2232 مشاهدة
0
0
هذا تحذير أخير لك، أيها الجنى المشاغب إياك أن تقدم على حماقة أخرى، وإلا كان هذا نهاية وجودك على الأرض أومأ برأسه، دون أن يجيب فأشار مسئول الجن بيده ، صائحاً هيا عد واعتبر هذا إنذارك الأخير
" أنت إذن تقوم بتحضير الجن ..."قالها ذلك القادم ، فى سخرية ملحوظة ، فرفع الدكتور (فهمى) عينيه إليه ، قائلًا فى صرامة غاضبة :
ـ لا تسخر مما تعجز عن فهمه يا هذا .
اتسعت ابتسامة الرجل الساخرة ، وهو يقول :
ـ أتفهمه أنت ؟!
اعتدل الدكتور (فهمى) ، وعدَّل منظاره الطبى على أنفه ، وهو يقول فى صرامة :
ـ أنت تقف أمام أشهر عالم ، فى فيزياء ما فوق الطبيعيات ، فى جميع المحافل العلمية ...
هزَّ الرجل كتفيه فى استهتار ، وجلس دون أن يدعوه الدكتور (فهمى) لهذا ، وأشار بيده ، قائلًا :
ـ لا داع لتقديم نفسك ... لقد حضرت كل محاضراتك .
قال الدكتور (فهمى) فى دهشة :
ـ كلها ؟!
أومأ الرجل برأسه إيجابًا :
ـ نعم ... كلها .
جذب الدكتور (فهمى) نفسًا عميقًا ، كمن يستعد لخوض نزال ، وهو يقول :
ـ هذا مستحيل ! .... علميًا .
هزَّ الرجل كتفيه مرة أخرى ، قائلًا :
ـ ولم ؟!
أجابه الدكتور (فهمى) متحديًا :
ـ أنا ألقى محاضراتى منذ نصف قرن ، وعمرك ـ حسبما يبدو ـ ولم يتجاوز الأربعين بعد .
التقط الرجل نفسًا عميقًا ، وقال :
ـ شبكة الإنترنت صارت أشبه بآلة زمن .
غمغم الدكتور (فهمى) فى حذر :
ـ أتعنى أن ...
قبل أن يتم تساؤله ، أومأ الرجل برأسه إيجابًا ، وأكمل :
ـ نعم ... لقد طالعت كل محاضراتك ، على شبكة الإنترنت .
صمت الدكتور (فهمى) يتأمله لحظات ، قبل أن يسأله :
ـ ولماذا تهتم بالجن ، ما دمت لا تؤمن بوجودهم ؟!
ابتسم الرجل ابتسامة باهتة ، وهو يقول :
ـ على العكس .. أنا أؤمن بوجودهم تمامًا .
تراجع الدكتور (فهمى) فى دهشة :
ـ ماذا إذن ؟!
بدت له ابتسامة الرجل مخيفة ، وهو يقول :
ـ أنا أؤمن بالجن ، ولكننى لا أؤمن بك أنت .
التقى حاجبا الدكتور (فهمى) ، وهو يغمغم فى حذر شديد :
ـ لماذا أنت هنا إذن ؟!
لوَّح الرجل بذراعه كلها :
ـ لأكشفك .
حدَّق به الدكتور (فهمى) لحظات مستنكرًا ، ثم تراجع فى مقعده ، مرددًا :
ـ تكشفنى ؟! .. أنت ؟!
اعتدل الرجل فى حركة حادة ، وهو يقول فى صرامة :
ـ ولن تكون أول من أكشف خداعه .
تأمَّله الدكتور (فهمى) لحظات فى صمت ، ثم عقد كفيه أمامه ، وتراجع فى مقعده ، وهو يقول :
ـ أرنى كيف ستفعل !
ابتسم الرجل ابتسامة واثقة ، وهو يقول :
ـ أرنى أنت ما تفعله .
صمت الدكتور (فهمى) لحظات أخرى ، ثم قال :
ـ ماذا أخبروك أننى أفعله ؟!
أجابه فى تحد :
ـ تدَّعى تحضير الجن .
هزَّ الدكتور (فهمى) رأسه نفيًا فى بطء :
ـ لم أدع هذا قط .
عاد الرجل يتراجع فى مقعده :
ـ قلت : إنك خبير فى عالم الجن .
أومأ الدكتور (فهمى) برأسه إيجابًا :
ـ هذا صحيح .
قهقه الرجل ضاحكًا فى سخرية ، قبل أن يقول :
ـ وكيف لك هذا ؟! .. هل التقيت شخصيًا بأحد من الجن من قبل ؟!
التقط الدكتور (فهمى) نفسًا عميقًا وقال فى صبر :
ـ ما من عالم فلكى غاص بنفسه فى قلب الشمس ، ولكن عشرات من علماء الفلك ، يستطيعون أن يصفوا بدقة ما يحدث فى قلب الشمس .
أشار الرجل بيده ، قائلًا :
ـ فارق كبير بين هذا وذاك ؛ فالشمس يمكن رؤيتها ، بوساطة المناظير الفلكية ، ومقاييس الطيف ، والنماذج ثلاثية الأبعاد ، وهذا لا ينطبق على عالم الجن .
استغرق الدكتور (فهمى) فى التفكير لحظات ، قبل أن يقول :
ـ وماذا عن قلب الذَّرة ؟! .. جسيمات عديدة تم وصفها بدقة ، قبل أن تراها الميكروسكوبات الإليكترونية بأعوام .
قال الرجل متحديًا :
ـ كانت هناك حسابات رياضية .
هتف الدكتور (فهمى) فى ظفر :
ـ وهذا ينطبق على عالم الجن .
نهض الرجل ، يقول فى حزم صارم :
ـ مستحيل ! .. لأنه ما من معطيات أوَّلية ، يمكن استخدامها ؛ لوضع القوانين الأساسية ... بل ليس هناك من رأى الجن فعليًا .
أجابه الدكتور (فهمى) فى سرعة :
ـ سيدنا (سليمان) عليه السلام فعل .
هزَّ كتفيه ، قائلًا :
ـ إنه نبى .. ثم إنه لم يمنحنا أية معطيات أساسية .
رفع الدكتور (فهمى) سبابته ، قائلًا فى حزم :
ـ فى هذا تخطىء ، وتثبت جهلك يا رجل ... قصة سيدنا (سليمان) أعطتنا الكثير من المعلومات والمعطيات الأساسية ، عن عالم الجن .
بدا الاهتمام على الرجل ، وهو يعاود الجلوس ، متسائلًا :
ـ مثل ماذا ؟!
أجابه الدكتور (فهمى) ، وقد راوده شعور بقرب الانتصار :
ـ مثل أن تواجد الإنس والجن فى مكان واحد ممكن ، كما كان فى بلاط (سليمان) عليه السلام ، وهم يتباحثون فى شأن عرش (بلقيس) .
تراجع الرجل فى مقعده ، وهو يقول فى اهتمام :
ـ هذا صحيح .
واصل الدكتور (فهمى) فى حماس :
ـ الواقعة تثبت أن لديهم علومًا متطورة ؛ بدليل أن أحدهم قال : إنه يستطيع أن يأتى بعرش (بلقيس) ، قبل أن يقوم سيدنا (سليمان) عليه السلام من مكانه .
هزَّ الرجل كتفيه ، قائلًا :
ـ هذا أمر بسيط .
مال الدكتور (فهمى) نحوه ، مردفًا فى حماس :
ـ وهم ليسوا خارقين أو منيعين ؛ لأنه عليه السلام كان يعاقبهم ، وليست لديهم قدرة على معرفة الغيب ؛ لأنه عندما مات ، لم يعلموا إلا عندما أكل النمل عصاه .
ران الصمت عليهما لحظات ، ثم قال الرجل فى استخفاف :
ـ أهذا كل ما تستند إليه ؟!
انعقد حاجبا الدكتور (فهمى) ، وهو يغمغم :
ـ هناك أمور أخرى ، تعجز عن فهمها .
انطلقت ضحكة الرجل عالية ، ساخرة ، مستفزة ، قبل أن ينظر إلى الدكتور (فهمى) ، قائلًا :
ـ أمور أعجز عن فهمها !! ... نفس ما سمعته من كل النصابين .
انتفض جسد الدكتور (فهمى) ، وهو يقول :
ـ إياك أن تصفنى بهذا .
نهض الرجل فى حركة حادة ، وهو يقول فى شراسة :
ـ بم ينبغى أن أصفك إذن ؟! .. بأنك محتال ؟!
هتف الدكتور (فهمى) :
ـ لست محتالًا .
اقترب منه الرجل :
ـ بم تصف نفسك إذن ؟!
صاح الدكتور (فهمى) ، وهو يتراجع :
ـ أنا أحد أشهر علماء هذا المجال .
اقترب الرجل أكثر ، وهو يقول فى لهجة مخيفة :
ـ أى مجال ؟! .. خداع الجهلاء ؟!
تراجع الدكتور (فهمى) ، وهو يقول فى توتر :
ـ من أنت ؟! .. وماذا تريد منى ؟!
واصل الرجل اقترابه ، وحملت عيناه لمحة وحشية ، وهو يقول :
ـ أخبرتك من قبل ... أنا خبير فى كشف أمثالك !
هتف الدكتور (فهمى) ، وهو يلتصق بالجدار :
ـ قلت لك : إننى عالم محترم .
اقترب الرجل منه ، حتى صارت أنفاسه تختلط بأنفاس الدكتور (فهمى) ، ووضع راحتيه على الجدار ، إلى يمين رأسه ويساره ، وهو يقول فى شراسة عجيبة :
ـ كلهم قالوا هذا .
ازدرد الدكتور (فهمى) لعابه فى صعوبة ، وهو يقول فى صوت مبحوح :
ـ سأستدعى الأمن .
قال الرجل فى تحد :
ـ افعل .
غمغم فى توتر شديد :
ـ سيتهمونك بالاعتداء على أستاذ جامعى ، أثناء تأدية عمله .
ابتسم الرجل فى سخرية مرعبة :
ـ ليس لديك عمل اليوم ... لقد راجعت جدولك ، ولست أدرى حقًا ماذا تفعل هنا !!
شعر الدكتور (فهمى) بتوتر شديد يسرى فى كيانه ، وهو يغمغم فى صوت مبحوح :
ـ ما تفعله يندرج تحت بند مخالفة القانون .
اتسعت ابتسامته الشرسة المخيفة :
ـ وماذا عما تفعله أنت ؟!
ثم مال نحوه أكثر :
وأكثر ...
وأكثر ...
وضاقت عيناه فى شدة ...
و ...
" ماذا فعلت أيها التعس ؟!.."
هتف بها الجنى ، المسئول عن العلاقات البشرية ، فغمغم الواقف أمامه فى صرامة :
ـ لقد استفزنى .
بدا لحظة وكأنه سيكتفى بهذا القول ، إلا أنه أضاف فى عصبية :
ـ وتحدانى .
قال مسئول الجن فى غضب :
ـ أيعنى هذا أن تحرقه ؟!
قال الواقف أمامه فى عصبية :
ـ لم يكن أمامى سوى هذا ... ولكن اطمئن ... جثته احترقت عن آخرها ، ولم يبق منها أثر .
قال المسئول فى حدة :
ـ وماذا لو أنه هناك آخرون ؟!
لم يجب ، فاستطرد المسئول فى صرامة :
ـ هذا تحذير أخير لك ، أيها الجنى المشاغب ... إياك أن تقدم على حماقة أخرى ، وإلا كان هذا نهاية وجودك على الأرض .
أومأ برأسه ، دون أن يجيب ، فأشار مسئول الجن بيده ، صائحًا :
ـ هيا ... عد ... واعتبر هذا إنذارك الأخير .
التقط نفسًا عميقًا ، واستدار يواجه الجدار ...
عليه أن يكون حذرًا فى المرات القادمة ...
وأن يتمالك أعصابه ...
عبر الجدار فى خفة ، استعاد بعدها هيئته البشرية ، التى اعتادها ...
هيئة الدكتور (فهمى) .
***
(تمت بحمد الله)
بقلم : د. نبيل فاروق
#قصة_كل_ليلة
نشر في 19 آب 2018