Facebook Pixel
1454 مشاهدة
1
0
Whatsapp
Facebook Share

هل فعلا من الممكن أن يكون لكل شخص شغفه ؟...أليس من الممكن أن يكون هناك أناس بلا شغف ؟

راسلني أحد الأخوة ليسألني عن مشكلة سبق لي أن استلمت الكثير من الرسائل عنها.
قال لي الأخ أنه لا يعرف أين يجد ( شغفه). جرب أشياء كثيرة ( في مجالات تبدو لي إبداعية ، أو على الأقل غير تقليدية) ..، ولكنه لم يجد (الشغف). لم يشعر أنه يجد نفسه ويحقق ذاته في هذا الشيء.
يخيل لي أن الظاهرة منتشرة ، ظاهرة البحث عن شغف ، وربما هي مرتبطة بهذا الجيل أكثر من سواه...
في الأجيال السابقة ، كان الأمر مختلفا ...من لديه شغف ، كانت لديه مشكلة أن يحقق شغفه ويتبعه وينسق ذلك مع رغبات مجتمعه أو يصطدم بها...لكن من لم يكن يمتلك الشغف ، كان عليه في أحسن الأحوال يحقق رغبات وتوقعات المجتمع من حوله ، بالتفاعل مع قدراته ومواهبه...لكن لا أعتقد أن أحدا من جيلي كان يعتقد أن ( ليس لدي شغف ) مشكلة....قد بأتي الشغف ، وقد لا يأتي..لكن الأمر ليس بمشكلة...
على أيامنا : كان الشغف يجدك.
اليوم صار عليك أن تجده بنفسك.
أو هكذا يخيل للشباب ، على الأقل.
لكن هل فعلا من الممكن أن يكون ( لكل شغفه )...أليس من الممكن أن يكون هناك أناس بلا شغف ؟
اليوم ، يبدو السؤال صادما للبعض ممن اقتنعوا تماما بأن لكل منهم شغفه وفي داخله عملاق ومارد وقائد وملهم ومبدع ومفكر ( تذكروا دورات إعداد القادة وصناعة المفكر ! )..هذه القناعة لم تأت من فراغ ، فهناك من تحدث بهذه الصيغة العمومية ، وأعتقد أن الكثيرين منا قد ساهم في ذلك بطريقة أو أخرى....لكن ببساطة ، في نهاية الأمر ، نعرف جميعا أنه لا يمكن أن يكون الجيل بأسره مبدعا ..وأن المبدعين في النهاية نادرون ، ونسبتهم ضئيلة جدا ...وهذا هو الطبيعي.
لكن ما هو الشغف ؟
يخيل لي أن الشغف هو من الأمور التي يصعب تفسيرها ، مثل الروح التي هي من أمر ربي ، شيء يحدث فتنشغل بتحقيقه ومطاردته ولكن ليس بتفسيره وتحليله..
ما يعقد الأمر بالنسبة للجيل الجديد ، بالإضافة إلى دعاية ( اتبع شغفك ) ، هو أن أغلب قصص الشغف مرتبطة بجوانب إبداعية ( فردية ) ...وأقصد أن أكثر مجاولات التجريب والبحث عن الذات في الشغف هي في مجالات مثل الكتابة ، الرسم ، الفن عموما..
لكن عمليا هذا غير منطقي ، الشغف يمكن أن يكون في مجالات علمية جدا ، أكاديمية جدا ، يمكن أن يكون في الطب ..في الهندسة ..في كل المهن التي ننظر اليوم لها على أنها تقليدية و ( بورجوازية) والعياذ بالله...نعم ، أعرف أطباء كثر يرتفع عندهم الأدرينالين شغفا بمعالجة المرضى...وأطباء أسنان يصابون بالنشوة عندما يرون مادة ( حشوة سنية أمامية جديدة)...وأعرف آخرين في حالات مشابهة في مجالات مهنية قد تبدو تقليدية جدا ومملة للبعض ، لكن يجدون شغفهم فيها...
الفرق أن شغف هذه المهن يشبه الحب الذي يأتي بعد الزواج ، لا أحد يتحدث عنه ، ولا أحد يحاربك من أجله ولست مضطرا لمحاربة العالم من أجله..
المجد والدعاية كلها تذهب إلى الشغف الآخر الذي تخوض من أجله حربا مع العالم من حولك ، عندما تحصل على الـ 98 % وترغب في دراسة الإخراج السينمائي !...( كمثال فقط..)..هذا هو الشغف الذي يتحدثون عنه في الدورات والكتب والأفلام....لكن هذا يبقى خاصا بفئة محددة لها دور تحريك المياه الراكدة ، أما أن يقوم الكل بذلك ، فالمياه الراكدة عندها ستفيض ولن يكون الأمر جيدا....
ثمة شغف آخر خفي في المهن ( العادية ) ، هناك الاتقان ، التواصل مع الناس ، الإنجاز ، فريق العمل...( أو لا....هذه تحذف !)...
ثم مالذي حصل لأحلام الطبقة الوسطى ، التي ، رغم كل ما يقوله أصحابنا المثقفون والمتثاقفون ، هي المحرك الأساسي لأي نهضة مجتمعية...
أحلام الطبقة الوسطى ، الاستقرار المادي وتكوين عائلة...مالخطأ في هذا ؟
ثمة شغف في هذه الأشياء الصغيرة - الكبيرة لو نظرنا إليها من زاوية أخرى...
أذكر مقولة في فيلم نسيت اسمه وأبطاله ولم يبق منه إلا هذه المقولة...حيث يقول البطل أستاذ الأدب الإنجليزي لطلابه : (إما أن تكتب شيئا عبقريا مختلفا ، أو لا داعي لأن تكون كاتبا أصلا ...العالم مليء بالتقنيين والعمال الذين يعيشون حياة سعيدة..)
صحيح..وهؤلاء لهم شغفهم أيضا...
لكنه مثل حب ما بعد الزواج...لا أحد يصنع الأفلام أو يكتب الروايات عنه...
د.أحمد خيري العمري
نشر في 05 كانون الأول 2017
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع