1262 مشاهدة
0
0
ما هو هذا الحدث المزلزل الذي حل بالمدينة فغير خارطة الأحداث بمنطقة البحر الأبيض المتوسط و العالم أجمع, و غطت أهميته على أمرين هامين وقعا أيضاً في نفس السنة
ما الذي وقع يوم الثاني من يناير سنة 1492م بغرناطة؟ما هو هذا الحدث المزلزل الذي حل بالمدينة فغير خارطة الأحداث بمنطقة البحر الأبيض المتوسط و العالم أجمع, و غطت أهميته على أمرين هامين وقعا أيضا في نفس السنة : قرار طرد اليهود من إسبانيا و اكتشاف (المنسوب زورا إلى كريستوف كولمبس) القارة الأمريكية؟
ما هي تفاصيل هذا اليوم الذي يزعم النصارى أنه كان آخر يوم في حرب استرداد دامت ثمانية قرون؟ و كيف عاشت غرناطة آخر أيامها قبل أن تُسلم إلى جلادها, ليُنصّر أبناءها و يُستعبدوا و يُحرّقوا بنيران محاكم التفتيش الرهيبة؟
لنقرأ ما كتبه مؤرخ الأندلس المعاصر الأستاذ المصري محمد عبد الله عنان رحمه الله عن هذا اليوم الحزين, و قد اعتمد على روايات كلها قشتالية و أوربية إلا رواية إسلامية واحدة (و هي للأسف الرواية الإسلامية الوحيدة التي تروي تفاصيل ما حدث يوم2 يناير و قد خطها كاتب مجهول عاصر الأحداث).
يقول الأستاذ عنان:
”ففي صباح هذا اليوم, كان المعسكر النصراني في شنتفي يموج بالضجيج و الابتهاج. و كانت الأوامر قد صدرت و الأهبة قد اتخذت لاحتلال المدينة. و كان قد اتفق بين أبي عبد الله و الملك فرديناند أن تطلق من الحمراء ثلاثة مدافع تكون إيذانا بالاستعداد للتسليم. و لم يشأ فرديناند أن يسير إلى الحاضرة الإسلامية بنفسه, قبل التحقق من خضوعها التام, و استتباب الأمن و السلامة فيها, فأرسل إليها قوة من ثلاثة ألاف جندي و سرية من الفرسان, و على رأسها الكاردينال بيدرو دي مندوسا مطران إسبانيا الأكبر. و كان من المتفق عليه أيضا بين فرديناند و أبي عبد الله ألا يخترق الجيش النصراني شوارع المدينة, بل يسير توا إلى قصبة الحمراء, حتى لا يقع حادث أو شغب. و من ثم فقد اخترق الجند القشتاليون الفحص إلى ضاحية أرميليا (أرملة) الواقعة جنوبي غرناطة, ثم عبروا نهر شنيل, و اتجهوا توا إلى قصر الحمراء من ناحية التل المسمى ”تل الرحى” , الواقع غربي المدينة و جنوبي غربي الحمراء.
و سار الملك فرديناند في الوقت نفسه في قوة أخرى, و رابط على ضفة شنيل, و من حوله أكابر الفرسان و الخاصة في ثيابهم الزاهية, حتى يمهد الكاردينال الطريق لمقدم الركب الملكي. و انتظرت الملكة إيسابيلا في سرية أخرى من الفرسان في أرميليا, على قيد مسافة قريبة.
و وصل الجند القشتاليون إلى مدينة غرناطة من هذه الطريق المنحرفة نحو الظهر, و كانت أبواب الحمراء قد فتحت و أخليت أبهاؤها استعدادا للساعة الحاسمة.
و هنا تختلف الرواية. فيقال إن الذي استقبل الكاردينال مندوسا و صحبه هو الوزير ابن كماشة, الذي ندب للقيام بتلك المهمة المؤلمة, و سلم الحرس المسلمون السلاح و الأبراج. و كان يسود المدينة كلها, و يسود القصبة و القصر, و ما إليه, سكون الموت.
و في رواية أخرى أن أبا عبد الله قد شهد بنفسه تسليم الحمراء, و أنه حينما تقدم القشتاليون من تل الرحى صاعدين نحو الحمراء, تقدم أبو عبد الله من باب الطباق السبع راجلا, يتبعه خمسون من فرسانه و حشمه. فلما عرف الكاردينال أبا عبد الله, ترجل عن جواده, و تقدم إلى لقائه, و حياه باحترام و حفاوة, ثم ابتعد الرجلان قليلا, و تحدثا برهة على انفراد. ثم قال أبو عبد الله بصوت مسموع : ”هيا يا سيدي, في هذه الساعة الطيبة, و تسلم هذه القصور – قصوري- باسم الملكين العظيمين اللذين أراد لهما الله القادر أن يستوليا عليهما, لفضائلهما, و زلات المسلمين”.
فوجه الكاردينال إلى أبي عبد الله بعض عبارات المواساة, و دعاه إلى أن يقيم في خيمته في المعسكر الملكي طيلة الوقت الذي يمكثه في شنتفي, فقبل أبو عبد الله شاكرا. ثم سار في فرسانه و حشمه للقاء الملك الكاثوليكي.
و تم تسليم القصور الملكية و الأبراج على يد الوزير ابن كماشة, الذي ندبه أبو عبد الله للقيام بهذه المهمة. و ما كاد الكاردينال و صحبه يجوزون إلى داخل القصر الإسلامي المنيف حتى رفعوا فوق برجه الأعلى, و هو المسمى برج الحراسة صليبا فضيا كبيرا, هو الذي كان يحمله الملك فرديناند خلال حرب غرناطة, كما رفعوا إلى جانبه علم قشتالة و علم القديس ياقب, و أعلن المنادي من فوق البرج بصوت جهوري ثلاثا أن غرناطة أصبحت ملكا للملكين الكاثوليكيين, و أطلقت المدافع تدوي في الفضاء. ثم انطلقت فرقة الرهبان الملكية ترتل صلاة ”الحمد لله” على أنغام الموسيقى. و هكذا كان كل ما هنالك يؤكد الصفة الصليبية العميقة لهذه الحرب التي شهرتها إسبانيا النصرانية على الأمة الأندلسية, و على الإسلام في إسبانيا.
و في أثناء ذلك كان أبو عبد الله, في طريقه إلى لقاء الملك الكاثوليكي. و كان فرديناند يرابط كما قدمنا على ضفة نهر شنيل, على مقربة من المسجد الذي حول فيما بعد إلى كنيسة "سان سيبستيان”. و هنالك لقي أبو عبد الله عدوه الظاهر, و سلمه مفاتيح الحمراء.و سوف نصف منظر هذا اللقاء المؤثر فيما بعد.
و كذلك قدم أبو عبد الله خاتمه الذهبي, الذي كان يوقع به على الأوامر الرسمية, إلى الكونت دي تانديليا, الذي عين محافظا للمدينة.
و سار في صحبه بعد ذلك في طريق شنتفي, يتبعه أهله, أمه و زوجه و أخواته, و كان موكبا مؤسيا. و عرج في طريقه على محلة الملكة إيزبيلا في أرميلية. فاستقبلته و أسرته برقة و مجاملة, و حاولت تخفيف آلامه و سلمته ولده الصغير الذي كان ضمن رهائن التسليم.
و هنا تعود الرواية فتختلف اختلافا بينا. فيقول البعض إن الملكين الكاثوليكيين دخلا قصر الحمراء في نفس اليوم. و ينفي البعض الآخر ذلك, و منهم صاحب ”أخبار العصر”, و يقول إنهما لم يدخلاه إلا بعد ذلك ببضعة أيام.
تقول الرواية الأولى, إن الملكة إيزابيلا سارت على أثر استقبالها لأبي عبد الله, و انضمت بصحبها إلى الملك فرديناند, ثم سار الاثنان إلى الحمراء, بينما انتشر الجند القشتاليون في الساحة المجاورة. و دخل الملكان من باب ”الشريعة”, حيث استقبلهما الكاردينال مندوسا و الوزير ابن كماشة, و أعطى مفاتيح الحمراء إلى الدون دييغو دي مندوسا الذي عين حاكما للمدينة. و بعد أن تجول الملكان قليلا في القصر, و شهدا جماله و روعته, عادا إلى شنتفي. و بقي الكونت دي تانديليا في الحمراء مع حامية قوية من 500 جندي.
ثم عاد الملكان فزارا الحمراء زيارتهما الرسمية في يوم 6 يناير, و سارا في موكب فخم من الأمراء و الكبراء و أشراف العقائل, و دخلا غرناطة من باب البيرة, ثم جازا إلى الحمراء من طريق مرتفع غمارة, و دخلا قصر الحمراء و جلسا في بهو قمارش أو المشور حيث كان يجلس الملوك المسلمون في نفس المكان على عرشهم, على عرش أعده الكونت دي تنديليا, و هنالك أقبل أشراف قشتالة للتهنئة, و كذلك بعض الفرسان المسلمين, الذين أتوا ليقدموا شعائر التحية و التجلة لسادتهم الجدد.
و في خلال ذلك كان الملكان الكاثوليكيان قد أفرجا عن رهائن المسلمين الخمسمائة, و في مقدمتها ولد أبي عبد الله, و أفرج المسلمون من جانبهم عن الأسرى النصارى, و عددهم نحو 700 أسير رجالا و نساء. و تعهد القشتاليون من جانبهم أن يطلقوا سراح الأسرى المسلمين في سائر مملكة قشتالة في ظرف 5 أشهر بالنسبة للأسرى الموجودين بالأندلس و ثمانية أشهر بالنسبة للأسرى الموجودين في بقية أراضي قشتالة.
تلك خلاصة الرواية القشتالية عن تسليم غرناطة و مدينة الحمراء للملكين الكاثوليكيين. بيد أن هنالك رواية أخرى لشاهد عيان, كتبها فارس فرنسي كان يقاتل في صفوف الجيش القشتالي, و شهد بنفسه حفلات التسليم, و نُشِرت روايته في القرن السادس عشر ضمن مؤلف عنوانه ”بحر التواريخ”.
و هذه خلاصتها:
أن الذي أوفده الملكان الكاثوليكيان لاستلام الحمراء في يوم 2 يناير هو الأستاذ الأعظم رئيس جمعية شنت ياقب, جوتيري دي كارديناس, و ليس الكاردينال مندوسا حسبما تروي التواريخ القشتالية. و أنه تسلم القصر و الأبراج و أخرج منها الحرس المسلمين, و وضع بها الحرس النصارى, و أنه رفع الصليب الكبير فوق برج الحراسة ثلاث مرات و المسلمون من أسفل يصعدون الزفرات و يذرفون الدموع, ثم لوح بعد ذلك بعلم شنت ياقب ثلاث مرات, و نُصّب إلى جانب الصليب, و صاح المنادي بعد ذلك: القديس يعقوب ثلاثا. قشتالة ثلاثا. غرناطة لسيدنا الدون فرناندو و الدونيا إيزابيل ثلاثا.
و أن الملك فرديناند لمّا رأى الصليب و هو في جنده من أسفل, ترجل و جثا على ركبتيه, و جثا الجند جميعا شكرا لله. ثم أُطلقت المدافع ابتهاجا.
و في اليوم التالي, الثالث من يناير, سار الكاردينال مندوسا و الكونت دي تنديليا, الذي عُيِّن محافظا للحمراء, إلى قصبة الحمراء في نحو 1000 فارس و 2000 راجل و سلّم إليه الأستاذ الأعظم مفاتيح القصر و الحصن.
و في يوم الثامن من يناير, سار الملكين الكاثوليكيين إلى غرناطة, في موكب حافل من الأمراء و الأكابر و الأحبار و الأشراف, و تسلم الملكان مدينة الحمراء بصفة رسمية. و أُقيم القداس في الجامع الأعظم, و حُوِّل الجامع منذ ذلك اليوم إلى كاتدرائية غرناطة.
و في ذلك اليوم أقيمت مأدبة عظيمة في قصر الحمراء, و مدت الموائد الحافلة في أبهاء القصر العظيمة, و جلس إليها الملكان الكاثوليكيان و الأمراء و العظماء, و كانت مأدبة رائعة.
و يستخلص من هذه الرواية, التي يؤيدها مؤرخون آخرون, أن أبا عبد الله لم يستقبل الملكين الكاثوليكيين و لا مندوبيهما وقت التسليم, و لم تقع بينه و بين الكاردينال و لا بين الملكين, الأحاديث التي سبقت الإشارة إليها.
و إلى جانب ذلك يرى بعض النقدة المحدثين, أن أبا عبد الله حينما خرج للقاء الملكين الكاثوليكيين, قد فعل ذلك و هو في صحبه و حشمه فقط دون أهله, و أنه خرج يومئذ من داره الملكية الخاصة بحي البيازين, و لم يخرج من قصر الحمراء, و أنه كان يعيش في هذه الدار مع أهله و ولده مذ عاد من الأسر, حتى أعلن الحرب على الملكين الكاثوليكيين, و أنه كان يشعر و هو في هذه الدار, أنه بين أنصاره و مؤيديه, و أخيرا أنه كان قد أمر بإخلاء قصر الحمراء, و ندب من يقوم بمهمة التسليم في اليوم الثاني من يناير. و في هذا اليوم خرج في نفر من صحبه, ليقدم إلى الملكين الكاثوليكيين شعائر التحية و الخضوع, ثم عاد إلى داره فبقي بها أياما, حتى سويت مسألة مصيره مع الملكين الكاثوليكيين.
على أنه يبدو لنا من تتبع حوادث حصار غرناطة, و ما تلاه من مفاوضات على التسليم, أن الرواية الراجحة في هذا الشأن, و هو أن أبا عبد الله, حتى مع افتراض أنه لم يشهد رسوم التسليم, و لم يقم بها بنفسه, كان يقيم بقصر الحمراء, يحيط به وزراؤه و قواده طيلة هذه الأحداث الخطيرة, أو على الأقل مذ بدأت مفاوضات التسليم بينه و بين الملكين الكاثوليكيين, و مذ أبرمت بينهما معاهدة التسليم, حتى يوم الحسم النهائي الذي تم فيه ذلك التسليم, و أنه خرج في ذلك اليوم المشهود من الحمراء للقاء عدوه الظافر.و من المعقول أن تكون الحمراء قد أخليت قبل ذلك, استعدادا لتسليمها لسادتها الجدد, و ذلك حسبما يشير إليه صاحب ”أحبار العصر" .
هذا و تلقي الرواية الإسلامية المعاصرة ضوءا على دخول ملك قشتالة مدينة غرناطة, و تصفه على النحو الآتي:
”فلما كان اليوم الثاني لربيع الأول عام سبعة و تسعين و ثمانمائة (2 يناير سنة 1492م) أقبل ملك الروم بجيوشه حتى قرب من البلد, و بعث جناحا من جيشه فدخلوا مدينة الحمراء, و أقام هو ببقية الجيوش خارج البلد, لأنه كان يخاف من الغدر, و كان طلب من أهل البلد حين وقع الاتفاق على ما ذكر, رهونا من أهل البلد ليطمئن بذلك, فأعطوه 500 رجل منهم, و أقعدهم بمحلته. فلما اطمأن من أهل البلد و الحمراء, فدخل منهم خلق كثير و بقي هو خارج البلد, و أشحن الحمراء بكثير من الدقيق و الطعام و العدة, و ترك فيها قائدا من قواده, و انصرف راجعا إلى محلته…ثم إن ملك الروم سرح الناس الذين كانوا عنده مرتهنين, و مؤمنين في أموالهم و أنفسهم مكرمين. و أقبل في جيوشه حين اطمأن, فدخل مدينة الحمراء في بعض خواصه, و بقي الجند خارج البلد, و بقي يتنزه في الحمراء في القصور و المنارة المشيدة إلى آخر النهار, ثم خرج في جنوده و سار إلى محلته. فمن غد أخذ في بناء الحمراء و تشييدها, و تحصينها, و إصلاح شأنها, و فتح طرقها, و هو مع ذلك يتردد إلى الحمراء بالنهار و يرجع بالليل لمحلته, فلم يزل كذلك إلى أن اطمأنت نفسه من غدر المسلمين, فحينئذ دخل البلد, و دار فيه في نفر من قومه و حشمه
و هكذا اختتمت المأساة الأندلسية, و استولى القشتاليون على غرناطة آخر الحواضر الإسلامية في إسبانيا, و خفق علم النصرانية ظافرا فوق صرح الإسلام المغلوب, و انتهت بذلك دولة الإسلام بالأندلس, و طويت إلى الأبد تلك الصفحة المجيدة المؤثرة من تاريخ الإسلام, و قضي على الحضارة الأندلسية الباهرة, و آدابها و علومها و فنونها, و كل ذلك التراث الشامخ, بالفناء و المحو.
شهد المسلمون احتلال العدو الظافر لحضارتهم و دار ملكهم, و مواطن آبائهم و أجدادهم, و قلوبهم تتفطر حزنا و أسى…”.
#الأمة_الأندلسية_الشهيدة
#تاريخ_يكتب_بالدم_لأسبانيا_النصرانية
#النكبة_الأندلسية
#ذكرى_سقوط_الأندلس
#ماذا_خسر_المسلمون_بسقوط_الأندلس ؟
#فريق_رؤية
نشر في 01 كانون الثاني 2016