1402 مشاهدة
0
1
ارتجف موظف الوزارة في شدة، واتسعت عيناه في رعب وذهول، وهو يحدق في وجه ذلك القصير الوقور، الذي نطق تلك الكلمة في هدوء ورصانة، ووقف ينتظر رد الفعل في اتزان، جعل الموظف يغمغم في انهيار: ـ أنت؟!
«أنا المسئول.. ».ارتجف موظف الوزارة في شدة، واتسعت عيناه في رعب وذهول، وهو يحدق في وجه ذلك القصير الوقور، الذي نطق تلك الكلمة في هدوء ورصانة، ووقف ينتظر رد الفعل في اتزان، جعل الموظف يغمغم في انهيار:
ـ أنت؟!
التقط القصير من جيبه بطاقة خاصة، ناولها للموظف، وهو يقول في هدوء:
ـ ها هي بطاقتي .. أنت تعلم أنه يستحيل تزويرها.. أليس كذلك؟
تمتم الموظف:
ـ بلى يا سيدي .. بلى.
استعاد القصير بطاقته، وهو يقول بنفس الهدوء والرصانة:
ـ حسنًا.. أنت تعلم القواعد.
هتف الموظف في ضراعة:
ـ الرحمة.
أجابه القصير في بساطة:
ـ الرحمة أن نفصل كل موظف عمومي، يتعامل مع الجمهور بعجرفة أو غطرسة، كما تفعل أنت.. إننا بهذا نرحم الأبرياء، الذين يتضرعون إليك منذ ساعة، لتنهي أوراقهم، وأنت تتعمد إذلالهم بلا مبرر .. إنك حتى قد فعلت هذا معي.
هتف الموظف منهارًا:
ـ لم أكن أعرفك.
أجابه القصير في هدوء:
ـ لا أحد يعرفني كما تعلم، فأنا تارة أتخذ هيئة كهل، وتارة أخرى هيئة شاب في عنفوان الصبا .. وأحيانًا هيئة رجل وأحيانًا هيئة امرأة، طويل أو قصير، بدين أو نحيل.. إنني أتخذ أية هيئة، ولكنني دائمًا (المسئول).
انهار الموظف في مقعده، وهو يعلم أنه ما من فائدة ..
(المسئول) لا يرحم أحدًا ..
إنه يفصل المخطئ بلا تردد ..
وليست لديه استثناءات ..
وهذا مصدر قوته ..
ومنذ ظهر ذلك المسئول، أصبحت كل الهيئات منتظمة رائعة ..
كل موظف يخشى أن يسيء إلى مواطن واحد، خشية أن يجده هو (المسئول).
حتى رجل الشرطة، يخشى الطغيان ..
يخشى المسئول ..
ولا أحد يدري من أي جاء هذا (المسئول) ..
ولا ما هي صفته الرسمية ..
كل ما يعمله الجميع هو أنه قد ظهر فجأة في المجتمع، بعد أن سادته الفوضى أو كادت، وراح يحطم كل مكامن الفوضى والاستهتار بلا رحمة ..
لم يعد هناك تاجر واحد يبيع بضائعه بأزيد من ثمنها.. لم تعد هناك سيارة تتخطى إشارات المرور ..
لم يعد هناك طالب يغش في الامتحانات ..
باختصار .. لم يعد هناك فساد ..
وجرت آلاف المحاولات لاغتياله، ولكن عبثًا، فلا أحد يعلم من هو؟ ولا ما هو؟
ولا أحد يعلم أين يقيم؟ وكيف يبدو؟..
وذات يوم، بعد أن ساد النظام تمامًا في المجتمع، وصار كل مخلوق فيه آمنًا مرتاح البال، واجتمع مجلس الوزراء على نحو طارئ، وتطلع رئيس الوزراء إلى وزرائه بنظرة تشف عن خطورة الموقف، قبل أن يقول:
ـ مات المسئول.
ارتسم الذهول على الوجوه، ومع لمسة ارتياح عامة، قبل أن يهتف أحد الوزراء:
ـ مات؟! .. مستحيل !
أجابه رئيس الوزراء في صرامة:
ـ نعم .. مات .. كل المخلوقات تموت.
هتف وزير آخر:
ـ وماذا نفعل الآن؟
أجابه رئيس الوزراء:
سنعقد مؤتمرًا صحفيًا، ونعلن عن موته.
هب وزير كبير قائلًا:
ـ خطأ يا سيادة الرئيس .. لو أعلنا عن موته، فستعود الفوضى لتدب في البلاد، وسينهار كل ما فعله طيلة عمره.
سأله رئيس الوزراء:
ـ وماذا تقترح؟
أجابه الوزير الكبير في حزم:
ـ سنخفي الخبر .. لا داعي لأن يعلم أي مخلوق بالأمر ..
فليبق الخوف من المسئول في نفوس الجميع، وكل ما علينا هو أن نعلن ـ من حين إلى آخر ـ خبر زائف عن فصله موظفًا ما، أو عزله لرجل شرطة، وستسير الأمور على خير ما يرام.
وقضى مجلس الوزراء نهاره كله يناقش هذا الاحتمال، وانتهى به القرار إلى إخفاء موت (المسئول) ..
وعاد الوزراء إلى منازلهم، وكل منهم يعلم أن (المسئول) قد مات ..
وكان عليهم كتمان السر العظيم ..
ولم يخبر أحدهم سوى زوجته، و ...
وعادت الفوضى إلى البلاد بعد شهر واحد ..
وما زال مجلس الوزراء يجتمع لدراسة سر عودة الفوضى، على الرغم من تصريحاته الدائمة بوجود (المسئول) ..
وما زال كل وزير يكتم السر..
(تمت)
________
(د. نبيل فاروق ـ كوكتيل 2000 ـ العدد رقم 1 ـ النبوءة)
نشر في 07 آذار 2017
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع