3477 مشاهدة
1
0
قضيت عمرك في العطاء والكرم. ثم بخلت بكلمة واحدة. كلمة واحدة، لكن الأمر لم ينته بالنسبة له عليه الصلاة والسلام الأمر انتهى هنا بالنسبة لأبي جهل وصاحبه
.. ها هو أبو طالب على فراش موته. كل الدلائل تشير إلى أنه يحتضر.يذهب عليه الصلاة والسلام، فيجد عنده عبد الله بن أبي أمية المخزومي (ابن عاتكة بنت عبد المطلب، أبو طالب خاله).
ومن معه؟
أبو جهل!
أبو جهل يصر أن يكون موجودًا في هذه المناسبة.
مناسبة وفاة أبي طالب.
لا ريب أن وجود أبي جهل كان مزعجًا للرسول عليه الصلاة والسلام، هو يعرف تمامًا لماذا تعمد أبو جهل أن يأتي إلى فراش موت أبي طالب.
وكان عليه الصلاة والسلام يريد حتمًا أن ينفرد بعمه في هذا الوداع... أن لا يؤثر عليه أبو جهل ومن معه. وكان يعرف تمامًا ماذا سيستخدم أبو جهل من مؤثرات على أبي طالب.
وكان أبو جهل أيضًا يعرف لماذا جاء عليه الصلاة والسلام، لقد سبقه إلى هنا كي يعكر عليه ما سيفعله...
قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "يَا عَمِّ، قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ"
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: "يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ؟"
لم يكن عبد المطلب مهمًا حقًا بالنسبة لهما. ولا ملته. ولا مصير أبي طالب.
كان المهم بالنسبة لهما، أو على الأقل بالنسبة لأبي جهل هو أن لا ينتصر محمد هنا. أن لا يكسب جولة إضافية تضاف إلى سجل انتصاراته التي يحاصر قريشًا بها بالتدريج.
لكنه عليه الصلاة والسلام لا يلتفت إليهما.
فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ
كلمة واحدة يا عماه. كلمة واحدة. قلها يا عماه. لا تدع هذا اللقاء يكون لقاءنا الأخير. دع ثمة أملًا أن يكون هناك لقاء لاحق في مكان أفضل. كلمة واحدة يا عماه. قلها لكي أحاجج بها ربي. يكاد يقول له أن يقولها حتى لو لم يقتنع. قلها كلمة وأنا أشهد بها.
ولكن ها هو أبو جهل وصاحبه يصران على استحضار شبح عبد المطلب إلى فراش الموت. يستحضران نقطة ضعفه. يحب محمدًا بالتأكيد. لكنه عبد لعبد المطلب. وها هما يعيدان عليه القول... وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ المَقَالَةِ ... عبد المطلب. عبد المطلب. عبد المطلب.
ويستمر عليه الصلاة والسلام، وهو يدرك أن الوقت يتسرب، والفرصة تتسرب، وهذا الرجل الذي كان السند والدعم والأب والحِجر، يتسرب...
وهو يقول: كلمة واحدة يا عماه... كلمة واحدة.
وعلى الطرف الآخر يقال له: عبد المطلب، عبد المطلب، كما لو كانا يكرران تعويذة سحر أسود...
ثم يأتي صوت الرجل المحتضر في قوله الأخير ليعلن المنتصر في هذه الجولة..
لكنه المنتصر الذي سيكون خاسرًا في الجولة النهائية، لاحقًا...
حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ
لا بد أن أبا جهل قد ابتسم ابتسامة المنتصر وهو يسمع كلمات الرجل المحتضر. لا يهمه أبو طالب في قليل أو كثير... بل يريد أن ينكسر قلب محمد عليه الصلاة والسلام.. لعله كان على وشك أن يقول: هذه بتلك، وسيقصد انتصار فك الحصار ونقض الصحيفة... انتصرت يومها يا محمد.. وها هو عمك يخذلك الآن في المواجهة الأخيرة.
لم يخذله أبو طالب قط قبل هذه المرة. لم يشمت به قريش قط. هذه هي المرة الأولى. والأخيرة، ولكنها النهائية أيضًا.
... وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
ما أغربك، عماه.
قضيت عمرك في العطاء والكرم. ثم بخلت بكلمة واحدة. كلمة واحدة.
لكن الأمر لم ينته بالنسبة له عليه الصلاة والسلام. الأمر انتهى هنا بالنسبة لأبي جهل وصاحبه.
هذه نقطة النهاية بالنسبة لهما. على فراش الموت.
لكن ليس بالنسبة له، عليه الصلاة والسلام...
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ»
الأمر ينتهي هناك، وهناك يبت فيه.
من "السيرة مستمرة"
نشر في 28 نيسان 2019
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع