Facebook Pixel
الاجتهاد الفقهي علامة صحة وهو شرف لتاريخنا
947 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

صحة الإجتهاد الفقهي علامة صحة وهو شرف لتاريخنا، من كتاب دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين للكاتب محمد الغزالي

كتاب : دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 8 ] : الاجتهاد الفقهى علامة صحة وهو شرف لتاريخنا

من حق الفقهاء أن يختلفوا ـ كما رأينا ـ لتفاوت أنظارهم فى شتى الأدلة ، ويجب أن نقبل نتائج هذا الاختلاف دون تشنج أو تشاؤم ، ولا يجوز أن نرتب عليه شقاقا ولا تحزبا ولا تحاقدا.

إن صاحب الرسالة ـ عليه الصلوات والتسليمات ـ أمضى نتائج الاجتهاد وقبلها ، وصح فى السنة الشريفة أن من اجتهد فأصاب فله أجران ، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر ، أى أن كل مجتهد مأجور فمن السفه الاستطالة فى عرض فقيه ، والنيل منه.

ومن الممكن طرح القضايا على بساط البحث العلمى ، وبذل الجهد فى تعرف الخطأ والصواب ، ويغلب أن تتساوى وجهات النظر ، وأن يكون الكل أمام ملحظ محترم يصعب تجاهله.

ويمكن أن نقول هنا: إن حقائق الأشياء ثابتة فى الأمور العلمية ، فهل هى كذلك فى الأمور التعبدية؟ أعنى أنه إذا قيل: إن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس ، فالأمر هنا متردد بين الخطأ والصواب لا غير ، فالقول بدورانها علم وبتوقفها جهل ، والمخطىء سواء عذرناه أم لم نعذره مخالف للواقع ونيته إلى الله.

والقاضى عندما يصدر حكمه على متهم ، قد يدينه أو يبرئه ، وفق الأدلة التى توضع بين يديه ، أى أنه يخطىء أو يصيب وفق الواقع وحده ، ولكن حكمه نافذ حسب الأدلة الظاهرة ونيته إلى الله.

هل الأمور العبادية علي هذا الغرار؟ فمسح الرأس كله ركن عند الله ، ولكن المجتهد ـ وفق ما رأى من أدلة ـ قال بأن مسح بعض الرأس يكفى ، فهو مخطىء فى اجتهاده ولكن له أجره!

كذلك يقول بعض العلماء ـ أو جلهم ـ وإن كان تعرف حقيقة الحكم عند الله متعذرا ، ومن ثم لا نجزم بصواب مجتهد أو خطئه. ومن العلماء من يرى هذه الأمور العبادية اعتبارية ، وأن مراد الله فيها هو السمع والطاعة ، وأن كل ما يصل إليه وفق فكره وجهده هو المطلوب منه ، ولا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ، وتبعا لذلك يرى أن كل مجتهد مصيب.

وسواء كان كل مجتهد مصيبا ، كما يرى البعض أو مأجورا كما أجمعت الأمة ، فإن تجريم مجتهد أو التحامل عليه منكر كبير.

• احترام المخالف ديدن العلماء :

والفقهاء المجتهدون وإن اختلفت آراؤهم يحترم بعضهم بعضا ويحترم حريته فى مخالفته ، وقد رأينا مالك بن أنس يرفض حمل الناس على مذهبه فى كتابه الموطأ ويقول: إن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تفرقوا فى الأمصار وقد يكون لديهم ما فاته.

وقد أنكر عبد الله بن مسعود إتمام الصلوات الرباعية أيام التشريق ، لما بلغه أن عثمان فعل ذلك ، وقد رئى ابن مسعود بعدها يصلى وراء عثمان متما فلما كلم فى صنيعه هذا قال أكره الخلاف..!

وقد كان أحمد بن حنبل يرى أن الحجامة تنقض الوضوء ، فسئل عمن رأى الإمام احتجم وقام إلى الصلاة ولم يتوضأ ، هل يصلى الإمام خلفه؟ فقال رضى الله عنه: كيف لا أصلى خلف مالك وسعيد بن المسيب؟! وكان أبو حنيفة وأصحابه يرون انتقاض الوضوء من خروج الدم ، ولكن أبا يوسف رأى هارون الرشيد احتجم وصلى ولم يتوضأ ـ لأن مالكا أفتى الخليفة بأن لا وضوء عليه إذا هو احتجم ـ فصلى أبو يوسف خلفه ولم يعد الصلاة.

ورووا أن الشافعى ترك القنوت فى صلاة الصبح لما صلى مع جماعة الأحناف فى أحد مساجد بغداد وذلك رعاية لأدب الإسلام ، ورغبة عن الخلاف..

وربما قيل: إن القنوت أمر ثانوى ، أما قراءة الفاتحة فى الصلاة وراء الإمام ، فالشافعى يراها ركنا ولا يرى ذلك أغلب الأئمة ، وما نظن الشافعى إلا قرأها سرا فى هذه الجماعة.

ونقول: إن القيمة الذاتية لاجتهاد الشافعى فى وجوب القراءة كالقيمة الذاتية لرأى غيره فى كراهيتها ، أو جوازها، كلاهما اجتهاد يلزم صاحبه وحده ، ولا يلزم به غيره من المجتهدين.. والأجر منحة إلهية لكلا المذهبين ، الخطأ فيهما والصواب ، فلم التنطع وإثارة الفرقة؟ هل نحن أغير على الدين من صاحب الدين؟

لقد أدركنا فى طفولتنا عصرا مجنونا كانت تقام فيه ثلاث جماعات أو أربع للوقت الواحد! كان أتباع كل مذهب يرفضون الصلاة وراء إمام على غير مذهبهم. هؤلاء الناس صنعت عقولهم ثقافة مسمومة ، لا تكون على ظهر الأرض إلا أمة تافهة شريرة ، وسنتحدث عن هؤلاء عند نقدنا للتعصب المذهبى ، وقبل ذلك نزيد قضية الخلاف الفقهى وضوحا فننتقل انتقالة كبيرة.

المعاصى والكبائر معروفة فى ديننا، والبعد عنها شيمة المؤمنين، عامتهم وخاصتهم، وثبوت حرمتها قائم على القطع فإن التحريم ليس هوى فرد أو توافق مجتمع. إنه خطاب الله سبحانه بالكف عن كذا ، أو كذا ، أى لابد من نص يستند إليه التحريم…

وهنا قد يقع بين الفقهاء خلاف لا فى أصل النص ، بل فى الدائرة التى يتناولها بعد تحديد مفهومه.

فالخمر حرام ، ومن قال بإباحتها فهو مرتد عن الإسلام ، ومن شربها عالما فهو فاسق. وقد سبق أن أشرنا إلى كلام الحنفية فى أن الخمر تصنع من العنب ، وأن اللغة تجعل الخمر من العنب وحده ، وأن ما أسكر من الأشربة يحرم بالقياس على الخمر ، وأن القدر غير المسكر من هذه الأشربة الأخرى لا يحرم ـ كما يقولون. وقد ضعفنا هذا الاجتهاد أو رفضناه.

وبقى أن نسأل: ما حكم من شرب هذا القدر غير المسكر أو أباحه؟ والجواب: هو مخطئ ولكن لا يكفر ولا يفسق ولا يجوز لعنه كما يلعن شارب الخمر وعاصرها وبائعها وشاربها.. إلخ.

ومثال آخر الربا حرام بيقين ، قليله وكثيره ، والإجماع على هذا انعقد ، ومنعا للوقوع فى الربا جاء فى السنة "والبر بالبر مثلا بمثل، هاء وهاء" ، أى أن التبادل يجب أن يتم حالا دون تفاوت!

والتأمل فى صورة هذه المعاملة ، صورة استبدال قدح قمح بآخر دون زيادة ودون تأخير ، أمر يدعو إلى الغرابة ، إن المرء قد يبادل قمحا رديئا بآخر جيد! فيختلف الكم حتما ! لا ، هذا مرفوض ، فهو ربا. إن أردت الجيد فاشتره بثمن خاص ، وبع ما لديك بثمن ما ، ولا مبادلة إلا مثلا بمثل ويكون التقايض حالا.. وظاهر أن هذا الاحتياط الشديد جاء سدا لذريعة الربا ، وإغلاقا لأبوابه من بعد..

ولكن وردت أحاديث أخرى تجعل الربا في النسيئة ، لا فى الزيادة المعجلة ، وقد أخذ بهذا المعنى عبد الله بن عباس وغيره ، فهل يعدون مبيحين للربا؟ لا…!

وقد ذكر ابن تيمية جملة من الاجتهادات التى أخذ بها أصحابها معتمدين على أسباب الخلاف التى أشرنا إليها ـ صدر هذا البحث ـ ورتب على ذلك أن لا تثريب عليهم ويغفر الله لنا ولهم.

ومع رفضى الشخصى لبعض هذه الآراء فإنى لا أستبيح أصحابها ولا أنال منهم.

قال ابن تيمية: إنه قد صح عن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : "لعن الله آكل الربا وموكله ، وشاهديه وكاتبه " .

وصح عنه من غير وجه أنه قال ـ لمن باع صاعين بصاع يدا بيد ـ "أوه عين الربا" كما قال البر بالبر ربا إلا هاء وهاء .

وهذا يوجب دخول نوعى الربا ـ ربا الفضل وربا النسيئة ـ ثم إن الذين بلغهم قول النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ " إنما الربا فى النسيئة " فاستحلوا بيع الصاعين بالصاع يدا بيد ـ مثل ابن عباس رضى الله عنهما ـ وأصحابه ، أبى الشعثاء وعطاء وطاووس ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة وغيرهم ـ من أعيان المكيين الذين هم صفوة الأمة علما وعملا ـ لا يحل لمسلم أن يعتقد أن أحدا منهم بعينه ، أو من قلده ـ بحيث يجوز تقليده ـ تبلغهم لعنة آكل الربا ، ـ نعم لا يلعنون ـ لأنهم فعلوا ذلك متأولين تأويلا سائغا فى الجملة.

وكذلك ما نقل عن طائفة من فضلاء المدنيين من إتيان المحاش مع ما رواه أبو داود عن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "من أتى امرأة فى دبرها فهو كافر بما أنزل على محمد" ـ صلى الله عليه وسلم ـ!.

وكذلك قد ثبت عنه ـ صلى الله عليه و سلم ـ أنه لعن فى الخمر عشرة : عاصر الخمر، ومعتصرها ، وشاربها.. الخ. وثبت عنه من وجوه أنه قال: "كل شراب أسكر فهو خمر" وقال: "كل مسكر خمر" وخطب عمر رضى الله عنه على منبره بين المهاجرين والأنصار، فقال: "الخمر ما خامر العقل ".

وأنزل الله تحريم الخمر. وكان سبب نزولها ، ما كانوا يشربونه فى المدينة ولم يكن لهم شراب إلا الفضيخ ، لم يكن لهم من خمر الأعناب شىء.

قال ابن تيمية: ومع ذلك كان رجال من أفاضل الأمة ـ علما وعملا ـ من الكوفيين يعتقدون ، أن لا خمر إلا من العنب وأن ما سوى العنب والتمر لا يحرم من نبيذه إلا بمقدار ما يسكر ، ويشربون ما يعتقدون حله
قال فلا يجوز أن يقال: إن هؤلاء مندرجون تحت الوعيد ، لما كان لهم من العذر الذى تأولوا به أو لموانع أخرى.

وكذلك لا يجوز أن يقال إن الشراب الذى شربوه ليس من الخمر الملعون شاربها ، فإن سبب القول العام لابد أن يكون داخلا فيه ، ولم يكن بالمدينة خمر من عنب ـ عند نزول الوحى ـ.

ثم إن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد لعن البائع للخمر، وقد باع بعض الصحابة خمرا حتى بلغ عمر رضى الله عنه فقال: "قاتل الله فلانا ، ألم يعلم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها ، وأكلوا أثمانها "؟ ولم يكن يعلم أن بيعها محرم ولم يمنع عمر ـ رضى الله عنه ـ علمه بعدم علمه ، أن يبين جزاء هذا الذنب ، ليتناهى هو وغيره عنه بعد بلوغ العلم به.

وقد لعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ العاصر والمعتصر ، وكثير من الفقهاء يجوزون للرجل أن يعصر لغيره عنبا ، وإن علم أن من نيته: أن يتخذه خمرا. فهذا نص فى لعن العاصر، مع العلم بأن المعذور تخلف الحكم عنه لمانع.

وكذلك جاء لعن الواصلة والموصولة فى عدة أحاديث صحاح ، ثم من الفقهاء من يكرهه فقط .

وقال النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إن الذى يشرب فى آنية الفضة إنما يجرجر فى بطنه نار جهنم" ومن الفقهاء من يكرهه كراهة تنزيه. وكذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار" .

يجب العمل به فى تحريم اقتتال المؤمنين بغير حق ، ثم إنا نعلم أن أهل الجمل وصفين ليسوا فى النار لأن لهم عذرا وتأويلا فى القتال ، وحسنات منعت المقتضى أن يعمل عمله.

ومضى ابن تيمية يقول: وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى الحديث الصحيح: " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء يمنعه ابن السبيل ، فيقول الله له: اليوم أمنعك فضلى كما منعت فضل ما لم تعمل يداك.

ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنياه ، إن أعطاه رضى ، وإن لم يعطه سخط. ورجل حلف على سلعة بعد العصر كاذبا: لقد أعطى بها أكثر مما أعطى".

فهذا وعيد عظيم لمن منع فضل مائه ، مع أن طائفة من العلماء يجوزون للرجل أن يمنع فضل مائه.

فلا يمنعنا هذا الخلاف أن نعتقد تحريم هذا محتجين بالحديث ولا يمنعنا مجىء الحديث أن نعتقد أن المتأول معذور فى ذلك ، ولا يلحقه هذا الوعيد.

وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لعن الله المحلل والمحلل له " ، وهو حديث صحيح قد روى عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من غير وجه ، وعن أصحابه رضى الله عنهم ، مع أن طائفة من العلماء صححوا نكاح المحلل مطلقا. ومنهم من صحح إذا لم يشترط فى العقد ، ولهم فى ذلك أعذار معروفة.

فإن قياس الأصول عند الأول ، أن النكاح لا يبطل بالشروط ، كما لا يبطل بجهالة أحد العوضين.

وقياس الأصول عند الثانى: أن العقود المجردة عن شرط مقترن لا تغير أحكام العقود. ولم يبلغ هذا الحديث من قال هذا القول. هذا هو الظاهر ، فإن كتبهم المتقدمة لم تتضمنه.

ولو بلغهم لذكروه آخذين به، أو مجيبين عنه، أو لعله بلغهم وتأولوه أو اعتقدوا نسخه، أو كان عندهم ما يعارضه.

وكذلك استلحاق معاوية رضى الله عنه زياد بن أبيه المولود على فراش الحارث بن كلدة ، لكون أبى سفيان كان يقول : إنه من نطفته ، مع أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد قال : " من ادعى إلى غير أبيه ، وهو يعلم أنه غير أبيه: فالجنة عليه حرام " .

وقال : " من ادعى إلى غير أبيه ، أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا". وقضى أن الولد للفراش ، وهو من الأحكام المجمع عليها ـ ومع ذلك ـ خالفه معاوية.

ونحن نعلم أن من انتسب إلى غير الأب الذى هو صاحب الفراش ، فهو داخل فى كلام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، مع أنه لا يجوز أن يعين ـ باللعن ـ أحد من دون الصحابة فضلا عن الصحابة فيقال: إن هذا الوعيد لاحق له ، لإمكان أنه لم يبلغهم قضاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن الولد للفراش ، واعتقدوا: أن الولد لمن أحبل أمه ، أو اعتقدوا: أن أبا سفيان هو المحبل لسمية أم زياد.

فإن هذا الحكم قد يخفى على كثير من الناس ، لاسيما قبل انتشار السنة. بهذا العقل المتفتح ، والقلب المتسامح ينظر ابن تيمية إلى ما وقع بين الأئمة من خلاف ، ويرفع عنهم الملام..

ثم خلفت خلوف تحاول هدم القمم ، ونتلمس لها الأخطاء من بعيد.. وتريد أن تجعل الإسلام بلا تاريخ علمى ، ولا مفكرين كبار… وتنظر إلى هذه الخلوف المسعورة ، فترى مزيجا من الجهل والكبر لا يستحق إلا المقت والازدراء .

----------( يُتبع )----------
#محمد_الغزالي
#دستور_الوحدة_الثقافية_بين_المسلمين
كلمة حرة
نشر في 14 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع