1255 مشاهدة
0
0
أولئك الصادقون الذي تنساب كلماتهم من القلب إلى اللسان مباشرة، هُم تقريبا أفشل الناس في علاقاتهم العاطفية.. هذا إذا نجحوا أساسا في تحويل الفرص التي تمنحهم إياها الحياة إلى علاقات
أولئك الصادقون الذي تنساب كلماتهم من القلب إلى اللسان مباشرة، هُم تقريبا أفشل الناس في علاقاتهم العاطفية.. هذا إذا نجحوا أساسا في تحويل الفرص التي تمنحهم إياها الحياة إلى علاقات..مردّ هذا الأمر باختصار هو أن الحب لا يقوم أبدا على صدق المشاعر وتدفّقها، بقدر المهارة في صرف وإدارة تلك المشاعر ..ولا يقوم على القرب بين العاشقين بقدر ما يقوم على فن إدارة المسافات بينهما.. وهذا يحتّم بالضرورة ألا يفعل الإنسان ما يود فعله.. وألّا يقول ما يشعر به فعلا.. وهنا لا نقول أن عليه أن يكذب! لكن يخفي ما يشعر به.. يؤجّله، يواري فيه.. والأهمّ ألا يتصرف بناء عليه..
لذلك إذا سألت أحد أولئك الطيبين.. متى عليك أن تهاتف المحبوب؟ فسيردّ بكل تلقائية وعفوية.. عندما أشتاق إليه.. يبدو الجواب منطقيا فعلا، فنحن نهاتف الناس عندما نشتاق إليهم.. وهذا ينفع مع الأب والأمّ.. لكنه لا ينفع في الحبّ.. في الحب هذه الإجابة خاطئة تماما!! أنت لا تهاتف محبوبك عندما تشتاق إليه.. مشاعرك هنا لا علاقة لها بالأمر.. أنت تهاتفه عندما تحسّ أنه اشتاق إليك.. وذلك ليلتقي الشوق مع الشوق.. ولا يكون ما تقدمه من طرف واحد فيبدو ثقيلا مجانيا لا يرغب به أحد..
الخدعة هنا أن أحدا لن يحبّك أحد لأنك تحبّه! ولن يهيم أحد في هواك لأنك رائع ومتواجد حين يحتاجك! أنت هنا تتصرف كأم متفانية، لكنك لست أمّاً! أنت محبوب!! والمحبوب لا يتصرف بناء على قانون البذل بل بناء على قانون الندرة.. وبحسب هذا القانون، فأنت تصبح محبوبا أكثر، عندما يدرك الشخص المقابل أنه مضطر لبذل جهود كبيرة للظفر بك.. وأن الكلام معك شيء لا يحدث كل يوم.. والجلوس معك غنيمة.. وضحكتك كنز نادر! وأنّه أي الشخص المقابل جزء من حياتك، وليس حياتك كلّها.. وأن الطريق إلى قلبك ممكن، لكنه لا ينتهي بين يوم وليلة.. وليس تحدّيا سهلا أبدا.. والفنّ هنا هو أن تدير كل هذا الحوار، بغض النظر عما تشعر به في داخلك..
لذلك، ما ينطبق على الاتصال ينطبق على كل شيء آخر.. أنت لا تحضر عندما تريد، بل عندما يكون حضورك منتظرا بشدة ولهفة.. وتغيب بلا سبب سوى إشعال الشوق.. وتطيل كلامك حين يسعك الطول.. وتقصر في غير ذلك.. ولا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع.. ونؤمن أن الفراغ جزء من جمال الوجود.. لا ينتظم إلا به.. وكما يدخل كعنصر في تصميم الملابس وتصميم البيوت وتصميم الحدائق، يدخل أيضا في تصميم الحب..
طبعا البعض منا، يمارس هذه الألاعيب اللطيفة بتلقائية شديدة وكأنّما ولد بها.. والبعض الآخر يستغرب فعلا لم عليه أن يفعل ذلك! ولماذا لا يكون الشيء مباشرا وصريحا!! ولماذا عليه أن يخفي ما يشعر به، ويدير الموضوع على أنّه عملية صيد!! والجواب بكل بساطة لأن الحب ما هو إِلَّا عملية صيد.. ويحتاج منا إلى كل تلك المهارات التي تلزم الصياد.. من تمويه وخداع وتنكر وصبر وكتمان لما في النفس من نوايا..
لذلك فهنالك فرق كبير بين من يدخل الغابة متسلحا بكل حيل الصياد، وبين من يدخلها وهو لا يحمل إلا براءته وصدقه ونواياه الطيبة.. فرق كبير بين من تسأله صديقته "اشتقت لي؟" فيردّ.. "أكيد اشتقت لك.. كل يوم بفكّر فيك.. كل لحظة وكل ساعة!" وبين من تسأله صديقته.. "اشتقت لي؟" فيردّ..
"أنا؟ ليش بدّي أشتاق لك يعني؟ شو في بيننا لا مؤاخذة؟ إنّه ليش بدّي أفكّر فيك يعني كل ما أصحى من النوم ولا طول ما أنا رايح عالشغل؟! ولا كل ما بدّي أسمع إسم زي اسمك أو أشم عطرك زي عطرك؟ لا طبعا.. ما في شي بيننا بستدعي هالمبالغة.. انت زيك زي أي حدا ثاني في حياتي.. ما بتخطري على بالي إلا كل وين ووين.. يا دوب كل ربع ساعة بتيجي على بالي مرة! ومش دايما حتى.. بس وأنا صاحي.. وأنا نايم لأ.. يعني مرات وأنا نايم.. مرّات.. مش دايما"
الأول أثبت حبّه بصدق وعفوية.. والثاني كذب ونفاه بمكر مضحك.. وهذه باختصار هي ألاعيب الحب..
#ديك_الجن
نشر في 20 تموز 2019
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع