884 مشاهدة
0
0
كم تبدو ذكرى 8 /8/ 1988 اليوم محزنة بالنسبة لكل العراقيين، خاصة للذين عاصرو الذكرى في ليلتها الأولى
كم تبدو ذكرى 8 /8/ 1988 اليوم محزنة بالنسبة لكل العراقيين..خاصة بالنسبة لأولئك الذين عاصروا الذكرى في ليلتها الأولى..يوم أعلن المذيع (مقداد مراد؟) عن وقف إطلاق النار بعد 8 سنوات من كابوس الحرب الإيرانية..
كانت فرحة الناس عارمة وتلقائية وأزعم أنهم ربما هتفوا فعلا يومها بحياة صدام ..على الأقل كانت التظاهرة التي خرجت يومها عفوية فعلا..الناس الذين تدفقوا لساحة الاحتفالات (بعد منتصف الليل) كانوا فرحين فعلا ولم يخرجوا بإيعاز من منظمة حزبية ولم تأت بهم حافلات..كانوا فرحين بما اعتبرناه يومها "نصرا"..."مجرد أن تنتهي الحرب" كان يومها نصرا...
في الأيام التالية ، وفي كل ذكرى لاحقة عبر السنوات لهذا اليوم ، انتشرت ظاهرة رش الماء على السيارات المارة في الشوارع..صار هذا تقليدا من تقاليد ذكرى "النصر"...كما لو كنا نريد أن نغسل بالماء ذكريات الحرب وسنواتها العجاف ، كما لو أننا كنا نريد أن نغسل وجوه أمهات الشهداء والمفقودين..كما لو أننا كنا نريد أن نبرد قلوبنا من ضيم السنوات الثمان..
تخلي العراقيون يومها عن حزنهم المزمن ، تفاءلوا بالمستقبل ، توهموا أنهم يرون النور في نهاية النفق..
لم يكونوا يعلمون ، أن هذا النور ليس سوى ضوء القطار الذي سيمر عليهم..
****************
أما أخوكم في الله فهو ينام مبكرا دوما مثل والده ، وربما والده مثل جده..الأمر يدور في العائلة على ما يبدو.
لذا فقد كنت نائما عندما أعلنت نهاية الحرب..فاتتني اللحظة التاريخية ( ما كان "معقد" انتروفرت مثلي سيخرج للشارع ويرش الماء بكل الأحوال) ولم توقظني إطلاقات النار الفرحة (كعادة العراقيين في الفرح والحزن) ولا الألعاب النارية..بل أن أحد اصدقائي قد اتصل يومها بعد منتصف الليل وهو في شدة انفعاله ، وصدم يوم قالت له أمي أني نائم..وصدم أكثر يوم لاحظ أنها لم تهب لإيقاظي!
استيقظت في اليوم التالي وأنا لا أعرف شيئا مما حدث ، لا فيس ولا وتس ولا إيميل أيامها..وذهبت كالمعتاد باكرا إلى معهد قيادة السيارات حيث كنت أتدرب وأنا على وشك الحصول على رخصتي الأولى..لاحظت أن الشوارع فارغة أكثر من المعتاد ولكن هذا خير وبركة بالنسبة لمن يتدرب على السياقة..لاحظت أيضا أن باب المعهد مغلق فأخذت أدق الباب بشدة..
أطل علي شخص منزعج من شقة مجاورة وهو يفرك بعينيه : اليوم أعلنوها عطلة رسمية..
سألت بما بدا أنه بلاهة منقطعة النظير : ليش ؟
رد بذهول وكأنه أنا حاليا عندما أتلقى بعض الأسئلة على الفيس : لأن الحرب خلصت !
****************
تخرجت شقيقتي من كلية الطب في نفس السنة...قبل إعلان نهاية الحرب بشهر أو شيء كهذا..
تفاءلت هي وتفاءل كل زملائها...
أن تنتهي الحرب ، يعني أن لا يذهب الشبان للجبهة بعد أن ينتهي تدريبهم الطبي ، يعني أن ترجع البعثات والإيفادات للخريجين..يعني أنهم سيعودون بعد سنوات وهم يحملون التخصصات من بريطانيا وأمريكا...
لم تكد تنتهي فترة تدريبهم في المستشفيات ، حتى أدخل صدام العراق في حرب مع العالم أجمع...بحيث ستبدو حرب إيران نعمة بالمقارنة..
أسالها أحيانا عنهم ، عن زملائها خريجي كلية طب بغداد سنة 1988 ، أين حل الدهر بفلان ..وأين حلت فلانة؟
لقد تفرقوا جميعا في القارات ، كما تفرقنا نحن ايضا..
وأنا ، كنت قد تخرجت ذات السنة من الثانوية العامة..من كلية بغداد ..لا أعرف أي أحد من دفعة 1988 وقد بقي في بغداد..الرجاء ممن يعرف احدا ممن بقي أن يبلغني بذلك..
لقد دهسنا القطار ، وفرقنا شذر مذر..
*****
.....
نشر في 08 آب 2018