Facebook Pixel
عن طب الأعشاب الذي دمر بيوتنا
998 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

أطالب بتسجيل مرض جديد اكتشفه العبد لله وأطلق عليه اسم (فيلوفوبيا)، ومعناه كما هو واضح (النفور من العلم) أو (كراهية العلم) هذا الداء متوطن في العالم العربي بالذات

أطالب بتسجيل مرض جديد اكتشفه العبد لله وأطلق عليه اسم (فيلوفوبيا)، ومعناه كما هو واضح (النفور من العلم) أو (كراهية العلم).. هذا الداء متوطن في العالم العربي بالذات؛ إذ يبدو أن العقل العربي بينه وبين المنطق العلمي علاقة من الكراهية المتبادلة. وأوضح نموذج لذلك هو ذلك الفتى الذي يقف جوار كل مسجد تقريبًا، وقد نثر على الأرض ملاءة عليها عدة أكياس تحوي أشياء لا تعرف هل هي عيون مقلوعة أم صراصير مجذومة، وقد كتب بخط واضح بطاقة تحت كل كيس (للبواسير).. (لارتفاع الضغط).. (للعجز الجنسي).. أما لماذا يقف جوار المسجد فإجابته سهلة .. ليوحي بأن نشاطه ذو طابع ديني، وأن من يعترض عليه علماني عدم المؤاخذة. أما كيف يعالج كل هذه الأمراض فهي دعوى قديمة قدم شربة الحاج (بيومي).. أتذكر مشهدًا كوميديًا في فيلم لسمير غانم، إذ دخل إلى حانة فطلب من الساقي كأس كونياك .. صب له الساقي من برميل على المنضدة كأسًا .. طيب كاس نبيت .. فتح الساقي نفس الصنبور وصب له كأسًا .. هنا يدخل الحانة صبي يحمل (وابور جاز) ويقول للساقي: أمي بتقولك املا لنا الوابور ده .. هكذا يمد الساقي يده ليفتح الصنبور ويملأ الوابور امام نظرات سمير غانم المذهولة !..

الغريب أن هذه الأشياء الغامضة الملفوفة في أكياس تباع كالكعك الساخن .. لا أحد يعرف ما هي ولا اسم المادة الفعالة فيها .. لكنها تباع..

ليست الأعشاب لعبة .. هناك في كل مرجع صيدلة باب اسمه (السموم النباتية).. فطر (أمانيتا فلويدس) يسبب فشلاً حادًا للكبد .. أي أن المريض يموت بغيبوبة كبدية خلال ساعات أو أيام .. كنا نقرأ عن مرض انسداد أوردة الكبد veno-occlusive disease ونحسبه بعيدًا عنا، ثم تبين أن (الجعضيض) و(الرجلة) تؤدي هذا الدور بنجاح تام .. أليست هذه نباتات .. وبالتالي طبيعية ومفيدة ؟.. سيقولون لك إن كل دواء جاء من اصل نباتي .. خذ عندك الأتروبين والديجيتالا والأسبيرين و... نعم .. لكنها أدوية جربت وعرف تركيبها ولم تخرج إلى التسويق إلا بعد حرب علمية بالمعنى الدقيق للكلمة.

ذكرت شبكة BBC التالي عن انتشار العلاج بالأعشاب الصينية في بريطانيا: "تتمحور المشاكل حول عقاقير وأدوية تتضمن مادة اريستولوتشيا، وهي مادة عشبية سمية تؤثر بدرجة رئيسية على الكلى ، كما يشتبه في كونها مادة مسببة للسرطان أيضا، كما كشفت الوكالة البريطانية وجود مواد سمية ثقيلة مثل الزئبق والزرنيخ في عدد من الوصفات العشبية، ويعترف رئيس الجمعية الأوروبية لممارسي طب الأعشاب مايكل ماكنتاير بأن هذا القطاع لا يخضع إلى أي رقابة او تنظيم، حتى وإن كان ذاتيا، ويقول إن بإمكان أي شخص الادعاء بأنه يفقه في طب الأعشاب. ويعرف عن العلاج بالأعشاب أنه لا يخضع لنفس الرقابة والاختبارات الصارمة التي تخضع لها المنتجات الصيدلانية الخارجة من المختبرات العلمية "

والقصة دائمًا هكذا: رجل ذكي – ليس طبيبًا بالضرورة – يتبنى طب الأعشاب .. يفتتح لنفسه مركزًا ويتخذ سمت الرجل الورع الذي جاء (ليوقف كل واحد عند حده)... له صلات خليجية قوية وله علاقات بأكثر من شركة أدوية عملاقة .. وهو عالي الصوت ضخم الجثة مستعد في أية لحظة ليخرس معارضيه ويتهمهم بالكفر لو لزم الأمر .. وفي النهاية لا يجرؤ المريض على الاعتراف بأن طب الأعشاب خذله .. يا فندم أكيد إحنا إللي ما بنعرفش نعيا ..

تأمل ما يقوله أحد هؤلاء المعالجين عن نفسه على شبكة الإنترنت : " السكري : يعالج بتركيبة مكونة من 30 نوعًا من الأعشاب ومدة العلاج 11 يوما. الضغط : تركيبة مكونة من 3 أنواع من الأعشاب ومدة العلاج أسبوع واحد. الصداع النصفي : نوع واحد من الأعشاب ومدة العلاج أسبوع واحد. الشلل النصفي : بفضل الله تعالى أستطيع أن أعالجه خلال ساعتين فقط بعمل نخبة من أعشاب توضع على المكان المشلول. كذلك الإيدز خلال مدة 6 أشهر، وعلاج حامل المرض في حوالي 4 أشهر. أما السرطان المرض الخبيث فهناك عشب ينمو اسمه الخبيث، إذ فالخبيث للخبيث، لمدة 91 يوم لسرطان الدم، 21 يوم لسرطان الرئة والمثانة، و10 اشهر لسرطان العظام..."

شوف الدقة يا أخي !...واحد وتسعون يومًا لسرطان الدم .. ليست تسعين يومًا لأننا لا نلعب هنا .. الإيدز يعالج خلال ستة أشهر .. الشلل النصفي خلال ساعتين .. إذن لا تخف يا أخي عندما تصاب بالفالج من الغيظ وأنت تقرأ هذا الكلام .. فعلاجك موجود ولا يستغرق إلا ساعتين ..

نحن لا نعرف كم من مليارات حققتها الشركات من الترويج لمنتجاتها التي تعيد تعبئة حبة البركة والثوم (ولماذا لا يستعملهما المرضى مباشرة دون تعبئة؟) كبديل عن الطب المجرب الموثق علميًا، مع إضفاء هالة شبه دينية على الأمر تهدد باتهامك بالكفر لو اعترضت.. ربما كان الثوم رائعًا .. بالفعل هو كذلك .. ولكن الأمور ليست لعبة .. لابد من مرور الدواء بمراحل شاقة (أربعة أطوار) قبل أن يقال إنه فعال. لكن الوضع الحالي هو أن كل من يسكن في بيت ريفي لديه في أرضه نبتة سحرية لا يعرف اسمها ولا خواصها .. لكنه مؤمن بأنها تشفي القلب أو السكري أو السرطان لو قام بغليها وشرب النقيع مرتين يوميًا.

المهم أن تهرب من قبضة العلم الصارمة .. المهم ألا تجرب الدواء العلمي الدقيق الذي تم اختباره .. يظل يغلي ورق النبق ويشربه (أصله طبيعي مش كيماوي) ليعالج مرض السكري، برغم أن دواء السكري معروف ورخيص الثمن نسبيًا .. يظل يفعل هذا إلى أن يموت ..

هذه النزعة – الفيلوفوبيا - تتبدى في كل شيء .. هناك دواء اشتهر في علاج التهاب الكبد (سي).. انقسم الأطباء بصدده إلى فسطاطين على رأي الشيخ ابن لادن .. من يرى أنه كلام فارغ ومن يرى أنه رائع .. إذا أجريت تجاربك وبرهنت على أنه كلام فارغ وجدت من يلكزك ويغمز بعينه: إنه دواء رائع لكن شركات الأدوية العملاقة عابرة القارات يهمها أن يفشل كي تروج لعقار (الإنترفيرون) باهظ الثمن .. طيب يا جماعة مش جايز هو فشل لأنه عقار فاشل ؟.. عندها يضحكون ولسان حالهم يقول: رب اغفر له فإنه لا يعلم..

أما عن الأساليب البديلة لعلاج الفيروس سي فحدث بلا حرج .. رأيت تجربة علاج هذا الداء بالحمام .. الطريقة التي سببت ارتفاع أسعار الحمام في مصر كلها .. ثم ترى التجربة فتجد أن الرجل يضغط على الحمامة ضغطًا مدروسًا الغرض منه إزهاق روحها وهي تتعذب .. يتم تشريح الحمامة فتجدها ممزقة الأحشاء مهشمة الأضلع كأن قطارًا مر فوقها .. لكنهم يؤكدون في ثقة إن سبب موتها هو امتصاصها للفيروس .. عيادات الأوزون وعيادات الأشعة فوق الحمراء وتحت البنفسجية كومت الملايين من الجنيهات .. دعك من أولئك الذين يضعون المرضى تحت هرم .. وتفتح فمك لتتكلم فيخرسونك بورقة علمية صربية أو كرواتية تؤكد أن الأوزون رائع .. ومن قال إن الصربيين ليسوا نصابين ؟

لكن هل فيروس سي له وجود أصلاً ؟..قرأت ذات مرة للأستاذ أحمد رجب في عموده الفهامة مقالاً ينقل فيها كلمات من وصفه بأنه (صاحب نظرية المناعة العربية) – الله تعالى أعلم بمعنى هذا - والذي يلقي قنبلته: "الفيروس سي لا وجود له .. بل هو خرافة أطلقتها الشركات الأمريكية لتروج لمنتجاتها !". يا سلام !... بعد اكتشاف فيروس التهاب الكبد سي بنحو خمسة عشر عامًا ومعرفة كل شيء عن تركيبه الجزيئي، وبعد ما عقد ألف مؤتمر – بلا مبالغة - تناقش كل شاردة وواردة عن الفيروس وابتكار لقاح له وأفضل طرق علاجه، وبعد ما كرس علماء مصريون أجلاء بينهم أسماء ليست أقل من عبد الرحمن الزيادي وياسين عبد الغفار وحلمي أباظة حياتهم من أجله، يلقي علينا الدكتور بقنبلته المدوية: لا يوجد فيروس سي بل هي مؤامرة أمريكية قذرة.. طيب نصدق الذين يؤمنون بأن الحمام والأعشاب تقتل الفيروس سي أم نصدق الذين يؤمنون أنه لا يوجد فيروس أصلاً ؟

المشكلة أن من يشكك اليوم في الفيروس سي هو كمن يشكك في وجود الأفيال !.. تخيل أن يأتي اليوم من يقول: الأفيال لا وجود لها يا جماعة بل هي خدعة قذرة ابتكرتها حدائق الحيوان !.. بالضبط نفس وزن الفضيحة والخبال والإصرار على الخطأ .. وهذا الطراز من المقولات لا يجد طريقه أبدًا إلى المجلات الطبية ، ولكن يجد طريقه إلى الصحافة غير المتخصصة لأسباب واضحة، وأنا ألقي باللوم كله على هذا الطراز مما يطلقون عليه (طب المصاطب) حيث لا تجريب ولا توثيق ولا دراسات إحصائية ولا شيء .. مجرد كلام يلقى على عواهنه من عقول أغشتها أبخرة نظريات المؤامرة، والرغبة في الشهرة بأي شكل.

تذكرت طبيبًا آخر أفردت له جريدة الشعب صفحة كاملة منذ أعوام ليلقي بقنبلته: لا يوجد مرض إيدز ... أمريكا هي التي اخترعت هذا الوهم لتساعد على نشر الشذوذ الجنسي !.. وتأمل معي المنطق المختل برغم أننا نزعم أننا العرب سادة المنطق: أمريكا تريد ترويج الشذوذ الجنسي لهذا لفقت مرضًا وأعلنت أنه ينتقل بالشذوذ الجنسي !.. والكارثة أنه يشغل منصبًا مهمًا في مكافحة الأمراض المعدية بوزارة الصحة !

قبل هذا بأعوام زعم أستاذ شهير أنه ذهب إلى كينشاسا شهرين فقط اكتشف خلالهما علاج الإيدز ثم عاد !.. في تلك الفترة تبناه كتاب كثيرون.. بعد أعوام رأينا صورة هذا الطبيب في الصحف العالمية الفرنسية، ليس لتمجيده ولكن كنموذج لأدعياء الطب في العالم الثالث، وقد كتب إبراهيم سعدة مقالاً كاملاً عن هذه الفضيحة.. إنها الفيلوفوبيا يا سادة ..

في بعض الوصفات الطبية الشائعة تجد طريقة فعالة لعلاج العقم عند الرجال عن طريق تجفيف ذكر الذئب، وابتلاع مقدار حبة منه يوميًا !.. هل هذا طب ؟.. إنها من وصفات الأطباء السحرة البدائيين، وعلاج الجزء بجزء مثله أسلوب معروف في ممارسات السحر منذ القدم .. أي أن هذه الوصفة لا تمت للدين بل تمت لحقبة (السحر كدين).. لكن هناك من لا يقبلون عن هذا الكلام بديلاً..

لقد ظل الناس يؤمنون بما قاله أرسطو قرونًا عديدة: عدد أسنان المرأة أقل من عدد أسنان الرجل . هكذا أصدر فتواه وهو جالس على مصطبته الإغريقية، ولم يكلف خاطره بأن ينادي الولية من المطبخ ليعد أسنانها .. وظل الناس يتناقلون هذه المعلومة إلى أن جاء رجل وقح اسمه فيساليوس وعد أسنان الرجل وأسنان المرأة وألقى قنبلته: العدد واحد في الجنسين .. المذهل أننا ما زلنا نعيش جو أرسطو ونقاوم كي نظل فيه ..

والنتيجة واضحة الآن .. بوسع أي جندي أمريكي أن يجلس مسترخيًا أمام جهاز وفي يده علبة الكولا .. وربما يصغي لموسيقا الروك كذلك ..يضغط زرًا فتزول مدينة عربية عن الخارطة بكل من فيها من عباقرة يصرون على غلي أوراق النبق لعلاج السكر بدلاً من ابتلاع قرصين من (الجليبكلازيد)...

د. أحمد خالد توفيق
روايات مصريـة
نشر في 15 آذار 2019
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع