع سريح فوق عربة بحمار منفلت الأعصاب مثلي بالضبط، وفي تردد يسألني:
"الرابع؟"
أقترب دفعة واحدة حتى أكاد ألقي بنفسي من الشباك:
"نعم، الرابع، أرجوك، اسرع، هذا المدخل، شقة على السلم، أكرمك الله، جازاك الله على صنيعك معي، اسرع، اسرع"
يتوقف ارتجاج الباب دفعة واحدة، يتوقف صليل المفتاح، تمر لحظات ثقيلة من الترقب، قبل أن أسمع رنين الجرس!
يا للغباء! يا للغباء!
أسمع خبطات ثقيلة، أصوات ارتطام بالباب، نعم، نعم، ها هو يفهمني.. ثم لا أصوات أخرى.
دقيقة من القلق قبل أن أسمع طرقات متحفظة على باب غرفتي، أتردد، فيأتيني صوت البائع يقول:
"هل أنتِ هنا؟ الشقة فارغة ولم أجد أحدًا"
أهتف من خلف الباب:
"بل فتشها جيدًا هناك شخص غريب"
"لقد فتشت كل الحجرات والأركان، افتحي، لا تقلقي، لا يوجد أحد"
أمسح دموعي، وأزيح الشيفونيرة، أفتح الباب هاتفةً:
"شكرًا لك أيها الرجل الشهم، فقط اكمل جميلك وأوصلني إلى أول الشارع، أريد أن أذهب إلى أمي"
"وهو كذلك يا مدام"
"سأضع عباءة وآتي معك"
ينظر إلى الأرض، ويخطو إلى باب المنزل في استحياء قائلا:
"سأنتظرك على الباب"
وفي ثانية، أضع العباءة وألتقط حقيبتي، ثم أتجه إلى الخارج، أنظر إليه على الباب وأقول:
"ثانية واحدة، أرتدي الحذاء، وآتي معك"
"على مهلك يا مدام"
أحني رأسي بحثًا عن الحذاء، تصطدم عيني بحذاء آخر، تحديدًا حذاء البائع، ولكنه مفكوك الرباط.
تصعد عيني إلى عينه ببطء، تتشوش الصورة بعيني، أدقق أكثر، إن عينه أكثر اتساعًا، بل، بل هي تضيق بشدة، تتراوح ما بين الضيق والاتساع، بل يمكنني أن أجزم أنه يغمضها، فهل يراني حينها بعينيه المغمضتين؟ أسنانه! تبرز أكثر حين تنحصر عنها الشفاه، في ابتسامة ماكرة!
يتنامى لأذني نهيق حمار من الشارع، ربما، حمار عربته بالذات، لا أفكر مرتين، أدس قدمي في الحذاء ثم أدفع بقبضتي في صدره بكل قوتي أزيحه بعيدًا وأركض على السلم.
أصرخ إذ أصطدم بأحدهم، إنه (إسحاق) بالذات، ومع ذلك أدفعه عني بعنف وأكمل الركض، فيما يأتيني صوته من فوق السلم:
"(سارة)، ماذا حدث، لماذا تركضي بهذا الشكل؟"
لا أتوقف لسماعه، وأكمل طريقي ركضًا إلى أول الشارع، حيث يمكنني أن أستقل سيارة أجرة، يتبعني (إسحاق) ركضًا، فأسرع من ركضي بدوري، ما أدارني إن كان حقيقيًا أم مثلهم؟
يركض مسافة ما قبل أن يتوقف في يأس، أدير رأسي فأجده قد استدار عائدًا.. تزمّر لي سيارة أجرة، أفتح بابها وأكاد أدلف غير أني أقرر أن أتفحص في وجه السائق الذي التفت ينظر لي، كان وجهه طبيعيًا ولكنهم يبدون كذلك في البداية، أصفق الباب في وجهه وأتابع طريقي ركضًا.
تنالني سبة بذيئة بينما ينطلق بسيارته يتخطاني، أفكر أنني لم يعد بوسعي أن أستقل سيارة أو أصطحب بشرًا، وسيكون عليّ أن أكمل طريقي ركضًا..
هنا، الشوارع خالية، ومتسعة، ومظلمة، لا محلات على الجانبين تنير الطريق، وليس من بشر يستمتعون برياضة المشي، الكل يستقل سيارته أو وسيلة انتقال ما، وإذا اضطر أحدهم للمشي، فإنه لا يمشي وحده.
وعلى الجانبين، لا يوجد رصيف، وإنما مساحات من الصحراء التي لم تعمر بعد وتصطف بموازاة الشارع، وبينما أركض، يُخيّل لي أن أحدهم يتراءى لي من تلك الصحراء، لكني لا أعيره انتباهًا، وأكمل طريقي.
نهيق حمار من مكان بعيد، نباح كلاب، ألهث وأشعر أني لن أستطيع السير خطوة أخرى، ولكني ولدهشتي أمشي، أهرول، أركض... وكلما زاد وهني، كلما صارت الرؤية أوضح: إنه قريب مني، إنه واسع الخطوة، وإن رباط حذاءه ليس معقودًا، والأهم من هذا، أنه ليس واحدًا، إنهم كُثُر، وهذا على جانب واحد من الطريق، لم أتحدث بعد عن الجانب الآخر.
رأسي تدور، أعصابي تنقطع، تأتيني سيارة في عكس اتجاه ركضي، تضوّي أنوارها بوجهي، تهدّيء مسيرها نحوي، تتوقف إلى جانب ويخطو (إسحاق) منها يهرول تجاهي فيلتقطني بين ذراعيه:
"(سارة)، ما بكِ، لماذا تركضين بهذا الشكل؟"
هل يعتصرني بين ذراعيه أم فقط يحتضنني، هل تضوّي عينه بلمعة غريبة أم صرتُ موسوسة أكثر من اللازم، ثم، لماذا يبتسم في موقف كهذا؟ لا أستطيع أن أميّز، لا أستطيع أن أقاوم، أتهاوى إلى الأرض، ولكني في سقوطي لأسفل، ألمح رباطًا شبه مفكوك، قبل أن أختفي عن الوجود.
(تمت)
يبدو أنني نسيت شيئًا، أفتح عيني، إنني في فراشي في منزل أبي، و(إسحاق) واقف إلى جانبي..
يبادرني (إسحاق):
"حمدًا لله على سلامتك"
أبعده عن الفراش قليلاً لأتمكن من النظر إلى قدمه، كان رباطه معقودًا، صحيح أنها عقدة طفولية لا تصمد طويلاً ولكنها هي بالذات العقدة التي علّمته إيّاها، أزفر في ارتياح وأقول:
"هل صدقتني الآن فيمَ أخبرتك به على الهاتف؟"
"لازلتُ لا أفهم حرفًا من المكالمة، لكني سعيد أنكِ بخير."
"الحمدلله، كان موقفًا نبيلاً منك أن تستجيب لندائي وتعود لتنجدني"
"لا أفهم عن أي موقف تتحدثين، وأريدك أن تشرحي لي ما حدث، أنا حضرتُ إلى هنا بعدما أخبرني والدك أن أولاد الحلال أحضروكِ إلى عنوانك الموجود في البطاقة بعدما وجدوكِ على قارعة الطريق في منتصف الليل فاقدة الوعي، والآن اخبريني ما الذي أنزلكِ من المنزل في هذا الوقت؟ هل تسيرين أثناء نومك؟"
"هل تقول بأنك لم تقطع سهرتك وتعود لي في أكتوبر؟"
"بالطبع لا"
"ولم تنزل عن سيارتك لتنجدني بالطريق؟"
"لا أدري عن أي شيء تتحدثين"
"فلتعلم أنني لن أبقى في ذاك المنزل وحدي لحظة واحدة، وفوق جثتي أن تتركني من جديد لتسهر مع أصحابك"
"ها أنتِ تعودين لفرض سيطرتك عليّ"
"ذاك المنزل مسكون، وقد تسلّى بي الجن الليل بطوله، وانتحل صفتك أكثر من مرة، كما تجسد لي في شكل بائع ومارّة كُثُر على الطريق، وكدت أموت من الذعر في كل لحظة، ثم أنت لا تهتم إلاّ بسهراتك الخاصة!"
"هذه هي الخرافات التي تطلقينها كي تقيّدي من حريتي"
أزفر في يأس، أدير رأسي إلى الجهة الأخرى:
"طلقني يا (إسحاق)"
(تمت)
مهلاً هناك شيء آخر، لحظة من الصمت، ثم ينفجر بالضحك، أدير وجهي إليه في حنق، يمد يده إلى مقدمة رأسي يبعثر شعري:
"يا مجنونة!"
يصعد يجلس فوق الفراش بمواجهتي:
"قولي بأنكِ ابتلعتِ المقلب، ولتعترفي لي بأنني ملك الدعابة!"
"ما الذي تقوله!"
"كان متقنًا أليس كذلك، ظهوري المتكرر، صديقي الذي ينطلق بالسيارة في حين مفاتيح زائفة بيدي أنا، نهيق الحمار الذي يوكزه صديقنا، وصديقي الذي يرتدي الجلباب ولا يعقد رباط حذائه، والمزيد من الأصدقاء على الطريق، هل عرفتِ الآن قيمة الأصدقاء؟"
"هل هذه هي قيمة الأصدقاء من وجهة نظرك؟"
يسعل من كثرة الضحك، لا يأبه لسؤالي، يتابع من بين ضحكاته:
"هاهاها.. لم أستطع أن أتمالك نفسي، هاها، لذلك كانت تتلاعب الابتسامة على وجهي، غير أنها انضمت بسرعة إلى مجموعة التأثيرات المرعبة، هاهاها، أليس كذلك، هاهاا..."
"هاهاها.. ظريف جدًا يا (إسحاق)، هاها، طلقني."
(أعتقد تمت هذه المرة)
-----------------
بقلم : سالي عادل
نشر في 06 أيلول 2017