611 مشاهدة
0
0
كثير من العابدين يباشرون الطاعات المعروفة، كأنها استعارات من خارج الجو الذى يعيشون فيه، استعارات مجلوبة على النفوس فارغة من معناها كله أو جله
وكثير من العابدين يباشرون الطاعات المعروفة، كأنها استعارات من خارج الجو الذى يعيشون فيه، استعارات مجلوبة على النفوس فارغة من معناها، كله أو جله.والحق أن للعبادة التى أمر الله بها، وخلق العالمين من أجلها، شأن فوق ذلك. إنها شعور مكتمل العناصر، يبدأ بالمعرفة العقلية، ثم بالانفعال الوجدانى، ثم بالنزوع السلوكى. فالصورة الأخيرة ثمرة ما قبلها.
وهذا هو الوضع الصحيح لإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإحسان الخلق، وقول الحق، وسائر العبادات الأخرى...
إن العبادة الأولى فى الإسلام، هى معرفة الله معرفة صحيحة، والعقل المستنير بهذه المعرفة، هو القائد الواعى لكل سلوك صحيح والأساس المكين لكل معاملة متقبلة. ويوم تتلاشى هذه المعرفة من لب الإنسان، فلن يصح له دين، ولن تقوم له فضيلة.
والمعرفة الصحيحة لله تُهوّن من قيمة الأخطاء التى يتورط فيها المرء، لأنها أخطاء عارضة، أو خدوش سطحية. أما الجهل بالله فهو الخطيئة التى لا تغتفر، ولا يصح معها عمل. ومن ثم يقول الله فى كتابه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا).
ذلك أن الشرك دلالة جهل غليظ بالله عز وجل. وهل أحمق من رجل يسكن عمارة ضخمة، فإذا هو يتوَّهم أن سلال القمامة المبعثرة فيها، هى التى قامت على بنائها؟ أليس هذا مثل الوثنية المخرفة، التى ترد مظاهر الوجود الكبرى إلى بعض الجماد، أو الحيوان، أو الإنسان؟
والمعرفة المعتبرة، هى التى تستمد من ينابيعها الفريدة، أى من أعمال الله وأقواله، أى من صنعه فى كونه، أو من كلمه فى وحيه، وليست هناك معرفة وراء ذلك..
لا يمكن أن يعتبر عارفا بربه شعب أبله، يعيش بين الأرض والسماء، فلا يعى من آيات الخليقة شيئا، ولا يكتشف لأسرارها حلا.
مع أن الله- فيما أوحى به إلى رسله- بين أن الإيمان الحق، إنما يقوم على التدبر الذكى لهذا العالم، والتجوال البعيد فى آفاقه الرحبة. (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا ).
والتفكر الباعث على معرفة الله، هو سر توقيره، وأساس تقواه، ولذلك يقول أولئك المفكرون الفاقهون: (……سبحانك فقنا عذاب النار).
إن أولى الألباب، هم الذين فكروا فى خلق الله، فاستفادوا فى هذا التفكير خشيته، وطلبوا الوقاية من سخطه.
فالتقوى إذن، ليست وليدة بلادة فى الذهن، أو قصور فى الفكر، كلا، إنها وليدة الإدراك الناضج للحياة وما فيها. وهذا معنى قوله تعالى: ( إنما يخشى الله من عباده العلماء).
التوسع فى معرفة الله هو العبادة الأولى، والتعرف على الله فى ملكوته الواسع، هو استجابة لما أمر به فى كتبه المنزلة، والنتائج التى تتمخض عنها علوم المادة لا يمكن إلا أن تصادق الوحى المقبل من وراء المادة، لأن هذا وذاك من عند الله.
كتاب: ليس من الإسلام
نشر في 25 شباط 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع