ما هي مزايا تعلم اللغات وأثره على المخ ونشاط العمليات الإدراكية، وكيف تنشط اللغات الجديدة دماغك؟
مزايا تعلم اللغات وأثره على المخ ونشاط العمليات الإدراكية
في أي عمر كان: كيف تغير اللغة الجديدة دماغك!
جميعنا يعلم بأن تعلم لغة ثانية أمرٌ رائع و صحي بالنسبة للدماغ, لكن الأبحاث الجديدة أثبتت بأن تعلمك للغة جديدة يغير فعليًا من تركيب و وظيفة دماغك, بغض النظر إن كنت ابن أربع أو أربع و ثمانون سنة!
وجد الباحثون من جامعة بين ستيت في أمريكا بأن تعلم لغة جديدة يغير فعلًا من تركيب أدمغتنا, و يزيد من فاعلية التشابكات العصبية التي تربط الدماغ بعضه ببعض, و هذا الأمر يمكن أن يحدث في أي عمر.
في أي وقت تتعلم فيه شيء جديد, فأنت تقوم بتقوية دماغك. تمامًا كما يفعل التدريب الفيزيائي في عضلاتك و أنسجتك و أعضائك, كلما قمت بتدريب أكبر لمناطق معينة من الدماغ, كلما أصبحت هذه المناطق أكثر قوة و ترابطًا.
قرر فريق البحث من جامعة بين ستيت أن يلاحظ نشاط الدماغ على عينة من المتطوعين أثناء تعلمهم للغة الصينية – الشمالية تحديداً- بينما هم من متحدثي اللغة الإنجليزية كلغة أم. قام الفريق بجمع 39 متطوعًا من مختلف الأعمار , و تم تقسيمهم إلى مجموعتين. إحداهما خضعت لدروس تعلم اللغة و الأخرى كانت كعينة ثابتة لم تخضع للدروس. استمرت التجربة لمدة 6 أسابيع. تم فحص المتطوعين بواسطة الرنين المغناطيسي الوظيفي مرتين, مرة قبل بداية التجربة, و المرة الأخرى كانت بعد ستة أسابيع أي مع انتهاء التجربة. لاحظ الفريق التغيرات الفيزيائية التي حدثت للدماغ.
بالمقارنة مع المجموعة التي لم تخضع لدروس اللغة, لاحظ الفريق عدة تغيرات تركيبية و وظيفية في أدمغة المجموعة التي خضعت لتلك الدروس. أولًا: شبكة الدماغ أصبحت متصلة بشكل أفضل, مما يعني أن أدمغتهم أصبحت أكثر مرونة و بالتالي تمنكنهم من التعلم بشكل أسرع و أكثر كفاءة.
وجد الفريق أيضًا بأن الأشخاص الذين برعوا في تعلم اللغة الجديدة لديهم شبكة دماغ مترابطة بشكل أكبر من أولئك الأشخاص الذين تقدموا بصعوبة في تعلمها, وذلك حتى قبل البدء في التجربة. عزوا الأمر إلى أن أولئك الأشخاص البارعون دأبوا على تعلم أشياء جديدة دائمًا و بالتالي فأدمغتهم مدربة بشكل أفضل من الأشخاص الذين واجهوا الصعوبات.
حدد الباحثون كفاءة شبكة الدماغ لدى المشاركين عن طريق تحليل متانة و اتجاه التشابكات في منطقة معينة من الدماغ و التي تنشط أثناء عملية التعلم. كلما زادت متانة التشابك بين كل منطقة في الدماغ و جارتها, كلما أصبحت أكثر سرعة و كفاءة للعمل كشبكة واحدة مجتمعة. أي أن يصبح انتقال المعلومات و الاستجابات بين المناطق المختلفة من الدماغ أكثر مرونة و سلاسة.
وجد الفريق أيضًا بأن المشاركين الذين خضعوا لدروس اللغة, انتهوا من التجربة و قد ازدادت كثافة المادة الرمادية, و ازدادت متانة أنسجة المادة البيضاء في أدمغتهم. المادة الرمادية هي نوع من الأنسجة العصبية التي توجد في مناطق مختلفة من الدماغ و التي تعنى بالتحكم في العضلات, أداء الذاكرة, العواطف, الإدراك الحسي مثل السمع و الإبصار. أما المادة البيضاء الخاصة بهذه الأنسجة الرمادية فهي التي تقوم بربط مناطق هذه المادة الرمادية بعضها ببعض في المخ. أي أن المادة البيضاء أشبه ما تكون بسكة القطار التي تترابط من خلالها المواد الرمادية.
في الاستنتاج الذي نشره الفريق في مجلة the neurolinguistics
أشار بأن هذا الدليل الذي توصل إليه يرسم صورة أبعد, ترتبط بشكل كبير بالمرونة العصبية الهيكلية و تأثيرها في مجالات مختلفة. و تابع بقوله بأن تعلم لغة ثانية وما تُحدثه من تغيرات في الدماغ, يمكن أن توجد في مختلف الأعمار,أطفال, شباب, أو شيوخ( التغيرات تشمل زيادة في كثافة المادة الرمادية, وزيادة جودة المادة البيضاء).
تحدث هذه التغيرات بسرعة و خلال وقت قصير من تعلم اللغة أو التدريب عليها. إلا أن مستواها يبقى مرتبطًا بعوامل أخرى وهي: العمر, متوسط الاكتساب, البراعة و مستوى الأداء, خاصية كل لغة و الفروق الفردية.
يعمل الباحثون حاليًا على الكشف عن طرق جديدة و مختلفة لتعليم اللغات (مثل: البيئة العملية ثلاثية الأبعاد), التي من شأنها أن ترفع نسبة هذه التغيرات التركيبية و الوظيفية في الدماغ.
يقول البروفيسور بينج لي ( البروفيسور في علم النفس و اللغويات و علوم المعلومات و التكنولوجيا) : النتيجة المثيرة للاهتمام فعلًا هي أن الدماغ – و بعكس ما تقول الدراسات السابقة- أكثر مرونة مما نتوقع. لازلنا نرى تغيرات تشريحية في أدمغة المتقدمين في العمر, و هذه أخبار مشجعة جدًأ لمن هم في مرحلة الشيخوخة.