Facebook Pixel
كل ما يطلبه الأطباء عسير ومرهق
1025 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

كل شيء يطلبه الأطباء عسير ومرهق، وأنا أقول هذا لأنني طبيب، لم أجرب قط صعوبة الأمور التي أطلبها من المرضى ببساطة وسلاسة

كل شيء يطلبه الأطباء عسير ومرهق، وأنا أقول هذا لأنني طبيب، لم أجرب قط صعوبة الأمور التي أطلبها من المرضى ببساطة وسلاسة. مثلاً كم من مرة طلبت من مريض أن يقلع عن التدخين، أو يكف عن القلق، أو يجري تحليلاً مخبرياً معيناً، أو يقوم بتركيب قسطرة بولية. عندما أصير أنا المريض أكتشف أن هذه الطلبات
عسيرة وشبه مستحيلة. أرغمت مؤخراً على قضاء فترة في العناية الفائقة بأحد المستشفيات، وكان طلب
الأطباء واضحاً:
ـ «استرخ! نم»

هكذا رقدت في الفراش مفتوح العينين أحاول النوم، لكن هذا مستحيل. كان هناك شخص يئن في مكان ما عاجزاً عن التنفس، وكلما أصغيت له شعرت أنا نفسي بأنني أختنق. أخيراً داعب النوم جفني، وبدأ ذلك الخدر اللذيذ يسري في كياني. لم أعد هنا، صرت هناك. فجأة شعرت بيد عنيفة تهزني مراراً، هل هي يد الموت؟ هل الموت يهز ضحاياه لحظة النهاية؟ فتحت عيني لأجد ممرضة قوية البنية تهزني بقوة:
ـ «لقد وصف لك الطبيب قرصاً منوماً
هكذا ابتلعت القرص وأغمضت عيني من جديد.
هنا شعرت بمصاص دماء يغرس أنيابه في ذراعي ويمتص دمي بنهم، فتحت عيني مذعوراً، لأجد ممرضة عصبية تغرس محقناً في ذراعي وتقول:
ـ «طلب منا الطبيب هذه العينة»
ولماذا يجب أن تؤخذ وأنا نائم؟ لا أعرف عينة تؤخذ والمريض نائم سوى عينة تشخيص مرض الفيل. على كل حال بدأ القرص المنوم يعمل وثقل جفناي فعلاً، هنا شعرت بمن يهزني بقوة:
ـ«جرعة دواء الفجر. خذها ونم»
ابتلعت الدواء شاكراً وعدت للنوم، عندما سمعت من يصرخ منادياً باسمي بقوة، فتحت عيني بصعوبة لأجد ممرضة تدس كبسولة بين شفتي:
ـ «هذا هو الدواء المنوم، سوف تحظى بنوم هادئ»
قلت لها وأنا ابتلع القرص:
ـ «لكني كنت أحظى بنوم هادئ فعلاً»
قالت بلهجة عملية شأن من لا وقت لديه لهذا السخف:
ـ «هذه هي تعليماتي. إذا لم ترد أخذ هذا القرص فالرجاء أن تخبر الطبيب بذلك».
بدأت أغمض عيني ثانية، وهنا رأيت من وراء الستار أن الشمس قد أشرقت، وأن العالم كله قد استيقظ، وبدأت أسمع أصوات الجلبة بالخارج، أغمضت عيني لأسمع من يهتف:
ـ «يا لك من كسول!، كل هذا النوم ولم تشبع بعد!».
كان هناك حشد من أصدقائي جاءوا ليحيوني. رحت أشكرهم وأتبادل الحديث معهم، ومن حين لآخر يسقط رأسي وأبدأ في الغطيط، في النهاية عرفت أنهم انسحبوا دامعين واحداً تلو الآخر، وقال بعضهم لبعضهم في الخارج:
ـ«إنه مريض ومنهك جداً، لا يستطيع استكمال جملة واحدة، واضح أن هذه هي المرة الأخيرة»
وسمع من لم يسمعوا هذا الخبر فجاءوا لوداعي، وهكذا رحت أغمض عيني لربع ثانية، فقط كي أفتحهما لدى قدوم زوار جدد. وعند العصر قلت الحركة نوعاً فأغمضت عيني، هنا شعرت بمن يهزني بقوة:
ـ «موعد الدواء المنوم!»
عندما جاء المساء أغمضت عيني، وهنا سمعت من يضحك:
ـ «إذن أنت نائم والكل قلق عليك».
كان هذا هو الطبيب المعالج، وقد جاء ليطمئن علي. وبعد رحيله دست الممرضة بعض الأقراص في فمي، وجاءت أخرى تغرس المحقن في ذراعي، ثم جاء عامل النظافة ليمسح المكان.
عند الفجر جمعت حاجياتي وارتديت ثيابي، وطلبت من يأتي ليقلني إلى البيت، سألتني الممرضة في جزع عن وجهتي، فقلت لها: البيت، البيت. قالت محتجة إن حالتك خطيرة، فقلت لها إن ما أفعله هو السبيل الوحيد لأنقذ حياتي، بقائي هنا هو نهايتي. نعم، أعترف أن مهنة الطبيب صعبة، لكن أصعب منها بمراحل مهنة المريض، إنها تضعك تحت طائلة الموت بالمعنى الحرفي للكلمة.
روايات مصريـة
نشر في 11 آذار 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع