950 مشاهدة
0
0
بعض الأفراد، تكون لديهم قدرة مبكرة على رؤية نجاح كامن لفكرة في بدايتها، يلتقطون مبكراً كهارب الاحتياج داخل مجتمعهم وسياقهم لهذه الفكرة
بعض الأفراد، تكون لديهم قدرة مبكرة على رؤية نجاح كامن لفكرة في بدايتها... يلتقطون مبكرًا كهارب الاحتياج داخل مجتمعهم وسياقهم لهذه الفكرة، ويؤمنون مبكرًا وقبل أن ينتبه أحد إلى أن هذه الفكرة هي بالضبط ما يحتاجه المجتمع...من هؤلاء، في قصة يثرب، جندي شبه مجهول، لم نسمع به كثيرًا.. اسمه إياس بن معاذ...
حدث الأمر قبل الهجرة بخمس سنوات أو أكثر بقليل، ربما في السنة السابعة قبل حصار شعب أبي طالب...
كان الأوس والخزرج في يثرب لا يزالون على عدائهم المرير، وكانت كل قبيلة منهما تعد لحرب ضد الأخرى، وتبحث عن تحالفات لمعركة فاصلة..
جاء وفد الأوس إلى مكة لغرض التحالف مع قريش ضد الخزرج، فسمع الرسول عليه الصلاة والسلام بمجيئهم فذهب إليهم ليعرض عليهم الإسلام..
فَأَتَاهُمْ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: «هَلْ لَكُمْ إِلَى خَيْرٍ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ؟»
قَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟
قَالَ: «أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، بَعَثَنِي إِلَى الْعِبَادِ أَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ لَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ كِتَابٌ» ثُمَّ ذَكَرَ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ،
فَقَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ، وَكَانَ غُلَامًا حَدَثًا: أَيْ قَوْمِ، هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ"
إياس بن معاذ: غلام حدث.. رأى فيما قاله عليه الصلاة والسلام "خيرًا مما جاء له القوم"..
القوم كانوا في حالة حرب، وقد جاءوا من أجل التحالف مع قريش في حربهم ضد الخزرج..
لكنه رأى في كلام الرسول عليه الصلاة والسلام شيئًا أفضل من التحالف مع كبرى قبائل العرب.. رأى فيه قوة أكبر وأهم.. رأى فيه ما هو أهم من الحرب نفسها.. من فخر الانتصار على الخزرج أو عار الهزيمة أمامها...
رأى في كلام الرسول عليه الصلاة والسلام شيئًا مختلفًا جدًا عن كل شيء، شيء يكون بديلًا عن الحرب نفسها... رأى فيه الاحتياج الحقيقي للمجتمع الذي سيغنيه عن الاستمرار في مسلسل الحرب والثأر إلى ما لا نهاية.
خير مما جئتم له..
لكن رئيس الوفد، واسمه أبو الحيسر، انتهره ورمى التراب بوجهه وقال: دَعْنَا مِنْكَ فَلَعَمْرِي لَقَدْ جِئْنَا لِغَيْرِ هَذَا
فصمت إياس، وقام عنهم الرسول عليه الصلاة والسلام...
ثم وقعت المعركة التي كانوا يعدون لها، يوم بعاث (قبل خمس سنوات من الهجرة).. ومات فيها إياس بن معاذ... ولا يشك قومه أنه مات مسلمًا لأنه لم ينقطع عن التكبير والتسبيح والتهليل والحمد أثناء موته..
لقد التقط الإسلام من تلك الجلسة..
وقرر أنه أفضل من الحلف مع قريش بالنسبة ليثرب..
ثم ذهب ووضع البذرة التي التقطها في يثرب.. ومات...
مات كما يموت آلاف الموهوبين المبدعين، أصحاب الرؤى، في حروب عبثية...
من " السيرة مستمرة"
نشر في 11 أيلول 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع