Facebook Pixel
حتى لايطير الببغاء!
1637 مشاهدة
6
0
Whatsapp
Facebook Share

عندما دخلت محل الطيور فى ذلك اليوم لم يخطر ببالى أبداً أن مجرد هدية قد تقلب حياتى رأساً على عقب

عندما دخلت محل الطيور فى ذلك اليوم لم يخطر ببالى أبدا أن مجرد هدية قد تقلب حياتى رأسا على عقب .
***
كان أعز أصدقائى (عزت) قد تزوج منذ أسبوع مضى .. وقررت زيارته فى ذلك اليوم .. ورأيت أنه ليس من اللائق زيارة شقته لأول مرة خالى اليدين ، لذا فكرت فى شراء هدية مناسبة للعروسين .
كنت فى حيرة شديدة .. ماذا أشترى ؟ دستة جاتوة .. علبة شيكولاتة .. ساعة حائط .. زهرية .. لوحة فنية .. اثنين كيلو برتقال !
فى النهاية استقر رأيى على عصافير مغردة .. تغرد للعروسين كل صباح ..
ودخلت محل الطيور ، وتجولت فيه كثيرا حتى انتهى بى المطاف عند الببغاوات .. لم تعجبنى العصافير المغردة بقدر الببغاوات .. لذا غيرت رأيى وقررت شراء ببغاء .
ظللت أبحث عن ببغاء مميز فى الشكل من بين الكثير المعروض أمامى .. حتى سمعت من يقول لى :
ـ صباح الخير .
تلفت حولى وأنا أرد التحية :
ـ صباح النور .
بحثت عن الرجل الذى ألقى علىّ التحية .. لم أجد أحدا بالقرب منى .. صاحب المحل بعيدا جدا عن مرمى بصرى .. والزبائن الآخرين مشغولين فى انتقاء الطيور .. لا أحد ينظر لى .. من إذن صاحب الصوت ؟ أين اختفى ؟
ـ صباح الخير يا أستاذ .
كان الصوت واضحا جدا هذه المرة .. وعرفت مصدره على الفور .. كان ببغاء !
ببغاء متوسط الحجم جميل الشكل .. ذو ألوان براقة .. نظر لى بعينيه الواسعتين وقال :
ـ صباح الخير .. صباح الخير .. صباح الخير يا أستاذ .
كعادة الببغاوات يكررون كلامهم .. ابتسمت له وقلت :
ـ صباح النور .
فوجئت به يقول :
ـ اشترينى .. اشترينى .
ضحكت من جملته .. تُرى من الذى علّمه هذه الجملة ؟ لابد أنه صاحب المحل !
من المعروف أن الببغاء يستطيع تقليد صوت البشر لكنه لا يعى ما يقوله .. فقط يكرر ما يسمعه .. دون فهم .. لذا أظن أن صاحب المحل علُمه هاتين الجملتين ليقنع الزبائن بشرائه .
عاد يكرر كلمته :
ـ اشترينى .. اشترينى .. اشترينى .
قلت لا شعوريا :
ـ حاضر يا عم .
و رحت أداعبه ، وأتحسس ريشه الملون .. ثم استدعيت صاحب المحل لأتم عملية الشراء .
أعتقد أنه سيكون هدية رائعة للعروسين !
خرجت من المحل وأنا أحمله داخل قفصه .. أنظر إليه فأشعر أنه يحمل فى عينيه نظرة امتنان لى .. أو ربما أنا أتخيل ذلك .. فوجئت به يقول :
ـ شكرا .. شكرا .
هل هذا معقول ؟ بالتأكيد لا يعنيها .. هو فقط يكرر كلمة سمعها فى وقت ما .. لا يعنى ذلك أنه يشكرنى فعلا .. فالببغاء لا يفهم ما يقوله .. هو فقط يسمع و يكرر ما سمعه !
أو هذا ما أظنه !
***
فرح صديقى (عزت) كثيرا بالببغاء أما زوجته (نهلة) لم يبد عليها أى نوع من الحماس .. بل شعرت أنها تضايقت من رؤيته .. ولا أستبعد احتمال أن تتخلص منه فى أقرب فرصة دون علم زوجها وستخترع ألف إجابة إذا سألها زوجها عن سر اختفائه .
لماذا تضايقت منه ؟ ربما لأنها لا تريد سماع صوت غير صوت زوجها .. أو ربما لأنها لا تريد صوتا يعلو فوق صوتها !
و ربما خشيت أن يكرر ورائها ما تتلفظ به .. و يحفظ سبابها ! و يردده لها طوال الوقت !
هى فى النهاية امرأة حتى لو كانت عروسة جديدة .. وهذا يعنى أن لديها حصيلة جيدة من السباب .. ربما لم تستخدمها بعد .. ولكنها تدخرها للوقت المناسب .. وهذا الوقت لم يأت بعد .. على الأقل ستنتظر حتى انتهاء شهر العسل .
ربما كانت تتمنى أن أشترى لهما أداة من أدوات المطبخ أو أى شىء مفيد للشقة والأعمال المنزلية .
على أى حال .. لقد قمت بالواجب وزرت صديقى العزيز وأهديته هدية أراها قيمة .. لا يهمنى آراء الآخرين و خاصة زوجته .
بعد أيام اتصلت بصديقى (عزت) .. أطمئن عليه وعلى الببغاء أيضا .. أخبرنى أنه :
ـ جميل جدا يا (سامى) .. لكنه صامت .
ـ كيف ؟
ـ صامت طوال الوقت .
ـ منذ متى ؟
ـ منذ أحضرته .
ـ غير معقول !
ـ أنا أخبرك الحقيقة يا صديقى .. أنا لا أقلل من شأن هديتك .. بالعكس أراها أفضل هدية وصلتنى منذ زواجى .. وأراه طائر جميل جدا .. أداعبه طوال الوقت .. لكنه للأسف لا يتكلم !
ـ كيف هذا ؟ لقد نطق ببعض كلمات أمامى قبل شرائه !
ـ ماذا قال ؟
ـ قال (صباح الخير) و (اشترينى) .
ـ قال لك (اشترينى) ؟!! هاهاها .. وهل أخبرك بالسعر ؟
ـ لا تسخر منى .. هذا ما حدث فعلا .. أنا لا أكذب .
ـ وأنا أيضا لا أكذب .. طائرك الجميل أخرس .
***
بعد أسابيع قمت بزيارة أخرى لصديقى .. تلك الزيارة التى لا يمكن أن أنساها أبدا بسبب ما حدث خلالها .
ليتنى ما زرته فى ذلك اليوم ..
كانت الساعة الرابعة عصرا عندما دققت الجرس .. فتح صديقى الباب واستقبلنى جيدا ..
ـ كيف حالك يا (عزت) ؟ و كيف حال الزواج معك ؟
ـ الحمد لله .. كيف حالك أنت يا (سامى) ؟ و متى نفرح بك ؟
تنهدت وقلت :
ـ عندما أجد الفتاة المناسبة .
بعد قليل من الدردشة بخصوص زواجى واختيار شريكة الحياة المناسبة واقتراح بعض الأسماء علىّ من فتيات عائلته وزميلات عمله قال لى :
ـ هاه .. نسيت .. ماذا تشرب ؟
ونهض من مكانه فسألته ساخرا :
ـ هل ستحضر المشروب بنفسك ؟ ما الذى حدث لك يا (سى السيد) ؟
ضحك وقال :
ـ مازلت (سى السيد) طبعا .. أنا رجل البيت هنا .. ولكنها ليست موجودة الآن .. هى فى زيارة لأمها .
ضحكت قائلا :
ـ ليست موجودة هنا الآن .. أهاه .. ولهذا تصيح بكل قوة : أنا (سى السيد) طبعا .
لكمنى بقبضة ناعمة على كتفى .. للمزاح فقط .. وقال :
ـ هاه .. ماذا تشرب ؟
ـ أخبرنى أولا أين الببغاء .. هل تكلم ؟
قال بإحباط :
ـ لا .. مازال كما هو .. فى وضع (صامت) .
ثم تابع قائلا بسخرية :
ـ هل يمكنك أن تجعله فى وضع (عام) ؟
و كأنه يتحدث عن هاتف محمول .. لا ببغاء .. جاريته فى الحديث قائلا :
ـ ربما كانت الشبكة مشغولة .. هل فكرت فى إعادة شحن البطارية ؟
ضحك صديقى بقوة ثم أشار إلى أحد الأبواب ، وقال :
ـ ستجده عندك فى الشرفة .
دخلت الشرفة .. كان الببغاء يقف حزينا فى قفصه .. رآنى فشعرت أنه فرح لرؤيتى .. انتظرت أن يقول كلمة .. لم يقل .. هل أصبح صامتا حقا ؟
قلت له محاولا تقليد صوته كما سمعته أول مرة :
ـ صباح الخير يا أستاذ .
مرت لحظات .. لم يقل أحدنا خلالها حرفا ففكرت أن أعيد الجملة على مسامعه .. ربما نسى الكلام ..
ـ صباح الخيــ ..
قاطعنى الببغاء قائلا :
ـ (ليه يا زمان ما سبتناش أبريا)
يبدو أن الببغاء حفظ الجملة من مقدمة مسلسل (ليالى الحلمية) .. لابد أن صديقى يتابعه هذه الأيام .. والمسلسل يُعاد أكثر من مرة وعلى أكثر من قناة .. وحتى لو كان صديقى يشاهد الحلقة مرة واحدة .. فالمقدمة نفسها تتكرر مع كل حلقة .. ولابد أن الببغاء سمعها وحفظها .. وربما كان صديقى يدندن بالمقدمة أمامه كثيرا .
ـ (ليه يا زمان ما سبتناش أبريا)
المهم أن الببغاء يتكلم .. إنه سليم تماما .. فى وضع (عام) !
انتظرت قدوم صديقى لأخبره بما قاله الببغاء .. وأبشّره بأنه يتكلم ويغنى أيضا .. لكن ..
قال الببغاء :
ـ أنتِ طالق .. أنتِ طالق .
ما هذا ؟!
لابد أن الببغاء قد سمع هذه الكلمات فى إحدى حلقات المسلسل الطويل .. ربما عندما طلق (سليم البدرى) أو العمدة (سليمان غانم) الجميلة (نازك السلحدار) .. أو أى أحد آخر من أبطال المسلسل طلق زوجته .. أو أى مسلسل آخر .
ثم سمعت الببغاء يقول :
ـ أنتِ طالق يا (نهلة) .
(نهلة) !
اسم زوجة صديقى (عزت) !
و .. ربما اسم احدى بطلات مسلسل أو فيلم .
ليس من المعقول أن يطلق صديقى زوجته و لم يمر على زواجهما سوى أسابيع قليلة !
لكن ..
ربما هذا ما حدث فعلا .. هناك احتمال بنسبة ضئيلة لكنه فى النهاية احتمال !
و عندما جاء صديقى .. تملكتنى الشجاعة و الجرأة .. وربما الوقاحة أيضا وقلت :
ـ هل طلقت (نهلة) يا (عزت) ؟
إذا كانت الإجابة بـ لا .. سأدعى أننى كنت أمزح مزاحا ثقيلا ..
تغيرت ملامح وجهه ، و سألنى قائلا :
ـ من أخبرك ؟
لم أصدق نفسى .. النسبة الضئيلة هى التى فازت .. قلت له :
ـ لا يهم .. لكن كيف ؟ كيف طلقتها ؟ و لماذا ؟
توقفت للحظة ثم أردفت :
ـ أنت لم تنكر حتى !
قال صديقى بذكاء :
ـ كيف أنكر وقد سألت ؟ وطالما أنك سألت فهذا يعنى انك تعلم ! لا يمكن أن تكون قد خمنت هذا فنحن متزوجين حديثا ولم تسمع أى خلافات عنا .. إذن أنت علمت بالخبر .. من أخبرك به إذن ؟
قلت مازحا :
ـ العصفورة .
هذا إذا اعتبرنا أن الببغاء عصفورة .. قال صديقى :
ـ لا تريد أن تقول .. اممممم .. حسنا .. كما تحب .
سألته بدهشة :
ـ لماذا طلقتها ؟
ـ هذا موضوع يطول شرحه .. دعنى أولًا أقدم لك شيئا .. للأسف لا أعرف أين وضعت (نهلة) الشاى .. انتظرنى قليلا حتى اشترى شاى من البقال أسفل العمارة .. لن أتأخر .
أمسكت ذراعه ، وجذبته قائلا :
ـ لا داعى .
انتزع ذراعه من قبضتى ، وقال :
ـ ستشرب يعنى ستشرب .. لن أتأخر عليك .
و قبل أن يغادر الشرفة قال :
ـ خلال هذه المدة حاول أن تعالج هذا الببغاء الأبكم .. هل تكلم معك ؟
كذبت قائلا :
ـ لا .
لماذا كذبت ؟ ربما لأدفن سر الببغاء فى بئر عميقة .. لا أريد أن يعلم صديقى أن الهدية وشيت به .. أخبرتنى بأمر طلاقه .
خرج صديقى من الشقة ، وتركنى وحيدا مع هذا الطائر الغامض .
نظرت للببغاء متعجبا .. لماذا يتحدث معى أنا فقط ؟ لماذا ؟
فوجئت به يقول :
ـ (نهلة) خائنة .. (نهلة) خائنة .
***
(يُتبع)
Mohammed Reda​
روايات مصريـة
نشر في 04 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع