Facebook Pixel
من هو عبد العزيز بن موسى بن نصير ؟
3029 مشاهدة
2
0
Whatsapp
Facebook Share

عبد العزيز بن موسى بن نصير أحد القادة الأفذاذ من الرعيل الأول الفاتحين في الإسلام، والذي كان له دور كبير في فتح البرتغال وتثبيت دولة الإسلام في بلاد الأندلس، فمن هو عبد العزيز بن موسى بن نصير؟ وما هي صفته فاتحاً وقائداً وإنساناً وشهيداً؟

عبد العزيز بن موسى بن نصير
عبد العزيز بن موسى بن نصير أحد القادة الأفذاذ من الرعيل الأول الفاتحين في الإسلام، والذي كان له دور كبير في فتح البرتغال وتثبيت دولة الإسلام في بلاد الأندلس، فمن هو عبد العزيز بن موسى بن نصير؟ وما هي صفته فاتحا وقائدا وإنسانا وشهيدا؟

نسبه وأسرته
هو عبد العزيز بن موسى بن نصير بن عبد الرحمن بن زيد، عربي من بني لَخْم، أبوه موسى بن نصير رحمه الله فاتح الأندلس المشهور، وكان واليًا على إفريقية والمغرب من أواخر سنة (85هـ أو 86هـ / 704م أو 705م)، كما شغل عدة مناصب إدارية وقيادية قبل ذلك، تدل على أنّه كان قريبًا من بني أُمية ومَن يعمل معهم في الإدارة والقيادة.

ولم يكن جَدُّه نُصَير، بعيدًا عن مراكز السلطة في الإدارة والقيادة أيضًا، وأصله من سبايا بلدة عين التمر الذين سباهم خالد بن الوليد رضي الله عنه سنة 12هـ/ 633م، فقد وجد خالد أربعين غلامًا يتعلّمون الإنجيل، عليهم باب مغلق، فكسره عنهم وقال: "وما أنتم؟! "، فقالوا: "رُهُن!"، منهم نُصَير أبو موسى بن نصير، فقسَّمهم خالد في أهل البلاد، فأصل عبد العزيز من عين التمر.

وقد أعتق نُصيرًا بعضُ بني أمية، فرجع إلى الشام، ثم أصبح من حرس معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، ثمّ أصبح على حرس معاوية وعلى جيوشه، وكانت منزلته عند معاوية رضي الله عنه مكينة.

ولا نعلم متى وُلِد عبد العزيز بن موسى بن نصير، فالمصادر المتيسرة سكتت عن تاريخ مولده، كما سكتت عن أيامه الأولى، ولكننا نستطيع أن نستنتج: كيف نشأ وترعرع واستوى على عوده شابًا يشقُّ طريقه في الحياة .

نشأته وأيامه الأولى
لقد نشأ عبد العزيز وترعرع وشبَّ في ظروف ملائمة كل الملائمة لاستكمال مزاياه الشخصية، فأبوه وجده من المقربين للبيت الأموي المالك، وظروف والده الإداريَّة والقيادية بخاصة لا تخلو من مشاكل صعبة، تُعين على التعلم النظري والتدريب العملي.

وكان التّعليم النّظريّ، لاستيعاب العلوم المتيسّرة السّائدة حينذاك، ميسورًا لأبناء الإداريين والقادة الكبار ولغيرهم من الناس، إذ كان العلماء وقتذاك يعتبرون التّعليم والتّعلم من أجلّ العبادات. لذلك نشأ عبد العزيز ليتعلّم علوم القرآن الكريم والحديث النّبويّ الشَّريف، ويدرس التاريخ والسِّيَر وأيام العرب قبل الإسلام وبعده، ويُتقن علوم الّلغة، ويتلقى فنون الأدب شعرًا ونثرًا، ويتعلّم الحساب والهندسة وتقويم البلدان.

كما أنّ التدريب العملي بالممارسة، كان ميسورًا له في القضايا السياسية والإدارية والعسكرية، فهو إلى جانب والده الذي كان على المغرب وإفريقية إداريًا وقائدًا، وعلى الأندلس إداريًا وفاتحًا، يسمع ويرى كيف تُعطى القرارات الخطيرة وكيف تُعالج المشاكل الصّعبة.

كما تدرّب عمليًا على الفنون العسكرية: ركوب الخيل، والرّمي بالسِّهام، والضّرب بالسيوف، والطّعن بالرِّماح، والسباحة، وتحمّل المشاق سيرًا وجوعًا وعطشًا، وهو ما نُطلق عليه في المصطلحات العسكرية الحديثة: التدريب العنيف.

وقد طبّق عبد العزيز الفنون العسكريّة النظريّة عمليًّا في ميدان الجهاد، وبذلك جمع التدريب الفنّي النظري والعملي، ووضع معلوماته العسكريّة النظريّة في حيِّز التنفيذ. ولعلّ مما زاد في فرصه تعليمًا وتدريبًا، هو تلقّي علومه وتدريباته في كنف والده القائد الإداريّ الّلامع موسى بن نصير، وبخاصة بعد تولّي موسى إفريقيّة والمغرب في أواخر سنة 85هـ أو أوائل 86هـ، حيث شهد فتوح موسى في المغرب، فلما عبر موسى إلى الأندلس في رمضان من سنة 93هـ /712 م، ازدادت فُرص عبد العزيز التعليمية والتدريبية عمليًا في الفتوحات، حتى إذا نضج وأصبح قادرًا على تولّي مهام القيادة، ولاّه أبوه موسى منصبًا قياديًا، فأضاف بقيادته فتحًا جديدًا على فتوح طارق بن زياد وفتوح والده موسى بن نُصير.

عبد العزيز بن موسى بن نصير فاتحا
فتح إشبيلية ثانية
رافق عبد العزيز أباه موسى بن نصير في عبوره إلى الأندلس، وكان معه في فتوحه الأندلسية، فلما كان موسى محاصِرًا مدينة مَارِدَة، ثار عجم إشبيلية (القوط الغربيون) وارتدوا وقاموا على مَن فيها من المسلمين. وتداعى لهم من مدينة لَبْلَة وبَاجَة، وقتلوا من المسلمين نحو ثمانين رجلًا. وأتى نبأ المسلمين باشبيلية موسى وهو بماردة، فلما أن فتح ماردة وجَّه ابنه عبد العزيز في جيش إلى إشبيلية، ففتحها وقتل الثائرين فيها.
ونهض عبد العزيز إلى لَبْلَة وباجة ففتحهما أيضًا، واستقامت الأمور وعلا الإسلام، ثمّ انصرف عبد العزيز إلى إشبيلية. وقد استعاد عبد العزيز فتح إشبيلية ثانية سنة 94هـ /713 م، وكان طارق قد فتحها لأول مرة صلحًا، إذ صالحه أهلها على الجزية، وذلك سنة 92هـ /711 م .

فتح جنوب وجنوب شرقي الأندلس
وجه موسى بن نصير ابنيه عبد العزيز وعبد الأعلى إلى جنوبي وجنوب شرقى الأندلس، وكان هذا على الأغلب بعد استعادة فتح إشبيلية ولَبْلَة وباجَة، واستطاع عبد الأعلى بالتعاون مع أخيه عبد العزيز، أن يستعيد فتح مالقة وإِلْبِيْرَة، ثم توجه عبد العزيز بن موسى إلى المنطقة الجنوبية الشرقية من البلاد، فقد التقى بالقرب من أُورْيُوْلَة بالدوق تُدْمِيْر وعقد معاهدة صلح بينه وبين المسلمين في شهر رجب من سنة 94هـ /أبريل 713 م، وبموجب هذه المعاهدة، التي ذكر تفاصيلها المؤرخون العرب والمسلمون وغيرهم، حصل تدمير على شروط مناسبة جدًا للصلح، وبعد استقرار الأمور في المنطقة الجنوبية الشرقية من شبه جزيرة الأندلس، عاد عبد العزيز إلى إشبيلية.

فاتح البرتغال .. غرب الأندلس
في الوقت الذي كان موسى بن نصير وطارق بن زياد يقومان بفتوحاتهما في شمالي الأندلس، كان عبد العزيز يقوم بفتح وسط البرتغال. فقد عاد عبد العزيز كما ذكرنا، إلى إشبيلية، ومن ثم إلى مارِدَة، حيث ولاه أبوه القيادة العامة للبلاد المفتوحة، ومن باجَة زحف إلى يَابُرَة وشَنْتَرِيْن وقُلُمْرِيَّة، وظل متجهًا إلى أقصى الغرب، بقصد ملاقاة الفرق الإسلامية في أَسْتُرْقَة.

وقد قام عبد العزيز بن موسى بن نصير بهذا الفتح قبل رحيل أبيه موسى من الأندلس إلى دمشق: "فلم يبق في الأندلس بلدة دخلها المسلمون بأسيافهم، وتصيّرت ملكًا لهم، إلاّ قسّم موسى بن نصير بينهم أراضيها، إلاّ ثلاثة بلاد، وهي: شَنْتَرِيْن وقُلُمْرِيَّة في الغرب، وشَيَّة في الشرق، وسائر البلاد خُمِّسَت وقُسِّمت بمحضر التابعين الذين كانوا مع موسى بن نُصير"، ومعنى هذا عبد العزيز افتتح شَنْتَرِيْن وَقُلُمْرِيَّة صلحًا، وذلك أثناء وجود أبيه في الأندلس، وبذلك فتح ما بقي من مدائن الأندلس.

ومن الواضح، أنّ طارقًا وموسى لم يفتحا جميع أنحاء شبه الجزيرة الأندلسيّة، فبقيت مناطق لم تصل إليها جيوش الإسلام بعد. وقد تجمّعت في بعض الأقاليم غير المفتوحة، وفي الجيوب الجبليّة النائية الوعرة، مراكز للمقاومة القوطية ضد المسلمين، فاقتضى الأمر إخماد تلك المقاومات وإتمام فتح الأندلس.

وتمت فتوح عبد العزيز خلال سنة 94هـ /713 م وسنة 95هـ / 714 م، أي حين كان أبوه موسى على الأندلس، ولا أرى أنّ القوّات التي قادها عبد العزيز كانت قوات جسيمة، بل هي قوات خفيفة، مؤلّفة من الفرسان، سريعة الحركة، تستغل قابليتها في التنقّل السريع، لتحقيق أهدافها في الفتح؛ ذلك لأنّ المقاومة القوطيّة كانت تتمركز في المناطق الوعرة والجبلية في شمالي الأندلس، وفي المدن الأندلسية الشمالية النائية.

وكان على موسى وطارق بن زياد، أن يقضيا على جذور المقاومة وعلى أصولها، وأن يجتثا جذورها من مراكزها الرئيسة في المناطق الوعرة والجبليّة في شمالي الأندلس، والمدن الأندلسية الحصينة في تلك المناطق الصّعبة النائية، لذلك كان من الصّعب الاستغناء عن قسم كبير من قوّات المسلمين التي كانت تعمل بقيادتهما المباشرة، لأنّ هدفهما في تطهير المقاومة القوطيّة، وفتح المدن الأندلسية الشمالية كانا بحاجة ماسة إلى قوّات جسيمة، لإمكان تهيئة أسباب تحقيقهما، كما أنّ المقاومة القوطية في وسط البرتغال، لم تكن مقاومة عنيفة، ولا يمكن مقارنتهما بالمقاومة القوطيّة في شمالي الأندلس، لذلك اكتفى موسى بتخصيص قوّات خفيفة لابنه عبد العزيز من أجل تحقيق أهدافه في تفتيت المقاومة القوطية في غربيّ الأندلس وفتح مدنها، فنجح عبد العزيز في ذلك نجاحًا باهرًا.

عبد العزيز بن موسى القائد الوالي
لقد كان أثر عبد العزيز بمعاونة أخيه عبد الأعلى في الفتح الأندلسي، وفي ترصين ذلك الفتح، وفي حماية القوّات الإسلامية الفاتحة، عظيمًا للغاية في واقعه وفي حاضر المسلمين في الأندلس ومستقبلهم، دون أن يُعطى الأهمية المناسبة له من المؤرخين قديمًا وحديثًا.

فهو الذي تولى الأندلس: "بعد قُفُول أبيه عنها .. فضبط سلطانها، وضمّ نَثَرَها، وسدّ ثغورها، وافتتح في ولايته مدائن كثيرة، مما كان قد بقي على أبيه موسى منها، وكان من خير الولاة، إلاّ أنّ مدّته لم تطل ..". ومعنى ذلك، أنّ بقاءه واليًا لم يطل أمده، لتظهر مزاياه القيادية في الفتوح وفي إحراز الانتصارات الباهرة.

وبالإمكان إضافة عامل آخر، على قِصر مدّته واليًا، هو أنّ ظروفه الراهنة، بعد غضب الخلافة الأموية على أبيه موسى وعلى أهل بيته، لم تكن ملائمة لاستئناف الفتوح وإحراز الانتصارات، إذ كان هو الآخر مصيره معلّقًا في مهبّ الريح، ومن المتوقّع أن يُصيبه ما أصاب أباه وأهل بيته عاجلًا أم آجلًا، فكان بحقّ منهكًا نفسيًا، لا يدري ما تخبِّؤه له الأيام من مِحَن ومصائب، ولا يستطيع والٍ في مثل موقفه هذا غير المضمون أن يفعل ما فعله عبد العزيز أو يحقِّق ما أنجزه. ومن المعلوم أنّ الوالي يومئذ هو القائد العام على البلاد، فهو إداريّ وقائد، يعمل في القضايا الإداريّة، كما يعمل في القضايا العسكرية، فهو إداري وقت السّلام، إداريّ وقائد وقت الحرب.

وقد ظهر لنا، أنّ عبد العزيز بن موشى بن نصير قد تهيّأت له في أيامه الأولى مزيتان من مزايا القائد الّلامع، هما: العلم المكتسب، والتجربة العمليّة. فإذا تجاوزنا مفتاح شخصية عبد العزيز القياديّة، إلى سمات قيادته بإيجاز، نجد أنه كان يتحلّى بسمة: إصدار القرار الصحيح السّريع، فقد كان ذكيًا حاضر البديهة متعلِّمًا، مثابرًا على الحصول على المعلومات عن العدو، والأرض التي يقاتل عليها، من شتى مصادر الحصول على المعلومات، ومنها العيون والاستطلاع.

وكان يتحلّى بالشجاعة والإقدام، فكان يقود رجاله من الأمام، ولا يقودهم من الخلف، ويكون أُسوة حسنة لرجاله بشجاعته الشّخصيّة، وكان ذا إرادة قويّة ثابتة، إذا عزم على أمر نفّذه، وإذا أصدر أمرًا أصرّ على تنفيذه، وكان يُقدم على تحقيق أهدافه في الفتح بعزم وإصرار.

وكان من أولئك القادة الذين يتحملون مسئولياتهم كاملة، ولا يتهرّبون منها، أو يلقونها على عواتق الآخرين، وكان ذا نفسية لا تتبدّل في حالتي النّصر والاندحار، واليُسر والعُسر، فما عرفناه ضَعُفَ أو أبدى ضعفًا، حين أصبح والده موسى مغضوبًا عليه من الخليفة، بل ظلّ يزاول أعماله، أقوى ما يكون ثباتًا ونشاطًا، حتى أتاه اليقين.

وكان يتمتّع بمزية: سبق النّظر، فيتوقّع ما سيحدث، ويتصوّر ما سيقع، ويُعدّ لكلّ شيء عدّته حلًا لما عسى أن يجابهه من معضلات، وكان ذا شخصية قويّة نافذة مؤثِّرة فيمن حوله من رجاله ومن الإسبان الذين فتح بلادهم، ولولا تلك الشخصية المتميِّزة، لما استطاع السّيطرة على الأندلس، بعد أن تسامع النّاس، بأنّ أباه أصبح في عِداد المغضوب عليهم من الخليفة، وأنّ مركز عبد العزيز واليًا وقائدًا أصبح مهددًا بالعزل اليوم أو غدًا.

وكان يتمتّع بقابلية بدنيّة متميّزة، فقد كان في ريعان الشباب، واستطاع مشاركة رجاله في ميادين القتال صيفًا وشتاءً، وتعبًا وعناءً، وتنقّلًا وثواءً. وكان ذا ماضٍ ناصع مجيد، فهو ابن فاتح الأندلس، موسى بن نُصَير، وهو قد أضاف إلى أمجاد أبيه مجدًا جديدًا في الفتح وفي ميادين القتال.

ويبدو أن عبد العزيز بن موسى بن نصير كان يساوي بينه وبين رجاله، فكان يعيش بينهم، ويصلّي في مسجدهم، ولو أنّه اتّخذ حرسًا لنفسه، وجماعة مختارة من رجاله لحمايته، ومكانًا خاصًا به في المسجد للصّلاة، لصعب على المتآمرين عليه في تنفيذ خطتهم في اغتياله، ولكنّهم استطاعوا اغتياله بسهولة ويسر، مما يدلّ على أنّه كان يساوي نفسه برجاله، ولا يتميَّز عليهم في شيءٍ من المظاهر الخارجيّة، التي يحاول أن يتميّز بها أصحاب السُّلطة والحكم.

معضلات في طريق القائد عبد العزيز بن موسى
حين غادر موسى بن نُصير الأندلس ولَّى ابنه عبد العزيز على الأندلس، وترك معه مَن يعاونه من أقدر الرجال، مثل حبيب بن أبي عبيدة الفهري، أحد أحفاد عقبة بن نافع الفهري، وترك مع ابنه كثيرًا من القادة المسلمين الآخرين مع أفراد قبائلهم، ليدافعوا عن الأندلس ويحموه، وقد اختار موسى إشبيلية عاصمة للبلاد، بسبب قربها من البحر والمضيق، كما جعلها أيضًا قاعدة بريّة بحرية للمسلمين في الأندلس.

وبدأت مشاكل عبد العزيز بن موسى بعد مغادرة أبيه الأندلس إلى دمشق، فأصبح يحارب في جبهتين: الجبهة الداخلية المتمثلة في الطّامعين بحكم الأندلس، المنافسين له على ولايتها، يشجِّعهم على ذلك موقف الخلافة من موسى بن نصير، في اضطهاده ومحاسبته حسابًا عسيرًا، فكان التيار السّائد على عبد العزيز لا معه. والجبهة الخارجية، المتمثلة بالمقاومة القوطية المتربِّصة بالفاتحين، التي تنتهز الفرصة للانقضاض على الفاتحين، وإعادة المناطق المفتوحة إلى الحكم القوطي من جديد.

زواج عبد العزيز بن موسى بن نصير
وقضى عبد العزيز في ولايته نحو سنتين، عنى خلالهما بتحصين الثُّغور وقمع الخروج والعصيان، وأبدى همّة في تنظيم الحكومة الجديدة وإدارتها، وأنشأ ديوانًا لتطبيق الأحكام الشرعيّة وتنسيقها. وشجع الزواج بين العرب والإسبان، وتزوج أجيلونا (إيجلونا) التي تسميها المراجع العربية: أَيْلُه (أيلونا) أو أم عاصم، وكانت أيلونا قبل ذلك زوجًا للذريق، فيما تذهب إليه المراجع: "وكانت قد صالحت على نفسها في وقت الفتح، وباءت بالجزية، فأقامت على دينها، فحظيت عنده وغلبت على نفسه"، فتزوجها بعد خروج أبيه موسى من الأندلس، فجاءته من الدنيا بشيء كثير لا يُوصف.

اغتيال عبد العزيز بن موسى
وانتهز الطامعون بولاية الأندلس، المنافسون له بولايتها فرصة زواجه بأيلونا المسيحية، فزعموا أنّها ملكت زمام زوجها، فتابعها في كثير مما أرادت، وأنّها عملت له تاجًا من الذهب والجوهر، وحملته على أن يلبسه، لأن: "الملوك إذا لم يُتوَّجوا، فلا ملك لهم" كما قالت، وما زالت به حتى قَبِل أن يلبسه إذا خلا إليها، فشاع تتويجه في خيار جند المسلمين، فلم يكن لهم هَمٌّ إلاّ كشف ذلك، حتى رأوه عيانًا، فقالوا: تنصَّر! ثم هجموا عليه، فقتلوه.

ولم تقف حرب الإشاعة على عبد العزيز إلى هذا الحد، ويبدو أنّ قصّة لبس التاج وتنصّره، تؤثِّر في الرأي العام لجند المسلمين في الأندلس، باعتبار أنّهم يرفضون كلّ انحراف عن تعاليم الإسلام، ولكنّ مثل تلك الإشاعة، لا تؤثّر في الذين خبروا مزايا عبد العزيز تقيًّا نقيًّا ورعًا، كما لا يصدِّقها العقلاء الذين في السُّلطة أو خارجها، فأشاعوا أنّه: "لما بلغ عبد العزيز بن موسى ما نزل بأبيه وأخيه عبد الله بن موسى الذي كان في القيروان على إفريقيّة والمغرب وآل بيته، خلع الطاعة وخالف، فأرسل إليه سليمان بن عبد الملك رسولًا فلم يرجع.

فكتب سليمان إلى حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع ووجوه العرب سرًا بقتله، فلما خرج عبد العزيز إلى صلاة الفجر، قرأ فاتحة الكتاب، ثم قرأ سورة الواقعة، فقال له حبيب: حقَّت عليك يا ابن الفاعلة! وعلاه بالسيف، فقتله"، وقد ركز قسم من المستشرقين على تصديق اتّجاه عبد العزيز إلى الاستقلال عن الخلافة بالأندلس، وتابعهم على تصديق هذا الزّعم المتهافت قسم من مؤرخي العرب والمسلمين .

الرد على شبهة إيعاز الخليفة سليمان بقتل عبد العزيز
وأمّا القول بأنّ الخليفة سليمان بن عبد الملك أوعز بقتله، فقول لا يجد ما يؤيِّده من الواقع ومن التفكير السّليم، لأنّ الخليفة لم يكن عاجزًا عن عزله إن أراد، وقد سبق للخليفة عزل أبيه موسى وهو أقوى منه وأكبر مكانة وأنصع تاريخًا وأكثر أتباعًا، فعزله بسهولة ويسر، واستخرجه من الأندلس مع رجل أو رجلين من رجال للخليفة، دون أن يستطيع موسى تحريك ساكنًا. كما لم يكن سليمان ليخشى ثورته بالجند، لأنّ الجند كان مختلفًا عليه، وليس بمعقول أن يكون حقد سليمان على عبد العزيز أشدّ من حقده على أبيه موسى، ما أوعز سليمان بقتل موسى ولا فكّر بذلك، ولا قتله حين أصبح في دمشق رجلًا بلا غد.

ومصداق ذلك، أن سليمان لما بلغه: "مقتل عبد العزيز بن موسى، شقَّ ذلك عليه، فولَّى إفريقية عبيد الله بن يزيد القريشي ..، وأمره سليمان فيما فعله حبيب بن أبي عبيده وزياد بن النّابغة من قتل عبد العزيز، بأن يتشدّد في ذلك، وأن يقفلهما إليه ومَن شركهما في قتله من وجوه النّاس. ثمّ مات سليمان، فسرّح عبيد الله بن يزيد والي إفريقيّة على الأندلس الحرَّ بن عبد الله الثَّقفي، وأمره بالنظر في شأن قتل عبد العزيز"، مما يفهم صراحة أنّ الأمر دُبِّر بغير علم الخليفة، وأنّ الخليفة لا علاقة له بقتل عبد العزيز.

ولم يكن من سمات خُلق سليمان بن عبد الملك الإقدام على الاغتيالات أو التحريض عليها، فقد وصف سليمانَ المؤرِّخون بأنه: "مفتاح الخير، أطلق الأسارى، وخلَّى أهل السُّجون، وأحسن إلى الناس، واستخلف عمر بن عبد العزيز"، فلا يتّهمه بالاغتيال، أو يصدِّق هذا الاتهام، عاقل غير متحيِّز .

هل أراد عبد العزيز بن موسى الاستقلال بالأندلس؟
كما أن عبد العزيز بن موسى بن نصير لو أراد الاستقلال بالأندلس عن الخلافة، لأعدّ لذلك عدته، التي من أوّلها: إبعاد غير الموثوق بهم من صفوف جنده، واتِّخاذ الحماية الكافية لنفسه، وتقريب مَن يعينه في تحقيق ما يصبوا إليه. ولم يتّخذ عبد العزيز شيئًا من هذه التدابير، ولو اتّخذ شيئًا منها، لما سهل على الطّامعين والمنافسين له اغتياله بسهولة ويُسر.

اتهام عبد العزيز بن موسى بالضعف والتنصر
أمَّا اتِّهام الأمير عبد العزيز بن موسى بن نصير بأنّه مترف ضعيف لزوجه، وأنّه تنصّر، فلا سبيل إلى تصديق ذلك، فقد أقام مع زوجه أيلونا في دار متواضعة قريبة من اجتماع المسلمين ومكان صلاتهم. ولو كان ضعيفًا مترفًا لسكن أحد قصور إشبيلية الفخمة، ولما استقرّ في دار متواضعة، ليكون قريبًا من رجاله ومن مسجده.

أمّا أنّه تنصّر، فقد كان خيّرًا فاضلًا، ومن خير الولاة، ولمّا أُحضر رأس عبد العزيز بين يدي سليمان، حضر أبوه موسى، فقال له سليمان: "أتعرف هذا؟ "، قال: "نعم، أعرفه صوَّامًا قوَّامًا، فعليه لعنة الله إن كان الذي قتله خيرًا منه".

والمعقول، أنّ عبد العزيز ذهب ضحيّة الطامعين بولاية الأندلس والمنافسين له على الحكم، وبخاصة بعد أن أصبح أبوه موسى وأهل بيته من المغضوب عليهم، فكان موقف عبد العزيز في مدّة ولايته ضعيفًا، وأصبحت الفرصة سانحة أمام الطّامعين والمنافسين له: "ثمّ اجتمعوا على أيوب بن حبيب الَّلخْمِيّ الذي قُتل عبد العزيز بمشورته"، مما يدلّ بوضوح على أنّ الأمر تمّ في الأندلس بعد أن تشاور الطّامعون والمنافسون له، فشنّوا حرب الإشاعة، وكان موقف عبد العزيز يومئذ بعد نكبة أبيه واهنًا، فنجح أعداؤه في قتله وتولّى السّلطة بعده، ولو إلى حين.

ويبدو أنّ حال عبد العزيز مع جنده لم يكن على ما ينبغي، لا لأنّهم كانوا ساخطين عليه، بل لأنّ نفرًا منهم كان شديد التّطلع والطموح، وكان هؤلاء النّفر في الظّاهرين في جنده وكبار رجاله .

عبد العزيز بن موسى في التاريخ
لقد أصبح عبد العزيز بن موسى بن نصير واليًا على الأندلس منذ مبارحة أبيه موسى الأندلس في صفر من سنة 95هـ /أكتوبر - نوفمبر سنة 713 م، وجرى اغتياله في رجب سنة 97هـ / يناير سنة 716 م، فقضى في ولايته زهاء عامين فقط، أنجز ما أنجز خلالهما من أعمال جِسام، وكان بإمكانه أن ينجز أعمالًا أكبر مما أنجزه وأكثر، لولا أن نفسه كانت طوال أيام ولايته مروّعة ينتابها الخوف على مصير أبيه موسى بن نصير، ومصير أسرته، فمال إلى السّكون والانتظار والترقب، وبهذا وحده يمكن أن نعلّل عدم نشاطه في العمل، وقد عرفناه إلى ذلك الحين رجلًا مقدامًا نشيطًا لا يكلّ ولا يملّ من العمل، ويُتعب من يعمل معه دون أن يَتعب، فقد كان من أولئك القلائل الذين لا ينامون ولا يُنيمون.

وقد كان موسى بن نُصير من التابعين، فيكون عبد العزيز ابنه من تابعي التابعين، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

ويذكر التاريخ لعبد العزيز، أنّه كان السّاعد الأيمن لأبيه موسى ابن نصير فاتح شطر الأندلس، في فتوحه الأندلسية. ويذكر له، أنّه فتح مناطق واسعة جدًا في جنوبي وجنوب شرقي الأندلس، وطهّر تلك المناطق من جيوب المقاومة القوطيّة. ويذكر له أنّه فتح الشّطر الأكبر من البرتغال، غربي الأندلس، وفتح مدنها، وقضى على جيوب المقاومة القوطيّة في أرجائها. ويذكر له، أنّه استعاد فتح إشبيلية ولَبْلَة وباجَة من جديد، ودحَر المقاومة القوطيّة التي استولت عليها بعد فتحها من المسلمين.

ويذكر له، أنّه قضى على تهديد المقاومة القوطيّة لخطوط مواصلات قوّات طارق بن زياد وموسى بن نصير في الأندلس، وعلى جناحي تلك القوات الأيمن والأيسر، مما أتاح لطارق وموسى التغلغل شمالًا في الفتح.

ويذكر له، أنّه اغتيل ظلمًا وعدوانًا، فنال باغتياله شرف الشهادة. ويذكر له، أنّه كان مجاهدًا صادقًا، وإداريًا حازمًا، وكان يعمل بأمانة وإخلاص، للإسلام والمسلمين، مجاهدًا وإداريًا، دون كلل ولا ملل. ويذكر له، أنّه رحل وهو في ريعان الشباب، فكأنّه كان يغالب الزّمن، ليخلِّف من بعده، ما لم يخلفه الشيوخ فتحًا ومآثر وأمجادًا.

رحمه الله، جزاء ما قدم للعرب والمسلمين، من خدمات لا تنسى، قائدًا وفاتحًا وإداريًا وشهيدًا. لقد رحل عن هذه الدنيا، ولكن آثاره في الأندلس وفي صفحات التاريخ، لن ترحل أبدًا.
#شخصيات_أندلسية
#الأمة_الأندلسية_الشهيدة
#تاريخ_يكتب_بالدم_لأسبانيا_النصرانية
#النكبة_الأندلسية
#ذكرى_سقوط_الأندلس
#ماذا_خسر_المسلمون_بسقوط_الأندلس ؟
#فريق_رؤية
عبرات تاريخية
نشر في 30 كانون الأول 2015
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع