Facebook Pixel
التوسل ما يجوز منه وما لا يجوز
2213 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

تتبعت معانى الوسيلة في الشرع والعرف، فوجدتها لا تعدو خمسة صور، من كتاب دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين للكاتب محمد الغزالي

كتاب : دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 16 ] : التوسل .. ما يجوز منه وما لا يجوز

الخلاف فى جواز التوسل وعدم جوازه شائع بين الدهماء ، وقد استفحل أمره مع التخفف العقلى لأمتنا فى القرون الأخيرة ، وانشغال الكثيرين بالتوافه ، وغفلتهم عن معاقد الإيمان وعظائم الأعمال..

بل لقد كانت دولة الإسلام تنتقص من أطرافها وشرائعه تطوى من أصولها ، والرعاع فى دار الإسلام مشدودون إلى جدال حام غضوب : هل فلان ولى أم لا؟ وهل نتوسل به أم لا؟ وظاهر من ملاحظة تلك الأحوال الغريبة أن الأمة كانت قد فقدت خصائصها العلمية والخلقية ، وأمست غير صالحة ألبتة لقيادة أو ريادة ، والجنون فنون..

• معانى الوسيلة فى الشرع والعرف :

تتبعت معانى " الوسيلة " فى الشرع والعرف ، فوجدتها لا تعدو هذه الصور الخمس:

ا ـ التوسل إلى الله بذاته وأسمائه الحسنى: على نحو ما جاء فى الحديث: "اللهم إنى أسألك بأنك أنت الله الذى لا إله إلا هو الأحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد".

ومثل ما ورد فى حديث حفظ القرآن الكريم: "أسألك بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبى حفظ كتابك كما علمتنى".

ومثل: "أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ".

وقرأت لأحد الصالحين دعاء بدأه بهذه الجمل: "اللهم إنى جئت منك إليك ، ولا شىء أعز منك عليك ، فكن شفيعى لديك.. الخ ".

وهذا النوع من التوسل لا شىء فيه يقينا ، بل هو قمة التوحيد!

2- التوسل إلى الله بطاعته ، وما قدمنا من عمل صالح نرجو به وجهه الكريم. وهذا هو المراد من قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون).

وفى السنة حديث طويل عن ثلاثة انسد عليهم غار كانوا قد لجئوا إليه ، ولم ينجهم منه إلا توسل كل منهم بأحسن ما قدم من عمل. وذلك مصداق قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " تعرف إلى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة "!.

3 ـ التوسل بدعاء الصالحين ، ومن نتوسم فيهم درجة الإحسان! ودعاء المؤمنين بعضهم لبعض ثابت من عهد نوح الذى قال لربه : ( رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا).

وسواء كان الدعاء عن حضور أو عن ظهر الغيب ، وسواء كان من الأعلى للأدنى أو الأدنى للأعلى فهو مأثور مأجور لما له من دلالة حسنة.

إن الملائكة حملة العرش تقول فى ورد دائم: ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم).

والذين يعرفون العظيم يتوجهون له بالثناء والاعتذار إذا رأوا سفيها يسئ إليه ، فلا جرم تهتف الملائكة برب العالمين داعية راجية كلما أخطأ البشر وشردوا عن الطريق ، ثم ثابوا إلى رشدهم…!

والخلف يدعون للسلف إشارة إلى وحدة المؤمنين فى مجال العبودية وإن اختلف الزمان والمكان: ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ).

والأمة الإسلامية تدعو لنبيها فى كل أذان وصلاة مترجمة بهذا الدعاء أو بهذه الصلاة عن حبها له وشعورها بما أسدى حين علم وجاهد وهدى..

وكان السلف من الأصحاب رضوان الله عليهم إذا تخلف المطر وخيف القحط يتوسلون برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فيرفع ذراعيه إلى السماء ويناشد الله رحمته فيجئ الغيث..

وقد توسل الصحابة بعد وفاة الرسول بعمه العباس ـ كأن فيه رائحة النبوة ـ فأقبل العم الصالح يدعو وهو خجل حتى نزل المطر..

إنه لا حرج أن تقول لمؤمن تحسن به الظن: ادع الله لى ، أو ادع الله معى.

إن هذا النوع من التوسل لا حرج فيه كما رأيت.

• توسل مختلف عليه :

4ـ التوسل بذات الرسول وما له عند الله من مكانة ، وقد وجدت رأيين فى ذلك:

أولهما: أنه لم يرد ، وأن نماذج الدعاء فى الكتاب والسنة وهى كثيرة لم تتضمن شيئا من ذلك بل تضمنت دعاء مباشرا لله جل شأنه ، والاتباع فى هذا الميدان أولى..

الثانى: أنه ورد توسل بشخص الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى حديث الرجل الذى أصيب بالعمى ، واستشفع بالنبى إلى ربه فى دعاء تعلمه منه ـ أو من غيره ـ فلما دعا الرجل ربه بهذه الصيغة رجع إليه بصره..

قالوا : وهذا اللون من التوسل وإن لم يروه الصحيحان فقد جاء من طرق تزيد على العشرة مما يشهد له! كلا الرأيين له ملحظ محترم عند من يقول بهما ، ومن الممكن اعتبار هذا الخلاف فى شكل الأداء لا فى حقيقة الوجهة..

إلا أن خصاما شديدا وقع بين الفريقين كاد يتحول إلى قطيعة مزمنة!

والسبب عندى يحمل وزره الفريقان معا.

الفريق الأول وصف الثانى بالشرك ، والثانى وصف الأول بكراهية الرسول.

وتراشقوا جميعا بالتهم ، فلم يكسب الإسلام إلا فرقة سيئة بين بنيه.

وزاد الطين بلة أن الفريق الثانى قاس على ذات الرسول! من يراهم أهل صلاح وولاية ، فاتسعت الدائرة لتشمل المعارف والنكرات ، ثم رأيناه يتجاهل أو يتجاوز ما لا شك فيه من صيغ الدعاء ، ويقصر سؤاله لله على الصيغ التى فيها قولان ، وهذا جهل منكور!!

وكان يجب على هؤلاء ألا يقيسوا على رسول الله شخصا آخر ، فلا قياس فى العبادات ، وكان يجب أن يتقربوا إلى الله أولا بما صح فى كتابه وسنة رسوله ، وإذا صحت لديهم صيغة فلتكن بعض ما يقال أو آخر ما يقال…

وبقى أن ننصح هواة الاتهام بالشرك أن ينظفوا سرائرهم وألسنتهم من سوء الظن ، وألا يبنوا أحكاما على أوهام…

• توسل مرفوض باتفاق العلماء :

5 ـ التوسل إلى الله بدعاء المقبورين. وهذا مرفوض باتفاق العلماء ، فإن مناجاة نبى أو ولى فى قبره ، وعرض الحوائج عليه رجاء قضائها شرك.

ما يمنع أولئك الحمقى من سؤال الله وهو أقرب إليهم ، وأقدر على إجابتهم؟ إن الانصراف عنه إلى غيره عمى وزور..

والغريب أن ناسا عندنا يرسلون شكاوى مكتوبة إلى ضريح الإمام الشافعى ، وآخرين يفزعون إلى قبور بعض الأولياء متذللين يطلبون منها ما لا يقدر عليه إلا رب العالمين..

حكى بعض الظرفاء أنه كان جالسا فى مزار مشهور ، فجاء رجل يطلب من الولى الميت النجدة! لأن امرأته تلد والولادة متعسرة! وانصرف ، وإذا رجل يجىء بعده ليطلب مساعدة ابنه الذى دخل الامتحانات العامة! وهنا قال له الظريف الجالس:

إن الولى ليس هنا ، فقد ذهب لتوليد حامل تعسر وضعها!! والواقع أن دعاء المقبورين أضحى مهزلة سخيفة ، وأن الاعتذار عن هذا المسلك لا يسمع من أحد. وأستلفت النظر إلى شىء قد يشتبه مع هذا الدعاء المرفوض ، وهو ليس منه! وأعنى به أدب المناجاة.

فإن من المتأدبين من ينادى الليل ، أو القمر ، أو ريح الصبا ، أو خليله ، أو ما أشبه بذلك ، وهو لا يقصد نداء وإنما يريد مناجاة ما يبثه مشاعره ، ويشرح لديه ذات نفسه..!

والذى يناجى الليل أو البدر لا يعبدهما بداهة ، بل الذى نادى قبر معن بن زائدة وقال له: ويا قبر معن أنت أول حفرة من الأرض خطت للسماحة مضجعا لم يعبد القبر ولم يفكر فى ذلك.. وكذلك الذى ناجى الرسول الكريم بقوله: يا خير من دفنت فى القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسى الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه النبل والكرم وعندى أن قصيدة شوقى التى بدأها بقوله:
إلى عرفات الله يا خير زائر عليك سلام الله فى عرفات

تضمنت مناجاة من هذا القبيل ، وقد يكون خيال الشاعر وفيض حبه قد أضفيا على كلامه شيئا من المبالغة ، ولكن ذلك فى رأيى لا يجعله موضع اتهام.

يقول شوقى:
إذا زرت بعد البيت قبر محمد .. وقبلت مثوى الأعظم النضرات
وضاء شعاع تحت كل ثنية .. وضاع أريج تحت كل حصاة
وفاضت من العين الدموع مهابة .. لأحمد بين الستر والحجرات..!
فقل يا رسول الله ، يا خير مرسل .. أبثك ما تدرى من العبرات
شعوبك فى شرق البلاد وغربها .. كأصحاب كهف فى عميق سبات
بأيمانهم نوران: ذكر وسنة .. فما بالهم فى حالك الظلمات؟!

وقد سبق إلى مثل هذه المبالغات البوصيرى ، فتجاوز الحد فى الإطراء ، ولكن هذه الهنات لا تسوغ اتهام الرجلين بالشرك ، كما يفعل أناس لا خبرة لهم بآفاق الأدب وأساليب البيان ، وإن كنا نؤثر البعد عما يثير الريب ، ونعلن غيرتنا عن كل ما يمس عقيدة التوحيد ، ونرى فى كلام هؤلاء الشعراء ما يستحق الضبط.

ونعود إلى التوسل بذات الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين يدعو المسلم ربه. إن الخلاف بين المجيزين والمانعين ، كاد يشبه الخلاف بين دينين ، ولم أر لذلك سببا معقولا.

وفى المسافة بين الفعل ورد الفعل ، ندَّت أحكام عن الصواب ، فرأينا ابن تيمية يكره زيارة قبر النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ . لماذا؟ إن زيارة القبور كلها سنة ، فلم يشذ هذا القبر وحده؟!

لا ريب فى أن ابن تيمية فعل ذلك سدا لذريعة التوسل الذى يأباه.. وقد سلقه خصومه بألسنة حداد ، ونالوا منه منالا رديئا..

ونظن أن هذه المعركة التافهة يجب أن تخمد نارها ، وأن ينظر إليها دون تشنج ورغبة فى التهم. يقول الأستاذ الإمام: "والدعاء إذا قُرن بالتوسل إلى الله بأحد من خلقه موضع خلاف فرعى فى كيفية الدعاء ، وليس من مسائل العقيدة" .

أى أنه يوصف بالخطأ والصواب كالقضايا الفرعية فى فقه العبادات… ولا صلة له بالكفر والإيمان أو الشرك والتوحيد.

----------( يُتبع )----------
#محمد_الغزالي
#دستور_الوحدة_الثقافية_بين_المسلمين
كلمة حرة
نشر في 14 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع