970 مشاهدة
0
0
إن نجاح النهضات وبقاءها يرتبطان بمقدار ما تستند إليه من مشاعر وأفكار، بل إن الارتقاء الصحيح لا يكون إلا معتمدًا على خصب المشاعر ونضارة الأفكار
. إن نجاح النهضات وبقاءها يرتبطان بمقدار ما تستند إليه من مشاعر وأفكار، بل إن الارتقاء الصحيح لا يكون إلا معتمدًا على خصب المشاعر ونضارة الأفكار.ولذلك لابد في الثورات الاجتماعية الكبرى من ثورات أدبية، تمهد لها، وتملأ النفوس والعقول إيمانًا بها..
وقد تعتري الأمم هزات موقوتة، أو انكسارات وانتصارات سريعة، وقد يصيب الحضارات مد وجزر لأسباب شخصية أو محلية. وذلك كله ينظر إليه المؤرخون نظرة عابرة، ولا ينتظرون من ورائه نتائج بعيدة المدى .
أما النهضات التي تصحبها يقظات إنسانية واسعة، وتحف بها عواطف جياشه ونظرات عميقة؛ فهي أمر له خطره ، وله ما بعده !!
فنحن مثلاً ننظر إلى صنيع " محمد علي باشا " والي مصر منذ قرن ـ فنرى الرجل أحدث تغيرًا شاملاً في البلاد، وبلغت فتوحه العسكرية حدًّا لم تعرفه مصر بضعة قرون، حتى إن الرجل ملأ قلوب أعدائه بالفزع، فأبت الدول الكبرى وساقت عليه قواها مجتمعة، فهزمته برًّا وبحرًا.
وما إن مات الرجل حتى ماتت معه النهضة التي صنعها! لماذا ؟
لأنها نهضة لم تنبجس عن المشاعر العامة، ولم يمش بين يديها وخلفها حشد من الأقلام الباعثة، والألسنة الناصحة. ولم يلتف حولها العلماء والأدباء، يصلون جذورها بالتربة التي تحفظ عليها الحياة، إن لم تحفظ عليها النماء والامتداد.
قارن بين هذه الحركة التي قام بها الجندي التركي " محمد علي باشا " وبين الحركة التي عاصرته أو سبقته بسنين، أعني حركة حقوق الإنسان التي قامت في فرنسا ، والتي مهد لها، وأشرف عليها كتاب وخطباء غرسوا في الدماء حب الحرية، وكراهية الظلم، وكانت مقالاتهم لهبًا يؤجج الجماهير، وينير لها المستقبل إن عزت إنارة الحاضر.
بل قارن بين هذه الحركة، وبين ثورة الطبقات التي أشعلها الروس ، وجعلوا الدعايات المغرية تسبقها أو تلحقها، حتى إنهم ليجعلون من مبادئهم أماني للمحرومين، وأهدافًا للطامحين. فما تنالهم هزيمة إلا هاجت حميتهم لكفاح جديد وأمل بعيد..
إن ذلك يؤكد الحقيقة التي أشرنا آنفًا وهي أن النهضات الكبرى لا تستوي وتستمر على الزمن إلا بمدى ما تمت به إلى المشاعر والأفكار وتنفذ به إلى النفوس والعقول. والنهضة التي اقترنت بالقرآن الكريم اقتران النهار بالشمس؛ وجدت أسباب الحياة والازدهار في هذا الكتاب العزيز، على نحو يروع الألباب..
بل إن هذا القرآن وفر للنهضة الإسلامية من عناصر الوجود والاكتمال. ما لا تستطيع صنعه ألف وزارة للدعاية تجند فيها لتغذية العواطف والآراء آلاف الأفلام الواعية والألسنة الحادة.
كان هذا القرآن للحركة الإسلامية صحافتها، وإذاعتها، وكتابتها، وخطابتها، ومن آياته وحدها اهتزت الأجيال الهامدة اهتزازة الحياة، وتخلصت بقوة وعزم من عقابيل الجاهلية الأولى لتنشئ نهضة جديدة متميزة بحقائقها وشاراتها: نهضة لم تنبعث من نفس رجل واحد فتموت بموته، بل نهضة تنبعث من أعماق النفوس التي آمنت عن يقين جازم. واقتناع محض، وكأن كل واحد من حملة هذه الرسالة هو الذي اختص بهذه الآيات :
" قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " ،
كتاب نظرات في القرآن
نشر في 04 نيسان 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع