Facebook Pixel
رواية اجتماع
969 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

لم أدر لماذا اجتمع هؤلاء الناس هذه المرة! في حياتي كلها، لم أرهم يجتمعون معا على أمر واحد

لم أدر لماذا اجتمع هؤلاء الناس هذه المرة!
في حياتي كلها، لم أرهم يجتمعون معا على أمر واحد..

زوجتي، التي أذاقتني العذاب والمرار طيلة حياتي..
وعمتي الجشعة، التي لم تتصل بي يوما إلا من أجل المال..
وعمي، الذي استولى على أرض والدي، منذ كنا أطفالا ولم يمنحنا منها قرشا واحدا طيلة عمرنا..
وحماتي، تلك العقربة الحيزبون التي لم يكن لها من هم سوى إفساد حياتي، ولعب دور الشيطان الذي يوسوس لزوجتي، بكل ما يمكن أن ينغص علىَّ أيامي..

الأربعة كرهتهم طيلة عمري..
وهم أيضا كرهوا بعضهم بعضا..
ومن العجيب أن يجتمعوا اليوم، حول مائدة واحدة..

ولكن من هذا الخامس؟!
لم أره في حياتي يوما..
أهو صديق حماتي؟!
أم محامي عمي؟!
لست أدري..

ولكن لماذا التساؤل؟! إنهم لم يشعروا بعد بوجودي، ويمكنني أن أستمع إلى أحاديثهم، وأطلع على نواياهم..
إنها فرصة نادرة بحق..

“إنه يخفي نقوده في مكان ما حتما”.
قالتها حماتي في غل واضح، وهي تعقد حاجبيها، لتصبح أكثر شبها بالشيطان، فهزَّ عمي رأسه، وقال في غلظة:
– لن يقل المبلغ عن خمسة ملايين جنيه.
مطت عمتي شفتيها، وقالت في ازدراء وكأنها توَّزعه على الجميع بعدل:
– إنه بخيل شحيح طيلة عمره.
علَّقت زوجتي في ازدراء ورثته عن أمها:
– هل ستخبرينني؟!

يا لها من جاحدة كذوب!
أنا لست بخيلا، ولم أكن يوما من البخلاء..
لقد ربحت الكثير، وأنفقت الكثير أيضا..
ولكن هذه المرأة لا تشبع أبدا..

إذا ابتعت لها ثوبا طلبت خمسة، وإذا ما اشتريت شقة في مدينة صيفية طالبت بفيلا، وهكذا..
وكوني أربح الكثير، لا يعني أن أهدر المال على هذا النحو..
ثم أنني لم أبخل عليها يوما!
وعلبة مجوهراتها تشهد بهذا..
أطقم من الذهب..
عقود وأساور من الماس..
حلي من اللؤلؤ الطبيعي..
زمرد..
ياقوت..
مرجان..

هل ينبغي الآن أن أقلَّد “علي بابا”، وأهتف: “رحمتك يا رب”؟!
أنها امرأة شرسة، لا تشبع أبدا..
“السؤال هو: كيف أخفي مبلغا كهذا؟! وأين؟!”.
نطق عمي العبارة، بعد أن تنحنح وبصق في منديله الحريري، ثم مسح شفتيه بنفس المنديل، مضيفا:
– لقد راجعت كل حساباته في البنوك، ومجموع ما فيها لا يتجاوز عشرة آلاف جنيه.

غمغم ذلك الخامس، وهو يرص أوراقا عجيبة على المائدة:
– سنعرف بعد قليل.
تساءلت عمتي، في خفوت حذر قلق:
– أأنت واثق من امتلاكه لخمسة ملايين جنيه على الأقل؟

أجابها في غلظة حادة:
– تمام الثقة.. لقد باع كل ممتلكاته، وهي تساوي ما يفوق هذا.
هتفت حماتي في غضب، موجهة حديثها إلى ابنتها:
– أرأيتِ أيتها الحمقاء؟! ألف مرة طلبت منك أن تجبريه على كتابة بعض ممتلكاته باسمك.
أجابتها زوجتي، في غضب مماثل:
– وألف مرة أخبرتك أن أحدا لا يستطيع إجباره.

صاحت بها، وقد ازداد غضبها اشتعالا:
– الزوجة لا تعجز أبدا.. قليل من الدلال، كان يمكن أن…
قاطعتها زوجتي في حدة:
– ولا حتى الكثير منه.

دلال؟!
ومن زوجتي؟!
إنني، ومنذ نكبني الله بالزواج منها، لم أر لمحة واحدة من الدلال..
كل ما رأيته هو صلف، وغرور، وغطرسة، وتعالٍ..
ولولا أن ديانتنا لا تبيح الطلاق، لما بقيت زوجا لها أسبوعا واحدا..
حتى في شهر العسل، لم نتبادل سوى القليل من الحديث..

وأوّل شجار بيننا، حدث بعد زواجنا بأسبوع واحد..
أرادت أن تسافر إلى أوروبا، وأخبرتها أنني قد بدأت مشروعا جديدا، وأحتاج إلى كل قرش، فثارت ثائرتها..
وعبر لسانها، الذي تمنيت دوما قطعه، نعتتني بأفظع الألفاظ، ورمتني بأسوأ أنواع السباب..
ووصفتني، كما ظلت تصفني دوما، بأنني بخيل..

وعقب الشجار مباشرة، أجرت اتصالا بالحيزبون الكبيرة، التي استقلت الطائرة وهبطت علينا في شرم الشيخ كنيزك مدمّر، وواصلت حفل الردح، حتى كدت ألقي نفسي من شرفة الفندق..
وسافرنا إلى أوروبا..
ولم يتم مشروعي بالطبع..

فكل قرش ادّخرته ضاع في مشتروات الهانم، التي سافرت بحقيبتي سفر وعادت بست حقائب..
حتى الحقائب أصرَّت على شرائها من أغلى الأصناف..
ومنذ ذلك الحين، تعلمت أن أخفي عنها دخلي..
وزادت هي من عصبيتها وصلفها..

ولكن مشكلتي كانت أن والدها الذي لا يهش ولا ينش، كان يعمل في وظيفة كبيرة في البنك المركزي، ويمكنه الاطلاع على حساباتي في البنوك..
ولهذا كانت الخزانة السرية ضرورة..

ولكن حتى هذه، يمكن أن يكشفوا موضعها، ببعض البحث والجهد..
وهم لن يدخروا وسعا لهذا..
ولكن المفاجأة قد تصيبهم بالشلل..
وكم سيمتعني أن يصابوا كلهم به!
فالخزانة السرية، ليس بها قرش واحد..
ومهما فعلوا، لن يعلموا أبدا أين ذهبت النقود التي حصلت عليها من بيع ممتلكاتي..
من المستحيل أن يعلموا..

كدت أنفجر ضحكا، وأنا أتصوّرهم يعثرون على الخزانة ويفرحون، ثم يجدونها خالية، وأنا لم أدخر وسعا لكي أصيبهم بهذا..
اللوحة التي تخفي الخزانة، تركتها غير ثابتة..
وقفل الخزانة، جعلته بلا أرقام سرية..
يكفي أن تجذب مقبضها، فتفتح في يسر وسهولة..
ثم تأتي المفاجأة..
ويا له من موقف!

“سأعثر على تلك النقود، حتى ولو هدمت جدران هذا البيت، جدارا بعد آخر”.
قالها عمي في غلظة وحدة، فعادت عمتي تتساءل:
– أيمكن أن يكون قد أنفقها؟!
هتف عمي:
– فيم؟!
قالت زوجتي في قلق:
– في شراء عقار مثلا.

بدا وكأن الجواب قد صدمه قليلا، قبل أن يغمغم في توتر:
– حتى العقار له ثمن.
تنحنح ذلك الخامس، وقال محاولا السيطرة على ضيقه:
– لماذا العجلة؟! لماذا لا تنتظرون حضوره؟!
تساءلت حماتي في قلق:
– أأنت واثق من حضوره؟!
تردَّد لحظة، ثم أجاب في حزم:
– إلى حد كبير.

بدا القلق والشك على وجوههم جميعا، قبل أن تتساءل زوجتي في حذر:
– وهل تعتقد أنه سيخبرنا بمكان النقود؟!
أجابها في حزم صارم:
– لن يمكنه أن يكذب.

آه.. أنا أعرف هذا الأسلوب جيدا..
هذا الرجل محامٍ، يحاول إقناع موكّليه بأن قضاياه لا تخسر أبدا..
كل المحامين يفعلون هذا..
حتى ولو كانوا واثقين من أن قضاياهم خاسرة حتما..

ففي كل الأحوال، في المكسب أو الخسارة سيحصلون على أجرهم..
“ولكننا اتفقنا على النسبة.. أليس كذلك؟!”.
يا للمحامين! دوما من الطماعين..
“خمسة في المائة، كما اتفقنا..”.
أجابه عمي بغلظته المعهودة، فهزَّ رأسه وقال في خفوت، يقطر بالطمع والجشع والنهم:
– خمسة في المائة من مبلغ كهذا، هو مقابل معقول جدا.

قالت حماتي في صرامة:
– المهم أن يخبرنا.
أجابها بكل الثقة:
– سيكون مضطرا إلى هذا.
مضطر؟! ماذا يدبرون لي بالضبط؟!
ولماذا هو واثق هكذا من أنني سأحضر اجتماعهم؟!
إنني أرفض حتى أن أجلس معهم، على مائدة واحدة..
ثم أين يتوقعون أن أجلس؟!

إنهم بمقاعدهم الخمسة، يحيطون بالمائدة الصغيرة المستديرة تماما!
وما داموا لم يشعروا بعد بوجودي، فسأخذلهم وأحطم ثقة هذا المحامي المغرور وأنصرف..
خفتت الأضواء فجأة، إلا من مصباح صغير، وسمعت ذلك المحامي يقول:
– فلتتشابك أيدينا.
لم أفهم ما يفعلونه وقرَّرت أن أسارع بالانصراف، ولكن ذلك المحامي بدأ في ترديد كلمات عجيبة، وهم يشبكون أيديهم بعضهم ببعض..

وعلى الرغم من رغبتي العارمة في الانصراف، وجدت نفسي أنجذب إلى اجتماعهم، كما لو أن هناك قوة عجيبة تجبرني على هذا..
ولأوَّل مرة، أفهم ما يقوله هذا الرجل:
– احضري يا روح المرحوم تادرس وجيه.
لماذا يجبرني على الانضمام إليهم، بعد أن تحررَّت أخيرا منهم ومن همومهم؟!
لقد سعدت بالموت؛ لأنه أبعدني عنهم، وها هو ذا يجبرني على الانضمام إليهم مرة أخرى..

وعلى الرغم مني، حلَّقت روحي فوق منتصف تلك المائدة المستديرة، وسمعت ذلك الرجل، الذي كشفت أنه ليس محاميا، ولكنه واحد من مستحضري الأرواح، يسأل في عمق عجيب:
– أين أخفيت نقودك يا تادرس؟
أغاظني أن يجبرني على البوح بالسر، ويفسد عليّ متعة انتظار فتحهم للخزانة، وحاولت ألا أبوح به، ولكن القوة نفسها جعلتني أجيب:
– لم أخف أي نقود.

وانتظرت لحظة، ثم أضفت في شماتة، بدت لدى خروجها مني حديثا عاديا بسيطا:
– لقد تبرّعت بها كلها للجمعيات الخيرية، حتى لا تحصل زوجتي على جنيه واحد بعد موتي.
سمعت صرخة عالية، أفسدت ذلك الاجتماع دفعة واحدة، وحررَّتني لأنطلق مبتعدا عنهم..
ولكن بهجتي بالانتصار لم تفسد..

فتلك الصرخة أطلقتها حماتي، التي ما أن علمت بضياع كل شيء، حتى حققت ما كنت أنشده منذ البداية..
أصابها الشلل..
كم هو عظيم عالم الموتى!
روايات مصريـة
نشر في 22 تموز 2019
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع