845 مشاهدة
0
2
مفردة " رمز" تعامل بتساهل كبير جدا، ولعل هذا منطقي ومتوقع أولا لأن استخدامها في السياق الحالي حديث نسبياً و ثانيا لأن السوشيال ميديا تشجع كل فرد أن يدلي بدلوه و يوزع الألقاب كما شاء
مفردة " رمز" تعامل بتساهل كبير جدا، ولعل هذا منطقي ومتوقع أولا لأن استخدامها في السياق الحالي حديث نسبيا، و ثانيا لأن السوشيال ميديا تشجع كل فرد أن يدلي بدلوه و يوزع الألقاب كما شاء ( خاصة أن المفردة قد تستخدم عند الهجوم فقط).الرمز ، مثل العلامة، في دلالته المباشرة يعني أنه سيعني شيئا يفهمه الجميع ويتعرفون عليه فور رؤيتهم له. إشارات المرور مثلا، هي رموز وعلامات مفهومة بالنسبة للجميع، كذلك العلامات التجارية الشهيرة، يمكن فهمها وفهم ما تبيعه بمجرد رؤية اللوغو الخاص بها.
مع الأشخاص الأمر أعقد حتما. وأقرب ما نستخدمه لمفردة الرمز هو الترجمة العربية لمصطلح pop culture icon - أيقونة الثقافة الشعبية أو الثقافة السائدة.
هذا المصطلح يطلق غربيا على شخصيات للمشاهير، ولكن ليس أي مشهور ، مهما كانت شهرته وانتشاره يطلق عليه " أيقونة ثقافة شعبية"، بل هناك مواصفات مميزة له تنقله من " نطاق الشهرة" إلى " منطقة التأثير في الثقافة الشعبية"...أول هذه المواصفات هي أن هذا الشخص قد عبر - بمجمل أعماله وأنشطته- عن التغييرات الاجتماعية في الحقبة التي عاش فيها، وقد يكون ساهم في هذه التغييرات ودفعها بطريقة أو بأخرى.
هناك مشاهير - نجوم في مجالات كثيرة لكن هذه الصفة لا تنطبق على أعمالهم، لأنهم لم يعبروا عن حالة اجتماعية أو عن تغيير مجتمعي، وكذلك لم يساهموا في شيء من هذا. قد تكون شهرتهم ونجاحهم المهني قد جلب لهم أموالا كثيرة جدا، لكن هذا لا يعني أنهم أيقونات ثقافة شعبية أو رموز.
بعض هؤلاء - الرموز/ الأيقونات- يقومون بتقديم شيء أو نموذج جديد يتم تقليده من قبل آخرين لاحقا، أي أنهم يؤسسون لظاهرة منتشرة كانوا هم أول روادها، قد يكون ذلك عبر عمل فني أو أدبي أو رياضي أو علمي أو صناعي أو أي مجال يتابعه الجمهور.
أيضا على نجاحهم هذا أن يكون مستداما لفترة طويلة بحيث أن أجيالا تمر وهي تتابعه أو تتأثر بنتاجه ( أي ان نجما نجحت أغنياته لسنة أو سنتين لا يمكن أن يكون أيقونة شعبية- إلا إذا كان قد مات ميتة خلدته في أذهان جمهوره مثل جيمس دين أو مارلين مونرو)، تأثيرهم يجب أن يتجاوز المجال الذي انتجوا من خلاله، بل يجب أن يكون معروفا حتى لغير المهتمين بهذا المجال، آينشتاين مثلا عالم فيزياء، لكن شهرته تتجاوز هذا بكثير، ستيف جوبز ( صناعي وعالم تقنيات) لكن قصته ملهمة شعبيا لقطاعات واسعة جدا. محمد علي كلاي، البيتلز، آرمسترونغ، ألفيس برسلي ، الأميرة ديانا، بروس لي، كلهم كانوا أيقونات شعبية لأن تأثيرهم تجاوز مجالات إبداعهم الأساسية.
عربيا يمكننا أن نتحدث عن بعض الأسماء التي تمتلك مثل هذه المواصفات. أم كلثوم مثلا كانت أيقونة بلا شك، نجيب محفوظ أيضا، ليس لشهرتهما، بل لأنهما عبرا عن تغييرات مجتمعية كبيرة، الشعراوي أيقونة شعبية كبيرة يعرفها حتى غير المهتمين بالدين، علي طنطاوي كذلك وإن كان تأثيره في بلاد الشام أكبر، أحلام مستغانمي معروفة حتى لمن لا يقرأ رواياتها، لأنها صارت تعبر عن حالة اجتماعية" سترونغ اندبندنت وومن"- حتى لو لم تدع إلى ذلك أصلا-، المسيري، علاء الأسواني، عمرو خالد، كلهم رموز أيضا بغض النظر عن قيمة نتاجهم ورأيي الشخصي في بعضهم: لكنهم رموز لأن نتاجهم عبر أولا عن التغيير، وربما أثر فيه، وكذلك لأن تأثيرهم تجاوز " مجالهم" إلى مجالات أخرى.
الأشخاص المعروفون للمهتمين بمجالهم لهم دور مهم جدا ولا يقلل هذا من شأنهم، لكنهم ببساطة ليسوا رموزا لأن تأثيرهم بقي ضمن مجال المهتمين، ولم يتحولوا إلى علامة يمكن تشخصيها وتشخيص ما تعنيه بمجرد رؤيتها، كما تفعل العلامات عادة.
نشر في 26 آب 2019