Facebook Pixel
310 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

من الأمور المربكة والملغزة في حياتنا كمسلمين بل وكمسيحيين حتى في هذه المنطقة من العالم هو موضوع الحسد، والخوف من الحسد والوقاية من الحسد

لغز الحسد

من الأمور المربكة والملغزة في حياتنا كمسلمين - بل وكمسيحيين حتى في هذه المنطقة من العالم – هو موضوع الحسد، والخوف من الحسد والوقاية من الحسد..

هذا الإرباك يحدث نتيجة لتضارب عدة أمور حقيقة.. الأمر الأول أننا كأناس درسنا علوم تجريبية لا نفهم كيف يعمل الحسد.. بمعنى أننا درسنا الموجات الصوتية.. وأشعة الضوء والليزر وأشعة إكس وفوق الحمراء وتحت البنفسجية.. لكننا للآن.. لا نفهم كنه هذه الأشعة التي تخرج من عين الحاسد فتكسر فنجانا أو تعطل زواجا أو تصيب طفلا بمرض!؟
الأمر الثاني أن هذا الشك في آلية عمل الحسد.. الذي قد يكمن في صدورنا كإنكار للحسد أساسا.. يقابله نص قرآني واضح في سورة الفلق.. لا يأمرنا فقط بالإيمان بالحسد وأذى الحسد.. بل وبالاستعاذة منه أيضا! فهو إذا موجود ومؤذي وحقيقي!! وهذا ما يجعلنا نخافه وإن لم نكن مقتنعين به مائة بالمائة..

الأهم هنا.. أن موضوع الحيرة من الحسد بين التصديق والتكذيب، ليس ترفا فكريا أو اختلافا دينيا بسيطا يمكن تجاوزه.. بقدر ما هو أسئلة نطرحها على أنفسنا بشكل يومي.. هل أضع صورة أطفالي على مواقع التواصل أم سيصيبهم الناس بالعين ويمرضون؟ هل أخبر صديقتي العزباء أنني سأتزوج أم قد تحسدني وتعطل الأمر علي؟ هل أخبر أصدقائي وأقاربي أنني سأنتقل لشركة كبيرة أم أكتم الأمر خوفا من الحسد؟ من أجل ذلك.. ولحل هذا اللغز المحير.. رأيت أن نستعرض سويا قصة رجل دارت حياته كلها تقريبا حول الحسد.. بل كاد الحسد أن يكلفه حياته فعليا.. النبي يوسف عليه السلام.. فلنبدأ..

من المعروف أن قصة النبي يوسف عليه السلام بدأت بحلمه أن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر يسجدون له.. لكننا سنتجاوز هذه الجزئية الآن لنعود لها لاحقا.. ونبدأ قصته من عند إخوته.. "إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ" هذه الجملة حسد مكتمل الأركان.. حاسد ومحسود ونعمة يحسد عليها هي حب الأب.. السؤال الآن.. هل حسد إخوة يوسف له هنا – كشعور قلبي - بتمني زوال النعمة أدى إلى ضرر له؟ الجواب قطعا لا.. هذا الحسد لم يؤذ يوسف على الإطلاق.. نكمل..

"اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ" هنا تحول الحسد وتطور.. من مجرد شعور قلبي بتمنى زوال النعمة إلى تآمر حقيقي لنزع هذه النعمة غصبا عبر قتل صاحبها نفسه.. مرة أخرى.. هل هذا التآمر أدى إلى ضرر ليوسف؟ مرة أخرى لا.. لنكمل..

"فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ " هنا وصلنا إلى مرحلة الفعل المادي.. ألقوا يوسف فعليا في غيابة الجب (بئر الماء).. هنا يمكننا فعلا القول أنّ يوسف قد تعرض لشر وتضرر.. لم يتضرر من الحسد.. لم يتضرر من التآمر.. تضرر من الفعل المادي الذي غذّاه الحسد وكان دافعا له.. تضرر من الشر الذي نتج عن الحسد.. فالحاصل.. أن الحسد من حيث هو حسد.. أي مجرد شعور قلبي بتمني زوال النعمة هو شيء غير مضر.. لأنه مرة أخرى شعور قلبي.. لا يخرج من قلب صاحبه.. قد يدفعه للتآمر وإيذاء المحسود أذى ماديا ملموسا محسوسا.. لكنه من حيث كونه شعورا قلبيا فهو لا يضر!!

في ضوء ذلك.. لنقرأ مرة أخرى وبعيون جديدة الآية التي ترعبنا من الحسد.. "ومن شر حاسد إذا حسد" .. لاحظت شيئا؟ نعم.. الإستعاذة المطلوبة هنا ليست أبدا من الحسد.. بل من شر الحسد.. من الشر المادي الملموس الذي يقوم به الحاسد بدافع الحسد!! فإذن لا موجات ولا أشعة ولا أي شيء سحري يخرج من عين الحاسد.. هو فقط شعور قلبي.. قد يتطور إلى تآمر وكيد وأذى مادي.. وقد لا يتطور..

لترسيخ الفكرة.. لننظر إلى نبي ثاني تعرض للحسد أيضا.. محمد عليه السلام.. والنعمة التي حسد عليها هي النبوة.. "أألقي عليه الذكر من بيننا بل هو كذاب أشر".. مرة أخرى.. هل هذا الحسد للنبي عليه السلام تسبب في أذيته.. الجواب قطعا لا.. لكن الشر الناتج عن هذا الحسد هو الذي آذى النبي عليه السلام.. أخرج من مدينته.. حورب.. حاولوا قتله وتسميمه.. إلخ.. ومثل ذلك كثير.. ولو كان الحسد فعالا كما نظن.. لما احتاج المشركون واليهود لغيره..

وهنا قد يقول قائل.. كيف نوفق بين هذا الكلام وحديث النبي "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود".. نرد ونقول هذا صحيح.. وهو عين ما قاله يعقوب لابنه يوسف لما روى له الحلم.. "يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك" لم يقل.. لئلا يحسدوك.. بل كي لا يكيدوا لك.. كي لا يقوموا بفعل مادي يؤذيك.. وحديث الرسول يصب في نفس الخانة.. لو كان لديك حاجة تود قضاءها.. ((لم تقضها بعد)).. فاستعن بالكتمان.. لئلا يسمعك أحد حسادك فيكيد لك كيدا ماديا ويحرمك منها قبل أن تنالها.. وبكيده لا بنظراته.. وبفعل يده لا بأماني قلبه.. أما لو لم يكن في قلبك خوف من أذى حاسد.. فليس لك إلا أن تقول للحساد كما قال لهم الله "موتوا بغيظكم"..

أتمنى أن تكون فكرتي البسيطة قد توضحت.. والسلام ختام..

#أني_بما_أنا_شاك_منه_محسود
#بيحسدوني_عليك
#عين_الحسود_ما_بتعمل_شي
#ديك_الجن
كتابات ديك الجن
نشر في 10 تشرين الثاني 2017
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع