Facebook Pixel
رواية تيك توك (6) والأخير
1073 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

يبحث إيهاب عن الرسوم التي خبأها في خزانة ثيابه يلقي بها على الفراش يفرك عينيه ويتأهب لإلقاء نظرة نظرة قد تفتك به لكنها ضرورية

تيك توك .. الجزء السادس (الأخير)
***
رائحة السمك المقلي المحترق ما زالت ملتصقة بالشقة؟.. إذن هو الثلاثاء...
طيلة الليل ظل يتصل بها.. كلما مر نصف ساعة يعيد الاتصال فيأتي صوتها المذهول غير المصدّق تؤكد أنها بخير..
في النهاية قال لها اعترافًا بسيطًا :
ـ"حلمت أنك والعياذ بالله قد توفيت!"
ليست الحقيقة كلها لكنها أمينة بما يكفي.. نصف حقيقة لو شئنا الدقة، وقد راق لها هذا الاعتراف كثيرًا، وأراحها مؤقتًا.. إذن أنت قلق عليّ لهذا الحد؟
على كل حال لم تدم مكالماته لأن الإرهاق غلبه.. نام في الثالثة صباحًا بعد يوم مفعم بالانفعالات...
في النوم رآها تموت مرارًا بطرق شنيعة صعبة.. دعك من الديناصور الذي عاد للحياة وقضم رأسها، أو الطبق الطائر الذي تعطّل فهوى فوقها بالذات..
وعندما صحا من النوم واتصل بها كان الشعور المسيطر عليه هو أنها درّة.. درة حقيقية.. الفتاة التي تقبل من خطيبها كل هذا الخبال ولا تغضب أو تتخلى عنه، هي درة نادرة...
ذهب لدارها في ساعة مبكرة عالمًا أن الوقت لن يطول قبل أن يلقي به أخوها أو أبوها في الشارع باعتباره مجنونًا.. العاشرة صباحًا ليس وقت زيارة الخطيبة..
كان كل شيء هادئا والعالم الطيفي ليس أكثر ازدحامًا من المعتاد.. جلس في شقتها متظاهرًا بأنه لا يدرك كم هو ضيف غريب الأطوار سمج..
كانت بخير حال ولم تكن الدقات مسموعة.. وفجأة سمع الصوت..
تيك توك..
وبدأ الضوء الأخضر يتوهج منها...
ـ"هل أنت بخير؟"
هذه المرة قالت وهي تضع يدها على جبهتها وترتجف
ـ"ليس تمامًا.. أشعر بدوار كأن رأسي خفيف.. يبدو أنك بعيد النظر"
ثم بدأت حالتها تزداد سوءًا.. جاءت أمها تبسمل وحملتها للفراش، أما هو فجلس مرتبكًا لا يعرف ما يقول.. لقد قام بكل فحص ممكن أمس فلن يكرر هذا اليوم..
غادر البيت وقرر أن يتصل بها بعد ساعة.. جلس على أحد المقاهي يعدّ الدقائق ثم أعاد الاتصال.. جاء صوت (مي) الضاحك يعتذر :
ـ"فعلاً أنا بلهاء.. آسفة جدًا.. لقد استرددت عافيتي على الفور..."
في الأيام التالية زارها عدة مرات.. الغريب أنها كانت تتدهور عندما يلتقيان.. فعلاً ذبلت صحتها وبدت تحت عينيها هالات سوداء غريبة.. صوت تيك توك لم يكن ينقطع...
أما العبارة التي اعتاد سماعها فهي أنها تحسّنت نوعًا بعد انصرافه، ومن الغريب أن هذا صار ملحوظًا لدرجة أن حماته قالت ضاحكة :
ـ"يبدو أن الغرام يسقمها فعلاً عندما تأتي أنت!"ـ
هنا بدأ يفهم الحقيقة ببطء شديد.
جرّب أن ينقطع عن زيارتها ثلاثة أيام ففوجئ بأنها صارت في أفضل حال. ازداد وزنها وتورّد لونها. وعندما عاد انهارت حتى أنها ظلت في الفراش يومين..
الآن يفهم الحقيقة بوضوح.. (مي) مريضة جدًا ومهددة بالموت، وسبب مرضها هو (إيهاب) نفسه!
كان الأمر مذهلاً ولا يصدّق، لكنه كان قد قرأ الكثير في هذه الأمور.. ليس الأمر طبيًا لكنه حدث فعلاً من قبل، وثمة شواهد تاريخية عليه. لكل إنسان منا هالة خاصة تحيط به Aura .. هناك هالات سلبية تؤذي من حولك.. (مي) مصابة كما هو واضح بحساسية شديدة تجاه هالته هو، بنفس المنطق الذي يجعل أشخاصًا لا يطيقون رائحة عطر معين أو أكل المانجو. العالم (ليدبيتر) وصف هذا المرض بالتفصيل في القرن التاسع عشر، لكن بالطبع هناك من يعتقدون أنه نصّاب أو مخرّف.. ربما يفسّر هذا ما نشعر به أحيانًا من نفور شديد تجاه شخص بعينه بلا تفسير واضح.. الحقيقة أن هالته تؤذينا بشدة.. بالنسبة لإيهاب كانت الهالات شيئًا ماديًا حقيقيًا...
أما لماذا تأخّر الأمر كل هذا الوقت حتى يعلن عن نفسه فهذه من قواعد فرط التحسس. الفتاة تضع قرطًا ذهبيًا يظل في أذنها أعوامًا طويلة ثم تظهر الحساسية فتقول لك: مستحيل. لكن الحقيقة هي أن الحساسية كانت تبني نفسها وتتراكم في دمها.
كانت مي تموت ببطء بسببه، وقد بدأ جسدها يعلن عن هذا..
تيك توك..
تيك توك..
لقد كان واثقًا من تشخيصه.. وعندما اتصلت به (مي) عند الظهيرة لم يرد عليها..
اتصلت به يوم الأربعاء.. مساء الخميس.. لم يرد قط...
كانت حائرة لا تفهم ما يحدث، وفاتها أن تدرك أن صحتها تتحسن بلا شك في ذلك.. أما هو فقد أجاد لعبة الاختفاء. عرف كيف يختفي وقتًا كافيًا حتى تحولت دهشتهم وحيرتهم إلى غضب وكبرياء جريحين، وهكذا كفوا عن البحث عنه..
إنه وغد آخر...
هكذا يمكننا أن نفهم الأسباب التي جعلت (إيهاب) يستقل سيارته.. كالمجنون يطوي الطرقات طيًا وقد فتح الكاسيت إلى أعلى درجة له.. كان يرغب في أن يحدث له شيء.. كان يشتهي أن يحدث له شيء.. لا يدري متى ولا كيف اتجه إلى الريف..
يبدو أن الحظ قد ابتسم له، فقد انفجر إطار السيارة وتدحرجت لتسقط في الترعة..
تيك توك..
هذا الصوت ينبعث منه..
لا شك في هذا..
يشبه نبضات القلب العالية مع انسداد الأذن..
تيك توك. والضوء الأخضر يشع...
"الأب استطاع بمعجزة ما أن ينزل الزجاج وهكذا استطاع أن يفتح الباب ويطفو للسطح"
هذه المرة ستكون الأخيرة...
بعد دقيقة جاء فلاحون كثيرون وتعاونوا على إخراج الضحيتين.. لا.. الضحية..
لم يمت وإنما اقترب من ذلك كثيرًا..
وعندما أفاق وهو يرقد على العشب جوار الترعة، وعندما نهض وراح يهز رأسه المبلل ويسعل..عندها فقط أدرك أنه لا يرى أية أطياف.. لا ألوان.. لا أنابيب عملاقة ولا قردة تهبط من أعلى..
لقد صار إنسانا عاديًا...
فيما بعد عندما عاد لداره من المستشفى، قال لنفسه إن نقص الأكسجين عن الدماغ في المرة الأولى سبّب تغيرًا فسيولوجيًا معينًا، وقد زال هذا التغير مع نقص الأكسجين للمرة الثانية. برغم كل شيء هو سعيد لهذا التحول.. كان يصبو إلى أن يعود إنسانا عاديًا وأن يشعر أنه وحده وليس في حافلة مزدحمة (برغم أن هذا غير صحيح).. يريد ألا يشعر بقرب موت الآخرين.. لو كان قد فقد هذه الموهبة مبكرًا لكان قد استمر في علاقته بمي.. ولربما هلكت.. لكنه يرجح أن هذه الموهبة كانت هي سبب الهالة الغريبة المحيطة به والتي لم تتحملها الفتاة..
"نعم.. أنا سعيد.. لقد صرت شخصًا عاديًا ولست حاويًا في السيرك.."
ثم خطرت له فكرة: ماذا عن الرسوم التي كان يرسمها؟ هل ما زال منيعًا ضدها أم هي قادرة الآن على إيذائه؟ لن يعرف الجواب أبدًا إلا لو اطلع على تلك الرسوم من جديد..
للمرة الأولى منذ وفاة ذلك اللص، يبحث إيهاب عن الرسوم التي خبأها في خزانة ثيابه.. يلقي بها على الفراش.. يفرك عينيه ويتأهب لإلقاء نظرة.. نظرة قد تفتك به لكنها ضرورية..
تشجّع.. هيا.. واحد.. اثنان.. ثلاثة..
افتح عينيك !
***
تمت بحمد الله
بقلم : د. أحمد خالد توفيق
روايات مصريـة
نشر في 06 نيسان 2019
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع