Facebook Pixel
من أم ظالمة إلى مستشارة تربوية!
2939 مشاهدة
1
0
Whatsapp
Facebook Share

رأيت وتعلمت كيف ربى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة والأطفال منهم، فتحولت حياتي من أم ظالمة إلى مستشارة تربوية!

وهي هيه القصة ...

قصة نسيبة أيوبي ... من أم ظالمة ..الى مستشار تربوي

لم تكن تلك العيون البريئة ... ولا ذلك الشعر البني الناعم الذي ينزل بانسياب على وجه مدور وعينين كبيرتين .. وابتسامة تزينها براءة ومرح ونشاط ... كل ذلك لم يمنع من أن أقع تحت ظلم الضرب التربوي ... ضرب مؤلم مبرح ... يجعلني أهرب الى زاوية من الغرفة التي تسكنها أسرة مؤلفة من عشرة أشخاص ...
ذقنا فيها ويلات الفقر في الثمانينات .. بعد بحبوحة العيش ..والمنزل الجميل الكبير ...الذي كان لا يكاد يخلو من ضيوفه وموائده العامرة مما لذ وطاب ...
زاوية الغرفة تلك كنت أبثها أحزاني وآلامي ..واعانق وسادتي ... وأبكي حرقة الاهانة ...والضرب ... لأي شيء ... لا أفهم السبب ...لا احد يشرح لي ماالذي فعلت ...
المهم أنني خالفت ... ماالذي خالفت لا ادري ... فأنا فتاة طموحة منذ صغري لا أحب الخضوع للقواعد والقوانين ... حالمة نشيطة مرحة متفوقة .. اعشق القراءة ..ألملم الليرات البسيطة لأشتري كتابا ..او مجلة ...
مع كل ذنب ..أضرب عليه ... ابكي ...ثم أُضرب مرة أُخرى لأنني لم مازلت حزينة بعد حفلة الضرب ..
كم جلست في تلك الزاوية ..وأخبرت وسادتي أنني عندما أكبر ... لن أضرب ... عهدا ووعدا لن أضرب أولادي ...
سأتزوج شخصاً لا يشبه والدي ... مع أنني كنت اعشقه ..واعشق صلاحه وتلاوته وخطه الجميل وشخصيته المحبوبة ... وكنت اعذره دائما لما يفعل ... فقد تربى هكذا ... وكل الآباء والامهات ... في ذلك الزمن لم يكن لديهم وسيلة ..الا الضرب ..والهدف التأديب ...
وبما أنني طفلة عنيدة .. افعل مااريد ... واصبر واماطل واتحمل الضرب والضرب .. ثم اعاود الكرّة ..لفكرة خطرت ببالي ... لا أستسلم رغم كل الاهانات ... والدعاوي ...
فتاة كانت امي تقول لي ... انت لا أحد يقدر عليك الا ربك ...
كُسرت كثيراً ... وأُهنت كثيراً ... وأُجبرت على ترك المدرسة فقدكبرت في عطلة الصف الخامس ... وكبرت بشكل واضح ... فحرمت من الدراسة ..وصرت حبيسة البيت ..أقرأ منهاج الخامس وحدي ..الى أن أذن الله لي بالعودة مع امتحانات الفصل الاول ..وكنت الثانية على صفي ...
اجتمعت عليي المشاعر السلبية جميعها ... فقد كبُرتُ فجأة ... ومازلت أُضرب وكأنني طفلة صغيرة ..وأعيش وأُحاسب كشابة ...
لم يكن حنان الاب العصبي كافيا ليرمم جراحاتي ... ولا حنان أمي المشغولة بالخياطة لتدبر مصروف أسرة كبيرة أقعد المرض الوالد عن العمل ...
كانت تعمل ليل نهار ... لتكفينا أساسيات حياتنا .البسيطة ..
وانا أتململ من الفقر والضغط والخوف من غضبة أبي ..أو ..تفشيشة أمي من ضغط الحياة ومرها ...
وكنت أركن الى تلك الزاوية ..أحكي لها ... وأحلم ..بيوم أبني فيه أسرتي دون ضرب ...
لن أضرب أولادي هكذا عاهدت نفسي ...
دخلت الاعدادية الشرعية وتميزت بنشاطاتي ... فقد وجدت المكان الذي أخرج فيه كل نشاطي ..حفلات وتدريب وتأليف حتى أنني افتتحت اول مجلس للدعوة خاص بي وانا في الثاني ثانوي ...
وبدأت أخطط للخروج من تحت ضغوط الأسرة .. التي قد توقف فيها الضرب ... بعد الصف التاسع ... ولكن مازال الخوف يلف داخلي بكثير من الالم ... مجرد النظر في عيني والدي كان كفيلا ..بأن ... أبلل ملابسي ...
كان الخوف كفيلا ..بأن يجعلني أبكي وانا طالبة الثانوي ان سألني أحد غريب مااسمك ...
رغم نشاطي في معهدي ... الا انني لم اكن اجرؤ ان اغير طريق بيتي .. فسأجد والدي بالمرصاد ... يخاف علينا كما كان كل الاباء يخافون على بناتهم وقتها بطريقة غريبة ...
وأخيرا ..بدأت بالهرب من بيئتي ..ورُشحت لتفوقي بالتسجيل في دورات مهنية ...
كانت سبيلا ... لتغيير بيئتي أكثر واكثر ... وكان حلمي أسرة .. ابنيها ..مع زوج صالح ... دون ضرب ... فالضرب كان ... ألم ...بدني ..وروحي ..وجسدي ... ألم يجعلني اذرف الدموع .. تحسراً على نفسي ...
تعلمت الخط ... ثم دورة للخياطة ..ثم الحلاقة ... ثم .... حصلت على الشهادة الثانوية ...
وحصلت على حريتي ...
وظيفة ... ومرتب بسيط اقدر ان اصنع به مااريد ...
كل يوم اخرج فيه لجامعتي ..أعود لأجد والدي ينتظرني على الباب وقد ارسل إخوتي الذكور على رأس الشارع ... لينذرونني من شر مستطير ...
فأبي كان يخاف عليي وبشدة ..فأنا الوحيدة التي كسرت القاعدة ودخلت الجامعة بدوامها المسائي ... وكنت الوحيدة بين اخوتي واخواتي التي املك الجرأة لأخرج كل يوم ...ثم أعود لأتلقى وعدي ..ووعدت نفسي أنني لن اظلم أولادي ولن أمنعهم من الخروج والدراسة ...
ظنُّ اهلي وشكهم علمني بعد ان كبرت أن احسب حسابا لكل تحركاتي وسكناتي ...
كنت أظن أنني بشهادتي الشرعية سأكوّن أسرة سعيدة .. ولن أضرب ولن اهين ولدا ...
كنت انوي أن لا تبحث ابنتي عن زاوية ووسادة تعانقها وتبكي ..ثم تغرق بأحلام اليقظة ... للبحث عن منقذ من شباب الاسرة لحياة أجمل ...
كنت أظن وقد مضيت في طريق التعليم ... أنني لن اجد صعوبة في تربية اولادي ... وسأحيا في سلام وامان ...
خرجت من دائرة أسرتي الى عمل بسكن داخلي ... وقد بلغت التاسعة عشرة ... بعد أن اقنعت والدي ..ان هذا العمل قريب من جامعتي ومسجدي ..والعمل اصلا جزء من المسجد الذي ادرس به ...
ولما كنت أحصل على مااريد ..رغم كل شيء وبأي طريقة ..اقنعته ..ووافق على مضض فلم يعد في قدرته قدرة على تحمل نشاطي ..وقراراتي ...

وتزوجت في السنة الثالثة .. وانجبت ابنتي الاولى وقد انهيت السنة الرابعة وتخرجت ...
كانت ابنة مسالمة... مطيعة ..لينة ...
ومع عامها الثالث ... بدأت بضربها ... 😭... لم اعرف كيف أتعامل معها ...
سجلتها في روضة قريبة من عملي ... كنت اضربها ان قصرت في وظيفة ... وكنت اضرب طالباتي في المدرسة ... وجدت نفسي أكرر ذات الطريقة التي تربيت بها ...
اضربها ...ثم ابكي بحرقة ..واذكر تلك المشاعر المؤلمة التي تنتابني بعد كل ضرب ...
كرهت نفسي ... وكرهت امومتي ...وكرهت زواجي .واعتبرت نفسي أما فاشلة ...
وبقيت كذلك ..رغم ليونة ابنتي ... ولطفها ..ولكننا كأهل نحب أن يكون أولادنا في القمة ... كيف لا وانا من اوائل مدرستي ..وابنتي في الروضة تقصر في وظائفها ...
بعد اربع سنوات انجبت الثانية .. وكانت ظروفي النفسية سيئة جدا .. مشاكل في العمل ومجلس العلم ... وفي يوم الاربعين من ولادتي ... صدر قرار بفصلنا جميعا من العمل انا وزميلاتي بسبب مشاكل في الادارات ... فضعف حليبي ... وخرجت من معهدي الذي قضيت فيه سنوات مراهقتي وشبابي ...
كانت طفلتي الثانية ... صعبة المراس .. عصبية ..عنيدة ... تبكي لأي شيء ...ضربتها ...وضربتها ..واهنتها ... وفي كل مر اضربها اضرب نفسي وانا اتذكر تلك الوسادة ...
لم اجد حلا آخر ... فهي لا تفهم بسياسة ..ولا تسمع الكلام كأختها
الكبيرة التي كانت لينة ولطيفة وتسمع الكلام
وهي عنيدة نكدية ... تبكي دائما واضربها دائما ...
في الحمام عند الطعام ... كم وكم خلصها زوجي من بين يدي ...
وهي رغم كل الضرب ...لا تقبل ان تتغير وهي مازالت طفلة .. ست سنوات ... وانا اعاني ...
كنت ارى فيها وفي اختها الغباء ..رغم انهن ذكيات ..ولكن ذكاؤهن فني ..يحببن الاعمال الفنية ..والامور البعيدة عن مااحب ..
عندهن صعوبات في الرياضيات ... ولم افهم ذلك وقتها ...فكنت مع كل علامة تنقص اضربهما ... لكل أمر ... ارفع صوتي ..واصرخ ... وكيف لا أصرخ ..وقد فقدت مكان عملي ووطن كان يؤويني ..هو مسجدي وصديقاتي ...
ثم ابكي ..وابكي .. وادخل غرفة نومي ..وانا اصرخ في داخلي ... يارب
لا اريد ان اكمل المشوار بهذه الطريقة
هذه الطفلة العنيدة ... غيرت مجرى حياتي ...
كنت ارى فيها نسيبة الصغيرة ..العنيدة ... وارى نفسي ذلك الوالد الذي يحطم عنادها بالضرب ...

كلما اضربها تزداد عنادا ... وازداد اكتئابا ...
لدي القدرة على ادارة مدرسة ..ولا اقدر على ادارة طفلة ...
كمّ الفشل الذي فعلته كبير
ومرارته كانت في حلقي ...تنغص عيشي ..وتقض مضجعي ... الى ان اخذت قرارا بالبحث عن الحل ...
البكاء لن يأتي بنتيجة ...وكذلك الضرب لسنوات ..لم يغير شيئا ...
دخلت في التنمية البشرية ..تعرفت الى دورات ودورات ..
سجلت في رياض الاطفال .. تابعت مواقع النت قبل دخول الواتس والفيس عالمنا ... شاهدت برامج التربية على الفضائيات ... مثل الانسان العطشان من بئر الى بئر ...
لم اسأل أمي ..ولا خالتي ..ولا احد ..
بحثت وحدي عن حل مشكلتي ...
تعرفت الى طبيعة بناتي ...
وعرفت ماتعني صعوبة تعلم ...
بكيت كثيرا واستغفرت كثيرا ...وتبت الى الله تعالى ... كم ظلمتهن .. وقد عاهدت على ان لا اظلم ...
كم صرخت فيهن وقد عاهدت ان لا اصرخ ..
كم كسرت بخاطرهن ... وقد نويت ان لا افعل ... لكن الجهل عمى ..لا ترى من خلاله الا الظلام ...
تابعت الكثير الكثير من الدورات التربوية ...وعدت الى مكان عملي الذي فصلت منه بعد تسع سنوات من فصلي ..
عدت انسانة اخرى ... بقلب كبير ..وتفهم اكبر لانواع البشر ...
كنت كلما ازددت علما ..بكيت جهلي
ملكت قلوب طالباتي .. وزميلاتي
صارت حصتي اجمل الحصص
صرت صديقة بناتي ...
اعتذرت لهن عن اساءاتي ...
وعن جهلي ... وعن سوء تعاملي ...
وفهمت وتعلمت كيف أكون حازمة مع حنان ولطف ...
ومضيت احمل رسالة انقاذ الطفولة من جهلنا في التربية ...
أساعد الام كي تكون اما قوية حازمة حنونة ...
كانت رحلة مؤلمة ..كلما تذكرتها بكيت ... بكيت أطفالا يضربوا لجهل الاهل ...
وبكيت اطفالا يُدمروا لجهل الاهل ...
وبكيت مجتمعاً ينهار ... لجهل الأهل ...
والآن وانا جدة وحفيدتي ..كجدتها ..قيادية متميزة في الثالثة من عمرها ( وقد محينا كلمة عنيد من قاموسنا)وبدلناها بمفهوم ايجابي .

وانا حاليا ..مديرة لمدرسة فيها ٣٥٠ طالبة ... لا اربي الا بالحب ... ولا اتكلم الا بالحب ...
رأيت وتعلمت كيف ربى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة .. والاطفال منهم ...ومازلت ... الى الآن .. أضم بناتي ...ويغص قلبي ندما .. على جهلي في طفولتهم ..
ولولا قدوم ابنتي العنيدة سابقا ... القيادية حاليا ... لما دخلت عالم التربية ... وكنت سأبقى الى الآن اظن نفسي على حق ... والحمد لله اولا وآخرا ..فله الفضل والمنة .

#خطوة_تربوية

#نسيبة_أيوبي

#رحلة_تغيير_مؤلمة
بيبي حبيبي
نشر في 13 كانون الثاني 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع