الطفل على استعداد للتعاون والاستماع عندما يستشعر تفهمك لمشاعره ووجهة نظره، لكن كيف نستطيع تحقيق تلك المعادلة؟ وما هي الخطوات اللازمة لتحقيقها؟
كيف تكسب تعاون طفلك معك
إن الطفل على استعداد للتعاون والاستماع عندما يستشعر تفهمك لمشاعره ووجهة نظره.
إذن؛ كيف نستطيع تحقيق تلك المعادلة؟ نحققها بأربع خطوات:
1- نتفهم مشاعر الطفل، ونرى كيف كنا سنشعر إن كنا في نفس موضعه، ونتأكد من صحة فهمنا عبر سؤاله، (هل كنت تشعر بكذا؟ / أنت تشعر حالياً بكذا؟).
2- نتعاطف معه ونظهر له هذا التعاطف، وليس معنى هذا أننا نقر تصرفه، لكن فقط إظهار لتفهمنا لخلفية تصرفه وتفهمنا لوجهة نظره ومشاعره.
3- اجعل النقاش يملؤه الود، وإن كنت قد مررت بموقف مشابه لما مره به وشعرت بنفس ما شعر فقصه عليه.
4- تناقش معه عن كيفية حل هذه المشكلة من وجهة نظره، أو كيف يتجنب الوقوع في نفس المشكلة مرة أخرى.
كل هذا يكون مصحوباً بالحب والود والاحترام.
مثال مذكور في الكتاب:
رجعت فتاة من مدرستها تشكو للأم من صراخ معلمتها عليها.
وضعت الأم يدها على خصرها ثم قالت: بالتأكيد فعلتِ شيئاً سيئاً؟ ماذا فعلتِ؟
ردت الفتاة بغضب: لم أفعل شيئاً.
الأم بنبرة اتهام: بالتأكيد لن تصرخ المعلمة بدون سبب! ماذا فعلتي؟
الفتاة بغضب أكبر: لقد أخبرتك، لم أفعل شئ.
الأم: إذن ما العمل الآن، كيف ستتصرفين؟
الفتاة: لن أفعل شئ.
هنا تذكرت الأم الخطوات الأربعة لكسب التعاون، وقررت أن تخوض التجربة وتستعملها.
أخذت نفساً عميقاً ثم غيرت أسلوبها.
الأم بنبرة تعاطف: بالتأكيد يا غاليتي قد شعرتِ بإحراج شديد حينما صرخت في وجهك المعلمة أمام كل الفصل، صحيح؟
بدأت الفتاة تنظر للأم بتعجب وتشكك جراء تغيّر أسلوب الأم.
أكملت الأم: أتذكر حينما كنت في نفس عمرك وأثناء الامتحان قمت كي أبري قلمي وقامت معلمتي بالصراخ في وجهي أمام كل الطلاب مما أصابني بغضب وإحراج شديدين.
ردت الفتاة باهتمام: حقاً! انا أيضاً لم أفعل شيئاً سوى أنني طلبت من صديقتي أن تعيرني قلماً، شعرت بظلم شديد حينما صرخت علي المعلمة، أحرجتني أمام كل الطلاب.
الأم: أشعر بماشعرتي في هذا الوقت، إذن أخبريني في ظنك مالذي يتوجب علينا فعله حتى لا يتكرر هذا الأمر مرة أخرى؟
الفتاة: أظن أنني يجب أن أحضر معي عدة أقلام حتى لا أضطر للاستعارة مرة أخرى.
الأم: إنها حقاً فكرة رائعة.
إذا ما قارنّا الحوارين الأول والثاني سنجد تبايناً واضحاً في النهايتين.
مثال أخر:
أم تكتشف أن طفلها ذا الستة أعوام يسرق العلكة "اللبان" من البقالة.
جلست مع طفلها بمفردهما ثم أدارت معه هذا الحوار.
الأم: لقد علمت أنك تأخذ العلكة من البقالة دون أن تدفع ثمنها، (نلاحظ هنا أن الأم لم تقم بدور المحقق وتلقي عليه الكثير من الأسئلة، بل تحدثت مباشرة وبوضوح)،
ثم أخبرته أنها وهي في نفس عمره أخذت محايه "أستيكه" من المكتبة دونما تدفع ثمنها، كنت تعلم أنها يجب عليها أن تدفع الثمن، لذا حزنت بعدها بشدة وشعرت بتأنيب الضمير وعزمت على عدم تكرار هذا الفعل.
الولد: لكن صاحب البقالة لديه الكثير من العلكة "اللبان"، لن تحدث واحدة فرقاً.
أخذت الأم توضح له أن صاحب البقالة يبيع تلك الأشياء ثم يدفه من ثمنها إيجار البقالة ورواتب الموظفين ويكسب منها ما يستطيع أن يقتات به.
ثم أخبرته أنك لن تحب أن يأخذ أحد شيئاً خاصاً بك دون علمك، كذلك هذا الرجل، حتى وإن كانت الأشياء كثيرة.
أدرك الفتى هذه المعاني وأخبرها أنه لن يكرر هذا مرة أخرى وأنه سيدفع ثمن ما أخذ للبقال.
أخبرته الأم أن هذه فكرة جيدة وأنها ستذهب معه لتكون داعماً نفسياً له في هذا الموقف.
فالمناقشة بتلك الطريقة تولد احتراماً للطفل ولا تجعله في موضع اتهام أو دفاع عن نفسه، كما تساعد الطفل على فكرة التركيز على البحث عن حل للمشكلات التي يتعرض لها، كما تقوم على تفهم مشاعره وتقديرها.
"المشاعر وراء أقولنا وأفعالنا أهم من أقوالنا وأفعالنا".
يمكن بعد نهاية هذا الحوار أن نسأل الطفل (ماذا تعلمت من هذا الموقف؟)
الانتباه الى أسلوب طرح السؤال، يجب أن يكون بنبرة اهتمام وحب واحترام، لا لوم واتهام وتقريع.
الشعور بالتعاون والاحترام يقصر المسافات بينك وبين طفلك، بينما مشاعر الغضب تبعد المسافات، (كيف يقترب منك طفلك وهو يشعر بالغضب واللوم تجاهه).
مثال:
(انسكب اللبن من الطفل على الأرض)
إن تحدثت معه بلطف واحترام وسألته: في ظنك ماذا يجب أن نفعل الآن؟.
ستجد الطفل استجاب وأخبرك أنه يجب أن يمسح اللبن المسكوب، ومن ثم يبدأ في تصحيح خطئه.
بينما إن تحدثت معه بلوم واتهام (كيف لم تنتبه؟)، أو وجهت له نفس السؤال السابق ولكن بغضب ولوم(ما العمل الآن؟)، هذا سيرسل له رسالة سلبية مختلفة تماماً عن الأولى.
يجب أن تصل مشاعر الحب لأطفالنا بوضوح، أحياناً بدافع الحب تصدر منا الكثير من التصرفات التي قد يظنها الأطفال مجرد إرادة منا للتحكم فيهم وكبتهم، وهذا لأنهم لا يستطيعون أن يفسروا مشاعرنا إن لم تكن واضحه.
لذا يجب دائماً إظهار مشاعر الحب برسائل واضحة ومفصلة، ويجب إخبارهم بأسباب تصرفاتنا معهم (لقد فعلت هذا من أجل كذا وكذا)، مع التأكيد على كلمة "لأني أحبك" هكذا مباشرة وبوضوح، وتكرر هذا على مسامع الطفل دائماً حتى تصل الرسالة بشكل صحيح.
بقية الفصل الثاني من الكتاب تتحدث عن ثمانية مفاهيم هامة سنطرق إليها بإذن الله، وسنتحدث المرة القادمة عن أول أربعة مفاهيم هي:
1- الأطفال كائنات اجتماعية.
2- السلوك موجه بالهدف.
3- الهدف الرئيسي للطفل هو الشعور بالانتماء والتميز.
4- الطفل الذي يتصرف بشكل سلبي هو طفل محبط فاقد الثقة.
وهذه المفاهيم مرتبطة ببعضها.