Facebook Pixel
من تجارب المربين
1390 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

من كتاب الجانب العاطفي من الإسلام للكاتب محمد الغزالي عن تجارب المربين المنة لله وحده، لا تنخدع عن حقيقتك، اعرف حقوق سيدك

كتاب : الجانب العاطفي من الإسلام - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 24 ] من تجارب المربين (6 من 7) : (المنة لله وحده – لا تنخدع عن حقيقتك – اعرف حقوق سيدك )

• المنة لله وحده:

قال ابن عطاء الله : " من أكرمك إنما اكرم فيك جميل ستره، فالحمد لمن سترك، ليس الحمد لمن كرمك وشكرك ".

أقول : الله ولى النعمة، وأهل الثناء أولا وآخرا، ظاهرا وباطنا. قد تكون ذكى العقل بادى المواهب يثنى عليك الناس لما امتزت به من فكر ثاقب وعمل بارز. فمن الذى صاغ معدنك وأنت جنين على هذا النحو المرموق؟.

إن المعدن الذى يصاغ منه الإنسان هو الذى يحدد رزقه وأجله، فإن كان معدنا هشا كان سريع الكسر، وإن كان معدنا رديئا كان رخيص القيمة.

من الذى خلق العباقرة ممتازين من طفولتهم؟ هو الله!! (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم ).

فإذا رأيت الناس يعلون من قدرك، فالحمد لمن أنشأك جديرا بالرفعة.
وكم يخطئ المرء؟ وكم يقع منه ما لو عرف به لخدش مقداره وسقط شعاره؟.

أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوح
فإذا المستور منا بين ثوبيه فضوح.

لكن الله يصبر ويبقيك بين الناس كأن لم يبدر منك شىء ويظل لك ما تحب من كرامة ومنزلة.
فلمن الحمد؟ لمن يثنى عليك بلسانه؟ أم لله الذى أنعم أولا وستر أخرا؟.

• لا تنخدع عن حقيقتك:

قال ابن عطاء الله : " الناس يمدحونك لما يظنونه فيك، فكن أنت ذاما لنفسك لما تعلمه منها ".

أقول : هل أغش نفسى لأن الله سترنى فانطلقت ألسنة الناس تمدحنى؟ ما يفعل هذا عاقل.

واجب أن يكون موقفى من نفسى ثابتا، أفتش عن عيوبها لأنقيها منها وأستحضر باستمرار ما بها من أخطاء كى أصوبها، وما فيها من نقائص كى أكملها.

فإذا قال الناس: هو كامل، فلا أنخدع بمقالتهم عن حقيقة ما أعرف من نفسى "فأجهل الناس من ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس ".

والعجب أن ناسا يكذبون ثم يصدقون هم أنفسهم ما اختلقوه على الناس، كما روى عن "أشعب" أن الأطفال تبعوه يوما بزياطهم، فأراد أن يصرفهم عنه فزعم لهم أن عرسا بمكان كذا توزع فيه الحلوى!! فلما جروا إلى العرس المزعوم تبعهم أشعب هو الآخر يجرى!!

لقد صدق الأكذوبة التى ألفها...

إن ذلك مثل من يسمع المدائح فيه فيصدقها، وهو يدرى من باطن أمره أنه غير ما قيل فيه.

كان الرجل من الصالحين إذا مدح قال: " اللهم اغفر لى ما لا يعلمون، ولا تؤاخذنى بما يقولون، واجعلنى فوق ما يظنون ".

وهذا دعاء من ينصف نفسه ويخشى ربه.

• اعرف حقوق سيدك:

قال ابن عطاء الله : " تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه! تحقق بذلك يمدك بعزه، تحقق بعجزك يمدك بقدرته، تحقق بضعفك يمدك بحوله وقوته ".

أقول : ماذا تكون عليه العلاقات بين المخلوق والخالق والمرزوق والرازق، والمخطئ المعثار، والتواب الغفور، والبائس الفقير والمنعم الكريم؟

إن الصورة الوحيدة المعقولة أن يعترف الأدنى بالأعلى اعترافا ماديا ومعنويا يظهر فى النفس وعلى الجوارح!!!

خصوصا إذا كانت هذه العلاقات ممتدة لا انقطاع لها، فقد يظن ظان أن الصلة بين العبد وربه يمكن أن تشبه الصلة بين الولد وأبويه، يحتاج الطفل إليهما صغيرا، فإذا كبر استغنى، وربما دفعه استغناؤه إلى العقوق، وجحد ما مضى!!

كلا، إن حاجة العبد إلى الله خالدة. أمسى من حاجة الرضيع إلى أمه، مهما تراخت الأيام وأمسى فى حاجة النبت إلى الشعاع والماء كى يزدهر وينمو (قل من يكلؤكم بالليل و النهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون).

وربما توهم العبد أنه يزل ثم يستطيع الفرار من تبعات زلله، عند ذى منعة هنا أو هناك، لا، ليس فى الكون من تتحصن به أو يدخلك فى جواره، أو يبسط عليك منعته: الملجأ أوهى من الهارب (أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم و لا هم منا يصحبون).

إن فقر البشر إلى الله شديد، وما يستمتعون به من سمع وبصر وأفئدة مواهب معارة منه. لو يشاء استردها فى أية لحظة، ووقف أعتى العتاة صفر اليدين لا يجد الهباء، بل تلفظه كل ذرة فى الأرض والسماء (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون).

العبادة الصحيحة أن تقوم بين يدى الله وأنت أنت وهو هو .. أنت أنت بحقيقتك العارية من غير دعوى ولا تزيد ، وهو هو بذاته القدس من غير انتقاص ولا إفك .. أنت أنت بحقيقتك التى يتمثل فيها الافتقار والنقص ، وهو هو بحقيقته التى ينبغى لها كل تنزيه وتمجيد.

ولكن النفس الإنسانية قد تلجأ إلى الخداع والتمويه، فترى الإنسان يؤثر الكبرياء على التواضع ويزعم أنه مستغن بنفسه عن عناية السماء، ويحاول إيهام الآخرين أنه ـ من ذاته لا من مصدر آخر ـ قد نشأ وتمول وساد.

ويوغل فى ادعائه فيرفض كل نصح يذكره بأنه أحد عبيد الله المنتشرين على ظهر هذه الغبراء، يتعرضون للسراء والضراء فتنة وتمحيصا، لا فضلا وتخصيصا...

إنه فى نظر نفسه ليس ثمرة المن الإلهى، إنه ابن نفسه فما لديه ثبت له لأنه حقه!! (ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى).

لماذا تكون الحسنى لك إذا رجعت إليه وقد كنت به كفورا؟ إنه شعور غبى، إنه يظن نفسه هى التى سودته فى الدنيا، وستسوده كذلك فى الأخرى، لأنه أهل السيادة ورثها كابرا عن كابر.

أجل هو عريق النسب ـ ولو كان ابن الصعاليك ـ فهكذا يتصور الأغرار الأمور، وهكذا تفسد النفس فتفسد أحكامها على كل شىء...

والله عز وجل يمقت من عباده أولئك الصنف الذين يعمون عن أنفسهم وعن ربهم.

لقد خلق الناس ليعرفوه ويحمدوه لا ليجهلوه ويجحدوه. فإذا شردت الأمم عن الجادة صب عليها سوط عذابه لتعترف بعبوديتها وتثوب إلى رشدها. قال تعالى: (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا).

فإذا أبت إلا المضى فى غوايتها ولم تعتبر مما مسها أمضى فيها عقوبته كاملة ورفض أن يذيقها رحمة: (ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون * ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون * حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون).

إن الله يقترب برحمته ممن يقفون عند منازلهم الإنسانية ويوقرون ربهم سرا وعلانية.
اعترف فى ساحته بعجزك يمنحك القوة . اعترف فى ساحته بذلك ينضر وجهك بالكرامة.

إبرأ من حولك وطولك إلى حوله وطوله يهبك سلطانا فى الأرض ويكفل لك التوفيق والنصر والنجاح: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم).

والناس ـ فى العصر المغتر ـ زاهدون فى السماء عاكفون على الأرض، واثقون من عالم الشهادة ساخرون من عالم الغيب، مؤمنون بأنفسهم قليلو الاكتراث بربهم الذى خلقهم لغاية أشرف مما يألفون.

وهم محرمون حقا من أمداد الفضل الإلهى ما بقوا على هذا الزيغ، بل هم معرضون حتما لنكال فى أعقاب نكال، وحرب فى أعقاب حرب.

(ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد).

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى
#الجانب_العاطفي_من_الإسلام
كلمة حرة
نشر في 18 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع