Facebook Pixel
811 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

إن تفحص تجربة ألمانيا النازية يمكن أن يقودنا إلى فهم الكثير من تجارب الاستبداد المتوحش في أماكن أخرى من العالم

تفحص تجربة ألمانيا النازية يمكن أن يقودنا إلى فهم الكثير من تجارب "الاستبداد المتوحش" في أماكن أخرى من العالم، حيث تبدو المشتركات كنمط متكرر من الأحداث يجعل الأمر أقرب إلى الظاهرة.
في المانيا النازية، وقبل صعود النازية بالضبط، كانت هناك ظروف ما بعد الحرب العالمية الأولى التي انتهت بهزيمة أقرب إلى الاستسلام لألمانيا، وفرضت عليها معاهدة فرساي شروطا مهينة سلبتها جزءا من أراضيها بالإضافة إلى فرض عقوبات اقتصادية جعلت الحالة الاقتصادية في المانيا سيئة للغاية...
إذن الشعور بالإهانة والهزيمة والوضع الاقتصادي السيء كانت كلها من ممهدات انتشار النازية..علما أن الحزب النازي كان يبدو في البداية مثل " نكتة" وكانت شعبيته في انتخابات 1928 أقل من 3% وحصل على 12 مقعدا فقط من أصل قرابة 500 مقعد.
بعد عامين فقط، في انتخابات 1930، حصل النازيون على قرابة 19% من الأصوات وكانوا في التسلسل الثاني من ناحية حجم الكتل.
بعد عامين آخرين كان النازيون في المقدمة تماما، بنسبة 37% من حجم المقاعد في البرلمان..
أي أنهم انتقلوا من مرحلة " النكتة" في عام 1928 -حيث لم يكن خصومهم يحسبون لهم اي حساب- إلى مرحلة الهيمنة على المشهد السياسي خلال 4 سنوات فقط ، وباختيار مباشر حر من ناس كانوا يعرفون تماما أن التصويت للحزب النازي سيقضي على التجربة الديمقراطية حيث كان هتلر صريحا في ذلك.
مالذي يفسر ذلك؟ غالبا الشعور الجمعي بالإهانة وسوء الأوضاع الاقتصادية يقودان الناس إلى خيارات متطرفة تكون راديكالية " جذرية" في رد الشعور بالإهانة وتقديم وعود سحرية بحل مشاكل الوضع الاقتصادي...فلننتبه هنا أن الحزب الشيوعي ( حل متطرف آخر) جاء في المركز الثالث في الانتخابات، لكن الحزب الشيوعي لم يقدم "إجابة" على الشعور بالإهانة للألمان - لأنه حزب أممي أصلا - وركز على حلول الجانب الاقتصادي ولهذا أكل النازيون حصة الأسد، لأنهم خاطبوا " روح الشعب الألماني واعتزازه بنفسه".

مما يبدو ملازما للظاهرة ايضا " شيطنة" فئة معينة من المجتمع وإلقاء اللوم عليها في كل ما حدث ويحدث من المشاكل، في التجربة النازية تمت شيطنة اليهود بنجاح - باستثمار في مشاعر معادية لليهود أصلا في الكثير من المجتمعات الأوروبية تعود بأصولها إلى الخلاف العقائدي الديني الذي يجعل من اليهود قتلة للسيد المسيح وهو أمر كان موجودا في كل المذاهب المسيحية وشمل حتى قادة الإصلاح الديني حيث وصف لوثر اليهود بأسوأ الأوصاف، لكن الشيطنة النازية لليهود كانت تستثمر في بقايا المشاعر الدينية الجمعية على نحو لاديني تماما، حيث تم الترويج لأسطورة " الطعنة في الخلف" التي تقول أن اليهود الألمان طعنوا ألمانيا في الظهر أثناء الحرب العالمية الأولى وتسببوا بهزيمتها وهو أمر لم يكن واقعيا ولم يجد أدلة تسنده على الإطلاق ( عدد القتلى من الجنود اليهود في الحرب في الجانب الألماني كانت مساوية لنسبتهم في الفئات الأخرى) كما أن الكثير من الأدبيات اليهودية في فترة الحرب تشير إلى الولاء المواطنين اليهود لألمانيا آنذاك..الشيء الوحيد الذي يمكن أن يكون ملموسا هنا هو أن قادة الحزب الشيوعي الألماني كانوا من اليهود في غالبيتهم، وكانت الآيديولوجية الشيوعية تقدم باعتبارها مهددة للمجتمع الألماني ولكن تم ربطها -في هذا السياق- باليهود أكثر من ربطها بالآيديولوجية نفسها.
ويبدو اتهام " أقلية" في المجتمع بكونها السبب في المشاكل الاجتماعية أمرا مريحا أكثر بكثير من مواجهة الأسباب الحقيقية للمشاكل، بالضبط كما يحدث اليوم مثلا مع المهاجرين في الكثير من البلدان، حيث يسهل اتهامهم بكونهم السبب في البطالة أو غيرها من المشاكل الاقتصادية رغم أنهم عادة يقبلون بوظائف لا يقبلها سواهم / أو يحصلون على وظائف تحتاج إلى مؤهل عالي لا يملكها أغلب العاطلين عن العمل.
من السهل جدا ملاحظة وجود استهداف لفئات معينة كي تشيطن وتتوجه المشاعر المعادية لها كي تفرغ من أثر الحنق والنقمة العامة...من السهل اتهام " الشيعة" أو " السنة" أو " العلويين" أو " الأقباط" بكل مشاكل يعاني منها المجتمع على نحو يفرغ المشاعر السلبية العامة تجاه هذه الفئات ويبعد عن مواجهة المشاكل الحقيقية.

من ملازمات الظاهرة ايضا وجود شخصية زعامية تتوجه لها الجماهير باعتبارها المخلص من كل الخراب، هذه الشخصية الزعامية لا يشترط أبدا أن تكون موافقة لفكرتنا عن الكاريزما القيادية، بل يمكن أن تبدو عصابية أو مضحكة، ورغم ذلك تجد صدى واسعا وقبولا عند الجماهير، هتلر يبدو اليوم في خطاباته عصابيا بوضوح ، لكنه كان يبدو كذلك أيضا بالنسبة لكثيرين آنذاك ايضا، ولهذا لم يأخذه منافسوه بشكل جدي في البداية، لكن الجماهير ذابت حبا فيه على نحو " تعبدي" ...
العقل الجمعي يعمل أحيانا على نحو مختلف تماما عن بديهيات المنطق...ليس هتلر وحيدا في ذلك، عصابي بوضوح لكن الجماهير - أو على الأقل نسبة مهمة منها - ذابت حبا فيه..
ألمانيا لعبت دورا مهما جدا في نهضة أوروبا وفي تنويرها الديني، منها خرج لوثر مؤسس البروتستانتية..ومنها خرج أهم فلاسفة أوروبا..
لكن هذا لم يمنع الألمان من الدخول في التجربة النازية، التي قادت ألمانيا 12 عاما فقط، لكنها تسببت بمقتل قرابة 60 مليون شخص في العالم.
د.أحمد خيري العمري
نشر في 05 آب 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع