991 مشاهدة
0
0
بعبارة واضحة أن حذر المرأة يساهم في تقليل خسائر محتملة قد يتسبب بها الرجال أو نمط تفكيرهم، لكن ماذا عن المرأة بحد ذاتها؟
بدأ الأمر بحوار بيني وبين شقيقتي استحضرنا فيه المتفوقين من دفعتها ( كلية الطب/ جامعة بغداد) ، ولاحظت أن الكثير ممن كان بين الأوائل، لم يحظ بنفس النجاح المهني الذي كان متوقعا له، ولاحظنا أن هؤلاء كن من الإناث أكثر من الذكور..الشيء ذاته مع دفعتي في الجامعة، نسبة الإناث في العشرة الأوائل كانت أعلى من الذكور، وقد حققن فيما أعلم مكانة طيبة، لكن " النجوم" - المشاهير بسبب التخصص- كانوا جميعا من الذكور..وهنا لا أقصد الإتقان في العمل أو جودته ، فهذا أمر لا أظنه يختلف في النسبة بين الذكور والإتاث، بل أقصد تخصصات نادرة، أو طرق جديدة غير شائعة، أو " الاستثمار" في الطب بتأسيس مراكز طبية مختلفة الشكل عن السائد ...كل هذه مغامرات تتضمن نوعا من المخاطرة وأرباح أعلى في حالة نجاحها..وغالبا من يخوضها ذكور...
قالت لي شقيقتي يومها أن الرجال عموما يتمتعون بحس مخاطرة أعلى من النساء، وهذا يجعل " نجاحهم المهني" أكثر ظهورا وبروزا..بدا لي الأمر منطقيا، مع العلم أن تفسير " البيت والزوج والأولاد" موجود أيضا ولكنه أيضا يرتبط بالتفسير السابق بشكل أو بآخر، ...فالنساء لا يرغبن بالمخاطرة كثيرا بالبيت والزوج والأولاد ، لذلك فهن يخترن خيارات تحافظ على كل هذا، لكن الأمر لا يتغير كثيرا حتى في حالة عدم الزواج، فكأن " الابتعاد عن المخاطرة" أصبح جزءا من طبيعة المرأة بغض النظر عن تفاصيل سياقها الاجتماعي...
بدا لي الأمر مقنعا وفكرت أنه لا بد أن يكون مرتبطا بتاريخ مبكر للبشرية، يوم كان الرجال يصيدون ويجمعون الثمار، والنساء يعتنون بالأطفال، مهمة الرجل في هذه المرحلة كانت تحتم وجود " مخاطرة" ، لأن تجنبها كان يعني الموت جوعا، أما مهمة المرأة فكانت تحتم الابتعاد عن المخاطرة وإبقاء الأطفال بعيدا عنها. وهكذا أصبح الأمر عميقا في طبيعة الرجل والمرأة في العموم دون أن يعني ذلك عدم وجود استثناءات..
عندما بحثت وجدت عددا كبيرا من الدراسات التي توثق الأمر في مختلف المجالات المهنية، نعم، يبدو أن المرأة بالفعل لديها حس مخاطرة أقل وتفضل المحافظة على ما هو موجود، كما وجدت دراسات تعزو السبب إلى ما ذكر من مرحلة الصيد وجمع الثمار ( الروابط في التعليقات)..
بالمقابل هناك دراسات حاولت موازنة الكفة بإظهار أن لا فرق حقيقي بين الرجال والنساء في موضوع المخاطرة، الدافع الأساسي في هذه الدراسات كان واضحا ومعلنا، وللأسف يتم التعامل مع موضوع المخاطرة كما لو كان شرفا على المرأة أن تتحلى به مثل الرجل بالضبط، بينما الأمر في حقيقته أعقد من هذا بكثير...
ثلاث تحيزات يجب ان نعيها عندما نتحدث عن كل هذا..
التحيز الأول هو معنى " المخاطرة"..نعيش في سياق يتحدث عن المخاطرة بمعناها المهني المادي، وفي هذا السياق يكون الرجال يتمتعتون فعلا بحس مخاطرة أعلى، ولكن بالنسبة للمرأة الأمر قد يكون مختلفا، المرأة التي تضحي بمهنتها وبتقدمها المهني في سبيل تقديم رعاية أكبر لأولادها هي تخاطر ايضا بمهنتها في سبيل أولادها، لكنها مخاطرة في سبيل المحافظة على الأسرة...لو أعتبرنا كلمة المخاطرة تشمل الجانبين والسياقين، فنعم ، لا فرق كبير بين المرأة والرجل في حس المخاطرة، لكن السياق كله يتحدث عن التفوق المهنى وليس عن التفوق " العائلي".
التحيز الثاني يتعلق بأن المجتمع قد تعود عموما على ما سبق باعتباره بديهة، لذا فمن المتوقع من الرجل أن يغامر، وهذا يشكل حافزا وتشجيعا ضمنيا له، بينما المرأة لا تحصل على هذا، بل قد تعتبر ما تفعله " حماقة" بينما لو فعله زميلها فهو " مغامرة" وهذا بالتأكيد له أثر في تكريس الميل الأساسي في حس المخاطرة عند الرجل وتجنبها عند المرأة.
التحيز الثالث يتعلق بأننا غالبا ننتبه لقصص المغامرات الناجحة ذات النهايات السعيدة، ولا نعرف أصلا بنسبة اكبر بكثير من المغامرات الفاشلة التي انتهت بكسر رقاب أصحابها وإفلاسهم، هذا الأمر المعروف بتحيز النجاة survival bias يساهم في التقليل من أهمية حذر المرأة وتجنبها للمخاطر، بينما الصورة الكبيرة التي تضع بنظر الاعتبار المغامرات الفاشلة أيضا، ستكون أكثر تقديرا لدور المرأة في التوازن وكبح جماح المغامرات إلى حد مقبول.... لو أن المرأة لديها نفس حس المغامرة العالي، لكانت النتئج كارثية أكبر بكثير...
بعبارة أخرى: حذر المرأة، يساهم في تقليل خسائر محتملة قد يتسبب بها الرجال...أو نمط تفكيرهم...
نشر في 22 حزيران 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع