1160 مشاهدة
0
0
الإسلام يقيم بين أتباعه أخوة تناصر وتساند، ويفرض على الجسد كله السهر إذا أصيب جزء منه، من كتاب علل وأدوية للكاتب محمد الغزالي
كتاب : علل وأدوية - بقلم : الشيخ محمد الغزاليالحلقة [ 24 ] من طوى هذه الصفحة ونشر غيرها؟
المؤسسات التى تشتغل بالتنصير لا تخفى أغراضها، ولا تلتزم النزاهة فى وسائلها! ويسكت عنها فى أغلب الأحوال إذا كان عملها بين المسلمين مهما أسفَّت فى سلوكها! وربما تعرضت للنقد إذا كان نطاق نشاطها بين قوم آخرين.
وقد قرأت فى صحيفة الجمهورية ـ المصرية ـ غضبة للرأى العام فى بريطانيا على هيئة (وورلد فيجن) التى تقوم بالتنصير فى أقطار أفريقيا الوسطى والجنوبية وأمريكا اللاتينية.
وتحت عنوان (معونات اقتصادية للضغط الدينى) قالت الجريدة: (إن من بين الاتهامات الموجهة للهيئة المذكورة لجوءها المتكرر إلى التهديد بقطع المعونات الغذائية لإرغام الفقراء الذين يتلقونها على حضور الأنشطة الدينية، وتعاونها مع قوى الأمن القمعية فى هذا المجال وفشلها فى الدفاع عن حقوق الإنسان بين اللاجئين الذين تقوم برعايتهم.
وأرى أن هذه التهم يتضاءل كل ما فيها من شر إذا وزنت بما وقع أو يقع للمسلمين الذين يتعرضون للحملات التنصيرية ويذوبون فى صمت تحت وهج حقد لا يفتر!
* * * *
أحوال المسلمين فى الفليبين:
نشرت مجلة (رابطة العالم الإسلامى) مقالا من كتاب لمؤرخ غربى منصف يصف أحوال المسلمين فى الفليبين، والمقال تحت عنوان (عذراء ماليزيا) والمترجم المعلق هو الدكتور مصطفى مؤمن.
وأنقل هذه العبارات من المقال الكبير: إن لجنة تنمية (مينداناو) وضعت خطة لتطوير الصناعات هناك، غايتها إقصاء المسلمين وإحلال العمال الصليبيين محلهم، بحجة أن المسلمين لم يتلقوا تدريبات! ومن ثم كانت نسبة العمال المسلمين فى هذه الصناعات واحدا فى الألف. وجزيرة (مينداناو) يسودها المسلمون، وهم كثرتها الكبرى بيد أن التنظيم الإدارى للبلاد كان همه تشتيت الجماعات الإسلامية، وتفتيت كتلتها وإلحاق الفئات الإسلامية المهشومة بمناطق يسودها النصارى، وذلك لإفناء وطمس الشخصية الإسلامية.
ثم يتحدث المؤلف عن الثروات المعدنية فى البلاد فيقول: لعل وجود الذهب فى (مينداناو) والفحم فى (زامبوانجا) وهما منطقتان إسلاميتان ما يفسر الرغبة فى إخراج المسلمين وإحلال المهاجرين من النصارى محلهم.
ويقول المؤلف: إن جماعة (ايجلاس) أو الفئران هى أخطر الجماعات الكاثوليكية وأشدها تعصبا ضد المسلمين، ولها تنظيم سرى هدفه الأول الاستيلاء على الأرض الإسلامية، وإبعاد أهلها عنها. ويتدرب أفراد هذا التنظيم فى إسرائيل!
* تسعيرة للتنكيل:
وحفزا للهمم فى إلحاق الأذى بالمسلمين والتنكيل بهم وضعت تسعيرة بالمكافآت التى تصرف لمن يصيب مسلما بإحدى هذه العاهات:
1- أذن المسلم ثمنها 100 بيزوس. 2- أنف المسلم ثمنه 100 بيزوس. 3- إصبع المسلم ثمنها 50 بيزوس. 4- كف المسلم أو ذراعه ثمنها 250 بيزوس. 5- عين المسلم ثمنها ألف بيزوس، أى: ما يوازى خمسة وثلاثين جنيها إسترلينيا.
ما أرخص المسلمين!
وتشن هذه العصابة حرب إبادة على المسلمين لإخلاء الأرض منهم، وتوريثها للصليبيين.. وذلك تحت سمع الحكومة وبصرها، ورضاها وتأييدها.
يقول الدكتور (مصطفى مؤمن): إن الرئيس (ماركوس) يؤمن بالمثل القائل: (فم يسبح ويد تذبح) ! فهو طالما أعلن للمسلمين: أنه مدين بحياته لجندى مسلم، أنقذه من الموت، إبان القتال مع اليابانيين.
وبرغم هذا فأصابع الاتهام كلها تشير إليه، بل لا تشير إلا إليه فى جميع المجازر والجرائم وحمامات الدم التى تسبح فيها جثث الضحايا من المؤمنين الموحدين.
والرئيس (ماركوس) أنموذج عادى لأسلافه من الكاثوليك الأسبان الذين غزوا جزيرة سولو، وسائر الجزر الإسلامية المجاورة، ونشروا فيها النصرانية بالسيف، وأطلقوا عليها اسم (الفلبين) نسبة إلى ملكهم فيليب، أحد الذين أطاحوا بالوجود الإسلامى فى الأندلس.
وقد بدأ غزو هذه البلاد فى القرن السادس عشر، وإبرازا للغاية المنشودة منه، فقد رصت جثث المقاومين الشجعان على نحو هيئة صليب وذلك سنة 15 ص ، ويقول المؤلف : إنه أول صليب صنع بأجساد المسلمين، ونرجو أن يكون آخرها!! ترى هل تحقق هذا الرجاء؟
* حملة صليبية:
على أية حال لقد أخذت الحملة الصليبية مسارها المرسوم فى هذه الجزر النائية عنا (!) ففى هذه السنة أصدر الحاكم الأسبانى العام (فرانسيسكو دى ساندى) أمرا لقائد الحملة المغيرة على أرض الإسلام هذا نصه:
(إننى آمرك بسد أفواه الدعاة إلى دين محمد، إذ هو دين شرور وآثام! وليس هناك من بديل عن النصرانية عقيدة ودينا، ولما كان الدعاة القادمون من "بورنيو" مثلهم ـ يعنى إخوانهم فى جزر سولو ومينداناوا وغيرها ـ فواجبك مصارحتهم بأن غرضنا هو تعميم النصرانية! ولدى اعتناقهم لها فسنتركهم يعملون فى أرضهم دون أن يصيبهم أذى من جانب سادتهم النصارى الأسبان، وترصد بقوة من يدعو لدين محمد، وألق القبض عليه، ثم سقه إلى مكبلا مخفورا).
وظلت هذه الحرب الصليبية ثلاثة قرون، اعتمد المدافعون على أنفسهم فى كسر تيار الفتنة، ورصد العدوان الهاجم من وراء البحار، على حين كان الأسبان يتقدمون نحو هدفهم بثبات ويضعون خططهم بتؤدة، وأوروبا كلها مسرورة بالثغرة التى أنشئوها فى جنب الأمة الإسلامية ويرتقبون تعميقها والنفاذ إلى ما بعدها.
وفى مطالع القرن العشرين هبط عدد السكان المسلمين إلى الثلث فى الجزر التى غلبت عليها التسمية الجديدة (الفليبين).
* عذراء ماليزيا:
ووقع تغيير جديد فى تاريخ الجزر المحروبة ففى 13 آب ـ أغسطس ـ 1898 نزل الأمريكيون (بعذراء ماليزيا) فقد اشتروا (بمائتى مليون دولار) هذه البلاد من مستعمريها القدامى، أخذها الأسبان (خلو رجل) كما يقول المترجم.
وأعلن الشعب المسلم الثورة ضد الغزاة الجدد، واستعر القتال ثلاث سنين انهزم المسلمون بعدها! وماذا يستطيعون؟
فى آذار ـ مارس ـ عام 1901 تألفت لجنة من الكونجرس الأمريكى لوضع تشريعات أخرى للفليبين.
* الحرب البكتيرية:
قال المؤلف: لقد حاولت صرف المسلمين عن دينهم دون جدوى، ولما يئست من تنصيرهم اتجهت إلى عمل آخر فقد رأى الأمريكيون أن خير علاج للمسلمين هو اجتثاث جذورهم بشن الحرب (البكتيرية) عليهم وعلى ماشيتهم، فاجتاحت أوبئة الكوليرا والجدرى والطاعون البانوبى جزيرة مينداناو ثم جزيرة سولو سنة 1903.
وبلغ ضحايا حرب الأوبئة حسب تقدير لجنة (تافت) مائتى ألف أو يزيدون، ونفقت مئات الألوف من الدواب بأوبئة الجمرة وطاعون الماشية.
وهكذا خسر المسلمون أنفسهم وأموالهم بالخسيس المزرى من الغدر، كما تعرضت للهلاك آلاف مؤلفة من الدواب العجماء التى لا تعرف قبيلا ولا دبيرا.
* * * *
حملات الإفناء:
ثم استقلت الفليبين عقب الحرب العالمية الثانية، بعدما وضعت خطة للقضاء الأخير على المسلمين فى ظل حكم متعصب قذر!
إن الغارة التى شنت على أرض الإسلام كانت من السعة بحيث شملت أغلب قارة آسيا ولنعترف بأنها نجحت فى إنزال رايات الإسلام عن بقاع كثيرة، بدءا من شرق الأورال إلى أودية تركستان الخصبة إلى فيافى سيبيريا، إلى أعماق الهند، وسنغافورة، وتايلاند، والملايو، وإندونيسيا.
ومن مئات السنين ونيران المقاومة تشتعل، ومع تلاحق الهزام فإن الجماعات المجاهدة لم يلحقها بأس، ولم تلق السلاح.
وقد لبس الأعداء أقنعة شتى، وجربوا خططا ماكرة، واستعانوا بالتقدم العلمى، واستفادوا من الخطأ والصواب، ومع ذلك فالقتال ناشب، والنتائج إن استقرت فى ناحية فلن تستقر فى أخرى؟
وهنا أسائل نفسى: أين نحن من هذه الحقائق المذهلة؟ لقد درسنا ونحن طلاب تاريخ العالم القديم، وتاريخ العصور الوسطى، ونبذا كبيرة من التاريخ الحديث، فلم يذكر لنا شىء من هذه الحقائق! أكان آباؤنا وأجدادنا يعرفونها؟
ما أظن، وما أظن طرفا من هذه الأحداث الهائلة درس فى الأزهر أو الزيتونة أو القرويين أو الحرمين الشريفين، أو الأموى فى دمشق، أو الإمام الأعظم فى بغداد.
إذا كان هذا الجهل عن غفلة فهو جريمة يستحق مقترفوها العقاب وإذا كان الأمر هو تجاهل العارف، فالمتجاهلون هنا أقرب إلى الكفر منهم إلى الإيمان.
إن الإسلام يقيم بين أتباعه أخوة تناصر وتساند، ويفرض على الجسد كله السهر إذا أصيب جزء منه، ويعتد موالاة المعتدين على حرماته نفاقا وارتدادا، فأين الأجهزة الثقافية والسياسية فى الأمة الإسلامية؟ وأجنحتها فى الشرق الأقصى تحطم، وقلبها يهدد وهى لائذة بالصمت.
* * * *
فوضى.. وجاهلية! :
لقد وقع تغير كبير داخل الأمة الإسلامية ووراء حدودها.
كان عصر الإحياء ابتداء من القرن السادس عشر الميلادى يرقى بالأوربيين رويدا رويدا من الظلمات إلى النور.. من الخرافات إلى الحقائق.
أما المسلمون فإن الفوضى الهائلة كانت تنحدر بهم إلى الحضيض، فوضى سياسية جعلت مناصب الحكم بعيدة عن كل موازين الشرف والكفاية.
وأمسى العمل السياسى سوقا لاصطياد المغانم والأسلاب، واختفى منه تقريبا الوفاء بحقوق الله والناس!، والسهر على مصالح الأمة الدينية والمدنية.
كانت جاهلية من طراز آخر تعصف بالمسلمين شرقا وغربا، وتوهى صلاتهم برسالتهم الخالدة ودعوتهم الكبرى، وجريهم وراء شهواتهم سكارى وما هم بسكارى.
* * * *
اهتمامات.. بعض المسلمين:
وفساد الإدارة السياسية يعطى حق الحياة لنوع معين من العلم الدينى، إن الحديث عن الحلال والحرام والمعروف والمنكر مرفوض.
هناك حديث آخر يمكن التوسع فيه والحماس له وشغل الغوغاء بقضاياه، مثل الصلاة بالنعل أفضل أم مع الحفاء؟ الحج مع التمتع أفضل أم مع الإفراد أو القران؟ مس إحدى السوءتين ينقض الوضوء أم لا ينقضه؟ التراويح ثمانى ركعات أم عشرون؟ القنوت فى الفجر بدعة أم سنة؟.. الخ.
ومع الاستبحار فى هذه القضايا هناك قضايا أخرى يجب الانتهاء فيها إلى رأى زائغ (الحاكم لا تقيده الشورى) (الحاكم المغتصب للسلطة لا يقاوم) (الانحراف عن الحاكم فتنة) (اعتزال الفتن إيمان) (تطليق الدنيا أساس التقوى).
ثم تشد خيمة الغيبيات السماعية لتنسحب على مساحات كبيرة من عالم الشهادة، فإذا التدين أحاجى وسحر وطلسمات غامضة، وقصور شائن فى ميدان الفكر والاجتهاد وشئون الدنيا.
وبهذا التخلف الإدارى والعمرانى، وبهذا العجز العقائدى والأخلاقى، استقبل المسلمون الاستعمار الحديث، فكانوا يصابون بهزيمة تلو أخرى، وتسقط بلادهم بلدا بعد بلد، وبعضهم لا يعرف شيئا عن الآخر ولا عما يلاقيه.
* العرب.. والمسئولية الضخمة:
والعرب خاصة يحملون مسئولية ضخمة لا يحملها شعب آخر، فإن أصول الإسلام والتراث الإسلامى من الكتاب والسنة اكتمل بلغتهم، ونهر المعرفة الدينية والأدبية تفجر من منابعهم، وامتد مع التاريخ بلسانهم. فما مبلغ قيامهم بالدعوة الإسلامية؟ وما مدى جهدهم المعنوى فى نقلها من قارة إلى أخرى؟
صحيح أن الإسلام سوى بين الأجناس كلها فى الحقوق والواجبات العامة، وهذه التسوية هى التى مكنت الفرس والترك وغيرهما أن يحكموا العرب، ويأخذوا منهم الخلافة.
ولكن ذلك لا يغير من حقيقة أن العرب هم دماغ الإسلام وقلبه! وأن نزول الوحى بلغتهم يجعلهم ـ حكاما كانوا أو محكومين ـ قادة الفكر والفقه والأدب والتربية.
وقد حكم الترك، وسقطت الخلافة الأخيرة وهى فى ربوعهم، وكان فساد بعضهم الإدارى وعوجه السياسى وراء المأساة الفادحة. لكن الحكم الفردى المستبد لم يكن اختراعا تركيا، بل امتدادا لشبيه له فى دمشق وبغداد.
* * * *
الغزو الثقافى:
إن الثقافة الجيدة الغنية هى صورة الأمة، وأمارة عظمتها، والسلطة مهما قويت لا تعد شيئا طائلا ما لم تكن جزءا من حضارة الأمة ومعرفتها وتفوقها.
وقد رأينا الدول الاستعمارية تسحب جيوشها وتترك أقطارا احتلتها، غير أنها وكلت إلى ثقافتها الغلابة أن تحتفظ لها بكل شىء، فإذا الغزو الثقافى أنكى من الغزو العسكرى، وإذا احتلال العقول أقسى من احتلال الأراضى.
إنه لا يستهين بأثر الثقافة إلا أحمق، ومذ أفلح الجهال فى بلادنا، وعبثت أصابعهم بقيادنا، واضمحل العلم وانزوى أهله شرعنا ننهزم فى كل ميدان.
وماذا يفعل العقل الإسلامى فى مواجهة خصومه إذا كان فى ميدان العلاقات الإنسانية يرخص الشورى وحقوق الإنسان وأشواق الفطرة وضمانات العدالة وحرمة المال، ويعطى فى ذلك توجيهات ناقصة أو غامضة أو هيابة لأن سطوة الحكم الفردى تعقل لسانه؟
* الثقافة الإسلامية فى محنة:
إن الثقافة الإسلامية فى محنة محزنة! وقد ورثنا خليطا هائلا من المعارف الدينية والمدنية يحتاج إلى نظر فاحص واختيار لبيب.
وتعجبنى كلمة الأستاذ (عمر عبيد حسنة) أنه يجب إعادة ترتيب العقل الإسلامى من جديد.
أساس هذا الترتيب فيما أرى: تنسيق شعب الإيمان فى سلم يكشف أدناها وأعلاها، وبإحصاء شئون الدنيا التى لا يقوم الإيمان إلا بها، وتوزيع قوى الجماعة عليها، والتعريف بالقطعيات والظنيات فى آفاق التشريع ومواطن التقليد والاجتهاد، والمحاكمة المستمرة لأعمال السلطات الإسلامية وتبيين الخطأ والصواب فى مسيرتها، والمراجعة الواعية لأرباحنا وخسائرنا طوال القرون الماضية.
وينضم إلى ذلك كله درس مستمر لأحوال العالم من حولنا، ومبلغ تأثرنا به وتأثيرنا فيه. فإننا لم نحتكر الحياة على ظهر هذا الكوكب، ويستحيل أن نؤدى رسالتنا فيه ونحن جهال به.
ولا أزال أؤكد الكلمة الحكيمة: دين الله أشرف من أن يؤخذ من أفواه الحمقى.. لابد من محو هذه الفوضى الفكرية، وإعادة الرشد إلى حياتنا الثقافية، وتمكين أولى الألباب من عرض الإسلام دون تحريف ولا مغالاة دون قصور ولا فوضى.
وعودا إلى صدر هذا الحديث ـ على ما به من كآبة ـ أريد أن أعرف: إلى متى يبقى إحساسنا ضعيفا بآلام إخواننا فى العقيدة، وشركائنا فى المبدأ والمصير؟
----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى #علل_وأدوية
نشر في 10 تموز 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع