Facebook Pixel
العصمة بيدها كلما شاءت
1397 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

زوجة معلقة ، ينشغل عنها زوجها بغزواته ونزواته ، في حين تقضى هي كل وقتها في ساحات القضاء ، للحصول على حكم بطلاقها منه وكل هذا بسبب كلمة واحدة، لم يدفعني حذري لإضافتها ، في عقد الزواج كلمة واحدة، كنت سأصبح بعدها زوجة حرة، تستطيع تطليق زوجها وقتما شاءت وكلما شاءت

(وكلما شاءت) قصة قصيرة
بقلم د. نبيل فاروق
منذ طفولتي، وأنا أعتبر نفسي ذكية وأكثر حرصا وبراعة من زميلاتي بكثير، حتى إنهن كن يعتبرنني قائدتهن وزعيمتهن، في كل مضمار وكل مجال..
وعندما نضجت أنوثتي، وأعلنت عن نفسها، لم أسقط في فخ الحب المخادع، كما فعلت زميلاتي؛ بل كنت دوما واعية حذرة أتعامل مع كل شاب بحزم وحسم، ولا أصدق تلك الكلمات الناعمة المعسولة، أو أسمح لها بالتسلُّل إلى قلبي أو مشاعري، أو تخدير أحاسيي وعواطفي ..
وعلى عكسهن جميعا لم أعش أى قصة حب أو ارتباط بل حرصت دوما على التعامل مع الشباب بأسلوب واحد، حازم حاسم..
حتى (أحمد)..
كان شابا وسيما، رصينا ، هادئا ، يكبرنا بعامين دراسيين ، ويبدى اهتماما ملحوظا بي، منذ أول رحلة جامعية تشاركنا فيها معا ..
وأعترف أن شخصيته قد جذبت أنتباهى واهتمامي بالفعل، حتى أنني قضيت ليلة أو ليلتين أفكر فيه ، وأتصوره زوجا مثاليًا لي ..
ولكنني لم أعلن له اهتمامي هذا أبدا ...
لقد صرت، على العكس، أتجاهله وأتجنبه، حتى لا يتصور أنني غارقة في حبه ، فيبدأ في التعامل معي بتعال أو استهتار ، كما فعل صديق زميلتي (فوزية) بعد ما تأكد من حبها له ...
ولم أكن مستعدة أبدا ، للوقوع في الخطأ ، الذي وقعت هي فيه ..
لا ينبغى أبدا أن يطمئن أي شاب إلى حبي له .. هذه هي القاعدة التي حرصت عليها دوما ..
ولقد بذل ( أحمد ) جهدا مضنيا ؛ ليتقرب إلى وحاول ألف مرة أن ينفرد بي ، ليبثني حبه وولعه ..
وكنت أبتهج لوجودنا معا ، ولكنني لم أمنحه قط الفرصة للإفصاح عما بداخله .. طوال عامين كاملين ، لم ينجح في الإنفراد بي ولو مرة واحدة ، في حديقة الكلية ..
وخلال هذه الفترة،أدركت أنني كنت على حق في حذري الزائد هذا ..
زميلتى (سلوى) انفصلت عن حبيبها ..
و(إلهام) فوجئت بصديقها ينبذها ، ويرتبط بصديقة عمرها (نوال) ..
و(سوسن) رفض والدها خطبتها لزميلها (وائل) ؛ لأنه من وجهة نظره غير قادر على الاضطلاع بأعباء الزواج.
كل ارتباطات الجامعة تفشل، أو على الأقل تنتهي على غير ما يرغب طرفاها
لذا، كان من الحكمة ألا أستسلم لحب ( أحمد ) ..
وقبل امتحانات عامه الأخير قرر ( أحمد ) أن يواجهني ، على الرغم منى ، فأعترض طريقي ذات يوم ، وسألني في وضوح وحزم عما إذا كنت أوافق على الارتباط به ، والزواج منه بعد تخرجه من الكلية .. وأعترف أن مبادرته قد أربكتني بحق ..
لقد وضعني أمام الأمر الواقع ، وأصبح على اتخاذ قرار حازم حاسم في هذا الشأن ..
ولأنني حذرة فقد طلبت منه مهلة للتفكير ...
لست أدرى لماذا أحزنه هذا ؟!
هل كان يتوقع منى موافقة فورية ، بما تتضمنه من اعتراف بحبي له ، طوال العامين السابقين ؟ّ!
مستحيل !
ولقد وافق ( أحمد ) على منحى فرصة للتفكير ، وأخبرني فى وضوح أنه سيعتبر قراري نهائيا ، ولن يضايقني مرة أخرى طيلة عمره ، ولو جاء جوابي بالرفض ..
ولن أنسى أبدا ذلك الحزن المطل من عينيه ، ومن نظرته الأخيرة المفعمة بالعتاب الصامت ، وهو يفارقني يومها ..
لحظتها خفق قلبي من أجله ..
ولكنني أخمدت خفقانه هذه بمنتهى الحزم والصرامة ..
واتخذت قراري ..
وفى اليوم التالي ، واجهت ( أحمد ) ، بنفس الحزم الذى واجهنى به ، وأبلغته قرارى مع تأكيد عدم استعدادي للتراجع عنه قط ..
إنني أوافق على الزواج منه ، بشرط واحد
أن تكون العصمة بيدي ..
ولقد انتفض جسده ، واتسعت عيناه على آخرهما ، عندما سمع ما قلته ، وحدق في وجهي بضع لحظات في ارتياع مستنكر ، قبل أن يتمالك نفسه ، ويشد قامته ، معلنا رفضه التام لهذا الشرط المجحف ..
وبسرعة ، أعلنته برفضي الزواج منه ، إلا بهذا الشرط ..
ولثوان ، وقف كلانا صامتًا ، يتطلع إلى عيني الآخر مباشرة ..
كانت نظرتي تحمل له كل العناد والإصرار ..
ونظرته تحمل كل الحب والعتاب والمرارة ..
وكما كان رصينا كريما في حبه الطويل لي ، كان ذلك في انصرافه عنى ..
لقد تمنى لي التوفيق في حياتي ، مع أي شخص يوافق على شرطي هذا ...
وانصرف ..
تمنيت لحظتها لو أعدو خلفه ، وأتعلَّق بعنقه ، وأعتذر عن شرطي ، وأعلن رغبتي في الزواج منه ..
ولكن كان من المستحيل أن أفعل ..
هذا أمر لن ينساه قط ..
وسيذكره يوما ، ليحطم أنفى ، كما فعل زوج ابنة خالتي معها ..
وأنا حذرة ..
حذرة جدًا ..
ولقد قررت أن أنسى ( أحمد ) وأخرجه من قلبي ..
لك يكن سهلا أو بسيطا ، ولكنني بذلت كل جهدي ، حتى لا أهرع إليه ، وغادرت بلدتي كلها ، بحجة السعي وراء إجازة طويلة ، حتى انتهت امتحاناته ، وأصبح من غير المحتمل أن ألتقي به ، ولو مصادفة ..
ولكن العجيب أن هذا قد ترك في نفسي فراغا ، لم أستطع ملأه أبدا ..
ربما لأنه أول حب في حياتي ..
ربما ..
المهم أن السنوات قد مرت ، دون أن ألتقي بـ (أحمد) ، وإن علمت أنه قد حصل على عقد عمل جيد ، في واحدة من دول النفط ، وسافر إليها منذ فترة قصيرة ..
وتخرجت من الجامعة ، دون أن أسمح لنفسي بالوقوع في تلك التجربة مرة أخرى أبدًا ..
عدد من زميلاتي خطبن لزملائهن
وتزوجن ..
بل وأنجبن ..
أما أنا ، فقد ظللت كما أنا ..
جميلة ..
مرغوبة ..
حذرة ..
ولكنني بدأت أشعر بضياع عجيب ، مع مرورالوقت ..
كل زميلاتي وصديقاتي أصبحت لهن بيوت مستقرة فيما عداى ..
وكلهن أصبحن يخشين من نظرات أزواجهن إلى ..
وابتعدن ...
أو تباعدن ...
وكان الحل الوحيد ، للخروج من هذا الموقف السخيف ، هو أن ألحق بهن ..
وأتزوَّج ...
ولكن بنفس الشرط الذي أضاع منى ( أحمد ) ....
لا يمكنني التنازل عن هذا الشرط أبدًا ..
فماذا لو فشل الزواج وأردت أن أتحرر منه ؟!
هل ستصبح حياتي تحت رحمة وإرادة من أتزوجه ، لمجرد أنه وحده صاحب الحق في الطلاق ؟!
مستحيل ! وألف مستحيل ؟!
لن أتخلى عن حذري وحريتي أبدًّا ..
وفى مقر عملي الجديد ، التقيت به ( وائل ) ..
شاب وسيم ، أنيق ، قوى البنية ، جرئ النظرات ، ظل يتابعني ببصره لأسبوع كامل، قبل أن يطلب منى الزواج مباشرة ..
ولقد أخبرته بشرطي ..
وقبل ...
لدهشتي العارمة ، قبل شرطي ، ووافق عليه ، بل وتحمس إليه ، وجاء لخطبتي في الأسبوع التالي ، ليتم زواجنا بعد شهر واحد ...
معظم الناس رأوا أنه زواج سريع لأكثر من اللازم ، إلا أنني كنت مطمئنة تماما ، مادمت قد وضعت في عقد الزواج تلك العبارة ..
الرائعة ...
«ولها الحق في تطليق نفسها ، وقتما شاءت»
لم أكن ساذجة كمعظم الناس ، الذين يتصورون أن وجود العصمة في يد الزوجة يمنع زوجها من تطليقها ، فأنا أعرف جيدا أن حق الرجل في تطليق زوجته لا يسقط أبدا ، ولكن يصبح من حقها هي أيضا ، ، بموجب العبارة السابقة ، أن تطلق نفسها منه ، وقتما شاءت ..
ولقد بدأت حياتي مع وائل بثقة ، صنعها إيماني بقدرتي على الخلاص من كل هذا ، وقتما أشاء ..
ومن حسن حظي أن فعلت هذا ..
لقد كان ( وائل ) شخصًا لا يُطاق ، والعيش معه أشبه بالعيش في قلب الجحيم ..
إنه شخص تافه ، سافل ، مستهتر ، لا يقيم لمشاعري وأحاسيسي أدنى اهتمام ، أو يلتفت إليها ولو لحظة واحدة ..
والأسوأ أنه بخيل إلى أقصى حد ..
لا ينفق قرشا واحدا ، إلا على أناقته وعطوره ورباطات عنقه ، تاركا لي كل مصروفات البيت الأساسية ..
ولقد احتملت هذا الوضع الشاذ لعدة أشهر ، قبل أن انفجر فيه ، وأطالبه بلعب دور الرجل ..
وهنا ظهرت أسوأ خصاله ..
لقد ضربني ..
ضربني ضربا مبرحا ، بقسوة ووحشية رهيبتين ، حتى حطم أنفى ، وأصاب عيني اليمنى بورم مخيف ..
وهنا لم أحتمل ..
وطلقته
نعم .. استخدمت حقي في تطليقه وقتما أشاء ..
وتصورَّت أن المشكلة قد انتهت ، عند هذا الحد ، وأنني قد استعدت حريتي وأمنى ، بسبب ذكائي وحذري ، و...
ولكن فجأة وصلني إخطار من محاميه ، يبلغني فيه أن ( وائل ) قد أعادني إلى عصمته رسميًا ..
وكدت أصاب بالجنون ، وأنا أهرع إلى محامىَّ ثائرة ، معترضة على ما حدث ، باعتبار أنني صاحبة العصمة ..
وكانت صدمتي رهيبة ، عندما واجهني المحامى بحقيقة مذهلة ..
فوجود العصمة في يدي لا يمنع وائل من إعادتي إلى عصمته ، إذا ما تم طلاقنا ، باعتبار أن هذا حقه الشرعي ، خلال فترة العدَّة ..
والقانون يمنحه وحده هذا الحق ، دون حتى الرجوع إلىَّ ، ما دمت قد طلقته طلقه عادية ، وليست بدائنة ..
وبقدر الغضب الذي أصابني ، هداني عقلي إلى أن الحل مازال بيدي ..
سأطلقه مرة أخرى ..
وطلقة بائنة حتى لا يمكنه إعادتي إلى عصمته دون إرادتي ..
وهنا ، فاجأني المحامى بما لم يمكنني احتماله قط ..
فالعبارة التي شعرت معها بالاطمئنان والأمان ، في عقد الزواج ( وقتما شاءت ) ، لم تكن تمنحني الحق في تطليقه سوى مرة واحدة ، فإذا أعادني إلى عصمته ، لا يحق لي تطليق نفسي منه مرة ثانية قط ..
ولكي أحصل على هذا الحق ، كان من الضروري ـ قانونيا ـ أن تُضاف كلمة أخرى إلى عقد زواجنا ..
كلمة ( وكلما شاءت ) ..
وهذا يعنى أنني قد عدت زوجة إلى ( وائل ) ، دون أدنى حق في تطليق نفسي منه مرة أخرى ..
وهذا ما أنا عليه الآن بالفعل ..
زوجة مع إيقاف التنفيذ ..
زوجة معلقة ، ينشغل عنها زوجها بغزواته ونزواته ، في حين تقضى هي كل وقتها في ساحات القضاء ، للحصول على حكم بطلاقها منه ..
وكل هذا بسبب كلمة واحدة ، لم يدفعني حذري لإضافتها ، في عقد الزواج ..
كلمة واحدة ، كنت سأصبح بعدها زوجة حرة ، تستطيع تطليق زوجها وقتما شاءت ... وكلما شاءت .
(تمت بحمد الله)
----------------
(د. نبيل فاروق ـ كوكتيل 2000 ـ السلسلة الوحشية)
روايات مصريـة
نشر في 13 أيّار 2017
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع