922 مشاهدة
0
0
ليس هناك أقسى من وأد الأحلام والمواهب، آمنوا بأولادكم، ازرعوا في أجنحتهم ريشة إضافية بدل أن تقصوها، ولو كانت موهبتهم في شيء لا تؤمنون به!
هل آمنا بهم ؟!يقول أبو يوسف أشهر تلاميذ أبي حنيفة :
توفي أبي وتركني صغيرًا في حِجر أمي، فارسلتني إلى خياط أتعلم منه حرفته، فكنتُ أترك الخياط وأذهب إلى حلقة أبي حنيفة، فكانت تأتي إلى المسجد وتأخذني من يدي وتعيدني إلى الخياط، وكان أبو حنيفة يدنيني منه ويعلمني لما رأى مني من حب العلم، ولما تكرر غيابي عن الخياط، جاءت إلى المسجد وقالت لأبي حنيفة: ما لهذا الصبي من فساد غيرك، إنه يتيم يعولنا وأنت تشغله عما أرسلتُه له !
فقال لها أبو حنيفة : دعيه، إنه يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق !
فقالت له : فالوذج بدهن الفستق ذاك الذي لا يأكله إلا الخليفة، والله إنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك !
فلزمتُ أبا حنيفة آخذ عنه، حتى إذا مات رحمه الله خلفتُه في حلقته، فلما ذاع صيتي، أرسل إليّ الرشيد وولاني القضاء ! فزرته يومًا في مجلسه، فجيء له بطعام فدفعه إليّ وقال : كُل أبا يوسف ! فأكلتُ طعامًا لم أذقه من قبل
فقال لي : أتدري ما أكلتَ ؟
قلت ُ: لا
قال : هذا فالوذج بدهن الفستق !
فجعلتُ أبتسمُ، فسألني عما أضحكني، فرويتُ له قصة أمي مع أبي حنيفة
فقال : رحم الله أبا حنيفة كان يرى بعين عقله ما لا يراه الناس بعيون رؤوسهم !
إن الذي وصل إليه أبو يوسف كان بعد فضل الله بسبب إيمان أبي حنيفة به، تخيلوا لو لم يؤمن أبو حنيفة بتلميذه، وخلّى بينه وبين أمه، ما كان ليكون مصيره، على الأرجح لانتهى به الحال خياطًا في السوق، ولمات دون أن يسمع به أحد، لحظة إيمان الشيخ بتلميذه هي التي ولته القضاء، وأدخلته إلى مجلس الخليفة، وتركت لنا مراجعات أبي يوسف لشيخه، وشرحه لمذهبه، واستدراكه عليه أيضًا، ولولا هذا الإيمان بالآخر، لم يكن أبو يوسف ليضيع وحده، فقه كثير ننعم به اليوم، هو ثمرة إيمان أبي حنيفة !
إن كثيرًا من المواهب اندثرت، وكثيرًا من النبوغ تلاشى، لأنها لم تجد من يؤمن بها، ويأخذها من الدنيا ويضعها على الطريق !
يزعجني كثيرًا الأهل الذين إذا اشترى ابنهم كتابًا قالوا له: لو اشتريت لقمة تأكلها أو قميصًا تلبسه ! بدل أن يشجعوه، ويشترون هم له الكتب، يحطمون أجنحته، ويكسرون مجذافه، ثم يقولون عنه لاحقًا، إنه لا يحلق عالياً كأولاد الناس، ولا يبحر عميقًا كفلان وفلان! كيف تريده أن يُحلق وقد قصصت جناحيه، ووأدت فيه موهبة كان عليك أن تنميها له!
يزعجني الأهل الذين يحملون أولادهم على دراسة الطب أو الهندسة وهم يرغبون باختصاص آخر، أفهم تمامًا حب الأهل وأنهم يريدون لأولادهم الأفضل، ولكن من قال أن الأفضل هو ما يجني مالًا أكثر، ولماذا على الأهل أن يعيشوا حياة أولادهم بدلًا عنهم، لماذا نريد أن نسرق منهم حياتهم، ونحقق أمنياتنا من خلالهم ؟ هذه أنانية وإن كانت بدافع الحُب ولا شك عندي بوجود الحب بل والكثير منه، ولكن من الحب ما قتل !
ليس هناك أقسى من وأد الأحلام والمواهب، آمنوا بأولادكم، ازرعوا في أجنحتهم ريشة إضافية بدل أن تقصوها، ولو كانت موهبتهم في شيء لا تؤمنون به ! كلنا نعرف المتنبي ولكن لا أحد يعرف أثرى رجل في عصره!
وكلنا نعرف دافنشي ولا نعرف أشهر طبيب في عصره !
أي متعة كنا سنفقد لو أن "لوكا مودريتش" درس الهندسة بدل أن يلعب كرة القدم، ولو أن محمد متولي الشعراوي كان طبيبًا!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
5. 8. 2018
http://al-watan.com/Writer/id/10735
🌹
نشر في 05 آب 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع