1156 مشاهدة
0
0
ما دام الموتُ هو " نقطة نهاية السطر " ، فلتكن حياتُنا سطراً نافعاً ، أو على الأقل بصمةً في جملة مفيدة
...وفي النهاية تذوبُ الأشياءُ و تختفي التفاصيلُ و يضيعُ كلُّ شيء في طاحونةِ الزمنِ التي لا تُبقي على شيء..في النهاية تخبو المشاعر .. و تنطفئ الشهوات .. و لا يبقى من الضحكات غيرُ صدى بعيد كأنه ذكرى غائمة لشيء لم يكن ..
في النهاية يذهبُ الجميع ..كأنهم لم يكونوا أصلاً .. كأن تلك الصداقات لم تكن ..كأن الصدقَ فيها لم يصمد ..كلُّ تلك الوعودِ بالبقاءِ و الوفاءِ ستترك طعماً مالحاً في الفم ..
في النهاية ..سيكون للصمت صوتا عاليا مدويا..
سيقول الصمت كلمته الفاصلة: لا شيء يدوم هنا..
كلُّ شيء مررنا به و امتلكناه ..أو تصورنا أننا امتلكناه ، سيذهب إلى حيث لا عودة ..
المشاعرُ ستغادر القلوب .. الذكرياتُ ستغادر الذاكرة .. الروحُ ستغادر نهايات الأعصاب .. و الحياةُ ستنسحب من الخلايا ..
كلُّ شيء سيغادر ..
والجلدُ الذي يغطي سلاميات الأصابع سيضعف بالتدريج .. ثم ما يلبث أن يسقط .. مع نهاية كلِّ شيء .. و اللحم الذي يغطيها كذلك ..
حتى عظام الأصابع .. ستزول بالتدريج ..تصير رميماً و من ثم تراباً ..
لكنْ ، شيءٌ ما ارتبط بتلك الأصابع .. سيبقى ..حتى بعد زوال الجلد و اللحم و العظام ..
شيءٌ ما ، سيكون أقوى من كل ذلك الزوال ..
*****************************
في هذا العالمِ المحكومِ بالزوال ، كلُّ ما يمكن لنا أن نتركه فيه هو بصماتنا عليه .. بعضُ الناسِ يأتون و يرحلون دون أن يتركوا شيئاً ، ولا حتى بصمة صغيرة ، و لا يمر ذلك و لو مروراً عابراً في أذهانهم .
بعضُ الناس يتركون بصمةً كدليلٍ لإجرامهم ..كدليلٍ على مشاركتهم في جعلِ العالم مكاناً أسوأ ..
و البعضُ الآخر يترك بصمةً على الآخرين ، على نفوسهم ، على رؤوسهم من أجل عالم أفضل ..
**************************************
ما دام الموتُ ينتظرُنا هناك ، في المحطةِ الأخيرة ، ولا فائدة من ركوبِ قطارٍ آخر ،لأن كلَّ القطاراتِ تنتهي هناك ، فلنحاول أن نستثمرَ رحلتَنا تلك ..
ما دامت معركةُ الموتِ خاسرة ، فلنحاول أن نكسبَ معركةَ الحياة ، لنحاول أن نقدمَ فيها ما يبقى لغيرنا ..
ما دام مصيرُنا إلى التراب ، فلتكن حياتُنا سماداً لحياةِ الآخرين وخلاصهم ..
ما دام الموتُ هو " نقطة نهاية السطر " ، فلتكن حياتُنا سطراً نافعاً ، أو على الأقل بصمةً في جملة مفيدة .. لمشروعِ حياة " ليست دنيا .. "
*****
من "القرآن لفجر آخر"
نشر في 29 كانون الأول 2017
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع