811 مشاهدة
0
0
بعد الزلازال الذي حصل في مصر وقعت خسائر وزهقت أرواح، وتركت زمامى للأقدار حتى انجلت الغمة، وسيجعل الله بعد عسر يسرا، من كتاب الحق المر للكاتب الغزالي
كتاب : الحق المر - تأليف : الشيخ محمد الغزاليالحلقة [415] : هل نفر من القدر؟
لم أشهد الزلزال الذى وقع فى مصر أخيرا، ولكنى رأيت آثاره وسمعت أخباره، فلم تعجبنى الروايات التى بلغتنى وأحسست أن نقصا كبيرا قد أصاب عقائدنا وأخلاقنا .
قالوا : هذا مدرس فى فصله ما إن شعر بالزلزال حتى كان أول اللائذين بالفرار! وهذا إمام فى مسجده رئى أول الخارجين منه حين اهتزت الأرض تحته!
قلت: ما هذه مسالك أهل الإيمان، إن الفزع لا يفقد الناس عقولهم ولا يقينهم!
كان يجب أن يبقى المدرس بين تلامذته يشرف على خروجهم فى صفوف عجلة ولكنها منتظمة، ويعلو صوته حينا بعد حين يحذر من فوضى الزحام وغلبة الهلع! أليس ذلك أجدى وأشرف من موت العشرات تحت الأقدام اللاهثة، ومرور الجبناء بنعالهم على جباه إخوانهم الواقعين؟
والإمام الذى هرب من المسجد أليس الأشراف له أن يبقى رابط الجأش نابض اليقين يوصى الصفوف بذكر الله ووحدة الأجل وغلبة القدر؟
إن غريزة النجاة معروفة لكن المؤمن يتحرك بعقل الواثق فى الله الراضى بقضائه فلا يهلع ولا يطيش. وقد مضت سنة الرجولة أن يكون الربان آخر من يغادر سفينته، إنه لن يتركها حتى يطمئن إلى نجاة الركاب أجمعين، وقديما قال "على بن أبى طالب " :
أى يومى من الموت أفر .. يوم لا يقدر؟ أو يوم قدر؟
يوم لا يقدر لا أحذره! .. ومن المقدور لا ينجو الحذر!
إن الأمة قد تدخل فى عراك مع أعدائها فتصاب فى البر والبحر والجو، فيجب أن نتماسك لا أن ننهار، وأن نتعلم الصبر على الآلام لا الضراعة أمامها والوجل منها. وعند وقوع النائبات تتحامل الأمة كلها على جراحاتها لا يبقى لغنى غناه ولا لفقير فقره.
وعلى المسئولين أن يواجهوا المأساة، فلا يترك أحد ينام فى العراء أو يبيت على الطوى، إن روح الجماعة تظهر فى هذه اللحظات، وتجعل القوى يحمل الضعيف والغنى يحنو على الفقير، وتملى على الحاكم أن يترك ديوانه ليتجول فى المدن والقرى باحثا عن خلل يسده، أو شارد يؤويه.
وقد تابعت آثار الحروب فى أوروبا فوجدت القوم أسرع الناس إفاقة من مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة كما جاء فى الحديث! إنهم يبنون ما تهدم بجلد وينتصرون على أوجاعهم برجولة، فإذا كنا لم نتعلم من ديننا فلنتعلم من غيرنا..
إننى خبير بالزلزال وفزعه لأنى عشت فى الجزائر بضع سنين، ومرت بى ليلة كئيبة تقلبت فى فراشى وأنا أحس كأن السقف يريد أن ينقضن وسمعت له صوتا حملنى على الوقوف، وما كدت أقف حتى دارت بى الأرض فعلمت أن هناك زلزالا،! وتحركت نحو باب الدار التى كانت خالية إلا منى وفتحته لأتعرف ما هنالك فسمعت ضجيجا عاليا ينبعث من كل ناحية..
ووقعت خسائر وزهقت أرواح، وتركت زمامى للأقدار حتى انجلت الغمة، وسيجعل الله بعد عسر يسرا.
----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالي
#الحق_المر ج4
نشر في 26 أيلول 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع