1097 مشاهدة
0
0
امتلأ قلبي بتوتر شديد عندما سمعت صوتها يُناديني في الماضي كان قلبي يختلج فرحاً كلما سمعت صوتها في أي لحظة من الليل أو النهار, لكن الآن تغير كل شيء
"حبيبتي"..امتلأ قلبي بتوتر شديد عندما سمعت صوتها يُناديني..
في الماضي كان قلبي يختلج فرحًا كلما سمعت صوتها في أي لحظة من الليل أو النهار..
كنت أحبّها..
أحبها من كل قلبي وكياني..
وكنت أعشق صوتها العذب، كلما هتف باسمي، أو همس بحبي..
أما الآن، فالأمر يختلف..
لم أشعر بها وهي تقترب مني، ولكنني حاولت تجاهل هذا، متظاهرًا بالانهماك في الرسم الهندسي الذي يفترض أن أقدّمه لرئيسي، في الصباح الباكر، ولكنني لم أستطِع السيطرة على التوتر المتزايد في أعماقي؛ خاصة عندما سمعت صوتها خلفي مباشرة، وهي تهمس:
– اشتقت إليك.
تجاهلت عبارتها مرة أخرى، لعلها تنصرف وتتركني لحالي، ولكنها واصلت، دون أن تبالي بتجاهلي لها:
– أما زلت تعمل حتى ساعة متأخرة.
غمغمت في توتر:
– المفترض أن أقدّم هذا في الصباح الباكر.
همست في نعومة:
– ولكنني هنا.
انعقد حاجباي، وأنا أقول، في توتر امتزج بشيء من الحدة:
– تأتيني دوما دون موعد.
قالت في نعومة:
– آتي كلما اشتقت إليك.
رأيتها تدور في نعومة حول مائدة الرسم، وتنحني لتلقى نظرة على الرسوم الهندسية، قبل أن تبتسم ابتسامة كبيرة، وتقول:
– تشبه فيلا أحلامنا.
في الماضي كانت ابتسامتها هذه تسحرني، أما اليوم..
"أمازلت تذكر أحلامنا"..
قالتها بنفس النعومة، فغمغمت، محاولا إبعاد نظري عنها :
– كانت مجرد أحلام.
حمل صوتها رنة حازمة، وهي تقول :
– الأحلام يمكن أن تصبح حقيقة، مع قليل من الإرادة..
نفس العبارة التي كانت ترددها على مسامعي دوما، عندما كنا معا..
نفس الرنة الحازمة في صوتها، والتي تشعرني بأنني تلميذ، يقف أمام أستاذته التي تلقنه درسا في الحياة..
"الأحلام تتغيّر، مع مرور الوقت.."
قلتها في شيء من العصبية، فاعتدلت ترمقني بنظرة غاضبة، وهي تقول:
– يبدو أنك لم تعد تحبّني.
زفرت في توتر، قائلا:
– أرجوك.. أنا منهك في عملي.
رمقتني بنفس النظرة، قبل أن تقول في شيء من الحدة:
– كنت تعدني دوما بأنك لن تحب سواي.
لم أحاول التعليق على عبارتها، متظاهرا بالانهماك في الرسم، فتابعت، وحدتها تتزايد:
– أهذا وقت الحديث عن الحب؟!
قالت في عصبية:
– كل الأوقات تناسب الحديث عن الحب.
قلت في حدة:
– وماذا عن وقت العمل؟!
مالت نحوي، على نحو ضاعف من توتري، وهي تقول:
– إنه أفضل وقت للحديث عن الحب.
كانت قريبة مني، على نحو أشعرني ببرودة في أطرافي، فاعتدلت لأبعد وجهي عنها، وأنا أقول:
– لو لم يتسلم رئيسي هذا الرسم صباح غد، قد أفقد وظيفتي.
اعتدلت بادية الغضب، وهي تقول:
– يبدو أنك قد نسيت أنني من ساعدك في الحصول على هذه الوظيفة، التي ترفض اليوم التخلي عنها من أجلي.
كنت أشعر بتوتر بالغ، كلما نظرت إليها في الأشهر الأخيرة، وعلى الرغم من هذا، فقد أجبرت نفسي على النظر إليها، وأنا أقول:
– لم أنسَ بالتأكيد، ولكن..
لم أستطِع إتمام عبارتي، فقالت في غضب:
– ولكنك نسيت بالفعل.
هززت رأسي، قائلا في توتر كاد يبلغ ذروته:
– أنت تعلمين أن الظروف كلها تغيّرت.
اكتسى وجهها بغضب شديد، وهي تقول:
– الظروف أم القلب؟!
تطلعت إليها في صمت، ودون أن أنبس ببنت شفة، فتابعت في حدة:
– إنها (بثينة).. أليس كذلك؟!
شعرت بارتباك حقيقي، وأنا أشيح بوجهي، قائلا:
– (بثينة) مجرد زميلة عمل.
خشيت حقا النظر إلى وجهها، وهي تقول:
– محاولة سخيفة.
أدرت رأسي في بطء، محاولا النظر إليها، وكل ذرة في كياني تمنعني من هذا، وحتى لساني عجز عن قول أي شيء، فأضافت هي في غضب:
– تنسى أحيانا أنني أستطيع رؤية الحقيقة.
مرة أخرى عجز لساني عن النطق، فدارت حولي بنفس النعومة، وهي تقول :
– أسلوبك في التعامل معها، ونظراتك الحالمة إليها، وصوتك المفعم بالحرارة، عندما تتحدث إليها.. كل هذا لا يوحي أبدا بأنها مجرد زميلة عمل.
غمغمت في صعوبة:
– الواقع أنني..
قاطعتني في حدة:
– الواقع أن تلك الحقيرة قد استغلت غيابي؛ لتتقرّب منك، وتلقى شباكها حولك، وتوقعك في حبائلها، وتحتل مكاني في قلبك.
غمغمت في عصبية:
– لا تصفيها بالحقيرة.
هتفت :
– أرأيت؟!
مرة أخرى أشحت بوجهي، دون أن أجيب..
كنت أعلم أنها ستكشف كذبي، مهما قلت أو فعلت..
ولم أستطِع أن أبوح لها بالحقيقة..
فأنا بالفعل غارق في حب بثينة..
غارق في عشق رقتها وحنانها وبساطتها..
أذوب مع ابتسامتها العذبة..
أهيم مع كلماتها الرقيقة الدافئة..
أعشق مجرد التواجد معها في مكتب واحد..
"لقد وعدتني بأنك لن تحب سواي"..
قالتها في ضراعة باكية، فالتقطت نفسا عميقا، في محاولة لتهدئة أعصابي، قبل أن أغمغم:
– أنت تعلمين أنني قد حاولت.
قالت في مرارة:
– المحاولة لا تكفي.
غمغمت في عصبية :
– انفصالنا لم يكن بإرادتي.
قالت في حدة:
– تعلمين أنني لم أقصد هذا.
تراجعت في أسى، قائلة:
– أنسى أحيانا.
التقطت نفسا عميقا أخر، وقلت:
– لقد احتملت فترة طويلة، ولكن من الضروري أن أواصل حياتي.
رمقتني بنظرة حزينة، وهي تقول:
– مع (بثينة)؟!
خفضت عيني، وأنا أتمتم في توتر:
– هي أو غيرها.
صمتت لحظات، قبل أن تقول في حزن:
– هي أفضل من غيرها.
شعرت بصوتها يبتعد عني، وهي تضيف:
– كانت صديقة عمري على الأقل.
بقيت صامتا، لا أحاول التعليق على عبارتها، حتى انصرفت، وأيقنت أنها لم تعد هناك؛ فالتقطت نفسا عميقا آخر، وتطلّعت إلى لوحة الرسم الهندسي..
نفس الحوار في كل ليلة..
ونفس النهاية..
أعترف أنني كنت أحبّها من كل كياني..
ولكن الحياة يتحتّم أن تستمر..
وتساءلت وأنا أعاود عملي: هل سينتهي هذا العذاب يوما، لو أنني تزوّجت (بثينة)، وواصلت حياتي، أم إن حبيبتي السابقة ستواصل زياراتها اليومية لي، منذ أن..
ماتت..
***
(تمت بحمد الله)
بقلم : د. نبيل فاروق
نشر في 18 آذار 2019