622 مشاهدة
0
0
الأصل أن الخطيئة تفعل أولاً في خفاء واستحياء، ثم تفعل في جفاء وبرود، ثم تولد في المجتمع فتبرز بوجهها الكالح ثم يشتد عودها وتصلب فتشيع وتنتشر
الأصل أن الخطيئة تفعل أولاً في خفاء واستحياء، ثم تفعل في جفاء وبرود، ثم تولد في المجتمع فتبرز بوجهها الكالح، فإذا وجدت بيئة مواتية استوت على قدميها فتُفعل الخطيئة دون تكبر. ثم يشتد عودها وتصلب فتشيع وتنتشر..ولا تزال دائرتها تنداح حتى تصبح تقليدًا متبعًا، فإذا ظهرت الفضيلة المناوئة لها استكثر حق الحياة والاستقرار عليها. مثلما وقع في قرى المؤتفكة!
فإن الرجال الذين استمرأوا الشذوذ الجنسي عز عليهم أن يقوم فيهم ناصح ينهاهم عنه!، وكان صوت هذا الناصح من الغرابة بحيث هدده المجرمون بالرجم إن لم يسكت، فلما أبى إلا إعلان سخطه والبراءة من عملهم تقرر طرده من البلد الفاسق، لأنه متطهر خارج على القانون!!!
والبلد الذي تصل فيه الأوضاع إلى هذا الدرك السافل لابد من أن تحل به العقوبة العدل ، وما تقوم لأهله عند الله حجة، أو ينهض لهم عذر. إن الإسلام بادي الصرامة في محاربة الرذائل لا يفتر عن مهاجمتها، ولا تنكسر حدته في مطاردتها.
على أن الإسلام يفرق بين نوعين من المعاصي: النوع الأول، ذاك الذي ينزلق إليه البشر وهم شبه مغلوبين على إرادتهم وإدراكهم في أوقات الضعف التي تلم أحيانًا بالإنسان فيزل، وما يكاد يسقط حتى ينهض، وما يكاد يحس لذة الهوى حتى تنغصه آلام الندم.
هذا النوع من المخالفة لأمر الله يتلطف القرآن في مداواته، ويأخذ بيد صاحبه ليعاود نشاطه الأول في أداء حقوق الله وإنفاذ وصاياه. والمجتمعات التي تنجم فيها هذه المعاصي- وما يخلو مجتمع بشري من غبارها- لا تستهدف لعقاب عام، ولا تسقط من عين الله.
إنها تشبه أي حقل زرعه صاحبه قطنًا أو قمحًا، فتنبت فيه أعشاب وحشائش لم يقصد ظهورها، بل إنه يعمل بهمة في اقتلاعها وحماية زراعته منها.
وفي سور كثيرة من الكتاب الحكيم نرى المولى تبارك اسمه يتجاوز عن هذه السيئات، يعلن سعة رحمته لمن يلمون بشيء منها.
أما النوع الأخير : فهو ذلك الشر المتعمد المستقر الذي تتواطأ الجماعة على فعله، وتتعاهد نماءه، وتجعل بقاءه جزءًا من حياتها، وتقيم العرف العام والتشريع المادي والأدبي على أساس منه. كالمجرم الذي يزرع أرضه بشجر الحشيش والأفيون، ويبقى طول السنة يتعهد ما غرس، وهو يعي أتم وعي ما سوف يقدم للناس من سموم.
هذا النوع من العصيان لأوامر الله، والإهدار لحدوده، هو الذي نزلت الآيات بأعنف الترهيب منه، ووصفت بإيضاح مصاير الذين رتعوا فيه، وهي مصاير مشئومة يكتنفها الخراب والدمار. وحذرت الأخلاف أن يسيروا نحو الهاوية التي انزلق إليها أسلافهم. " أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون " .
كتاب نظرات في القرآن
#روائع_الغزالي
نشر في 04 أيلول 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع