1111 مشاهدة
0
0
تدخن أكثر مما ينبغي رفع الأستاذ (فؤاد) عينيّه إلى صاحب العبارة، وبدا له وجه صاحبها مألوفًا، وإن لم يذكر الأستاذ (فؤاد) أبدًا أنهما قد تحدثا من قبل، على الرغم من أنهما يستقلان معًا قطار السابعة كل صباح، من مدينتيهما (دمنهور) حيث يقيمان إلى (الإسكندرية)، مكان عملهما
أنت تدخن أكثر مما ينبغي ..رفع الأستاذ (فؤاد) عينيّه إلى صاحب العبارة، وبدا له وجه صاحبها مألوفًا، وإن لم يذكر الأستاذ (فؤاد) أبدًا أنهما قد تحدثا من قبل، على الرغم من أنهما يستقلان معًا قطار السابعة كل صباح، من مدينتيهما (دمنهور) حيث يقيمان إلى (الإسكندرية)، مكان عملهما.
وهذا النوع من المعرفة يطلع عليه اسم (صداقة القطار)..
تلك الصداقة التي تنشأ مع المشاركة في السفر والانتظار، وتربط بين عدد من المسافرين المزمنين، الذين شاء قدرهم أن يقيموا في مدن تختلف عن تلك التي يعملون فيها، فاضطروا للالتزام برحلة سفر يومية إجبارية، لا تنقذهم منها سوى أيام الإجازات الرسمية، والعرضية..
واحتراما لصداقة القطار هذه، وعلى الرغم من أن الأستاذ (فؤاد) يكره من يتدخلون في شئونه، فقد ابتسم في هدوء، وقال/
ـ ليس كثيرًا إلى هذا الحد.
جلس صاحب العبارة على المقعد المجاور للأستاذ (فؤاد)، وبادله ابتسامته، وهو يقول:
ـ بل هو كثير بالفعل .. صدقني .. أنا طبيب متخصص في أمراض الصدر، وأدرك جيدًا متاعب التدخين.
غمغم الأستاذ (فؤاد):
ـ إنها مجرد عادة، و ...
قاطعه الطبيب مبتسمًا:
ـ ولكنها تنهك صحتك وقواك، وتستهلك حتى أموالك .. قل لي: ألم تفكر في الإقلاع عن عادة التدخين هذه.
قال الأستاذ (فؤاد) وهو يطفئ سيجارته:
ـ لقد حاولت في الواقع أكثر من مرة، وفشلت.
مال الطبيب نحوه، قائلًا في اهتمام:
ـ لديّ وسيلة مضمونة.
أثار حماسة الأستاذ (فؤاد)، فسأله:
ـ ما هي؟
اندفع الطبيب يقول في حماسة:
ـ هل تعرف الكمون؟ .. كلنا نعرفه بالطبع .. احضر منه كمية كبيرة .. حوالي نصف الكيلو جرام، واطحنها تصبح مسحوقًا خشنًا .. هل تتابعني؟
أجابه الأستاذ (فؤاد) في اهتمام:
ـ نعم .. أكمل ..
أكمل الطبيب:
ـ وبعدها أحضر علبة سجائر، وافرغ ما بها من تبع، وأضف إلى تبغ السيجارة الأولى ربع محتوياتها كمونًا، وإلى الثانية النصف، وزد الكمية إلى ثلاثة أرباع المحتويات في الثالثة، واملأ الرابعة وما يليها بمسحوق الكمون الصافي، وابدأ بتدخين السيجارة الأولى في اليوم الأول، ثم الثانية في الثاني، وهكذا .. وفي اليوم الخامس لن تجد لديك ميلًا للتدخين.
ظلت هذه الوصفة تلج على رأس الأستاذ (فؤاد) طيلة عمله، وزاد إلحاحها عندها لهثت أنفاسه، وهو يصعد في درجات سلم منزله، في اليوم التالي، وتذكر رجاء زوجته وإلحاحها عليه ليحاول الامتناع عن التدخين، وراح يحسب كم ينفق على سجائره شهريًا ..
وفي المساء، استقر رأيه على تنفيذ الفكرة ..
وبكل الحماسة، ابتاع الأستاذ (فؤاد) نصف الكيلو جرام من الكمون، وراح يطحنه متبعًا النصيحة، ويضيف إلى السيجارة الأولى ربع حجمها كمونًا، وهكذا ..
وفي الصباح التالي، اتجه الأستاذ (فؤاد) إلى القطار، وعليه السجائر ذات التبغ المخلوط بالكمون في جيب قميصه..
وفي القطار بحث ببصره عن الطبيب، ولكنه لم يجده، فاتخذ مقعده، وانتظر حتى غادر القطار المحطة، ثم أخرج السيجارة الأولى، وأشعلها ..
وتصاعدت رائحة الكمون المحترق في عربة القطار ..
والتفتت العيون كلها إلى الأستاذ (فؤاد) ..
وحملت كل الاستنكار والغضب ..
وفي اليوم التالي، عندما التقى الأستاذ (فؤاد) بالطبيب، لم يتبادلا حرفًا واحدًا ..
كل الطبيب يبتسم في خبث ..
وكانت عين الأستاذ (فؤاد) اليسرى نصف مغلقة، تحيط بها كدمة زرقاء ..
ولقد نجحت الوصفة ..
وامتنع الأستاذ (فؤاد) عن التدخين ..
في القطار على الأقل .
______
(د. نبيل فاروق ـ كوكتيل 2000 ـ العدد رقم 9 ـ الزائر الغامض)
نشر في 30 حزيران 2016