Facebook Pixel
أعراض الأمة في الإسلام
1587 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

من الأعراض التي سنتكلم عنها من كتاب الإسلام والطاقات المعطلة للكاتب محمد الغزالي، ومن أهم القضايا في المجتمع البذل والعطاء والتعاون

كتاب : الإسلام والطاقات المعطلة - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 15 ] : أعراض عامة (2 من 2)

• أين البذل؟

وهناك أعمال عظيمة تموت لأولى عهدها بالحياة، أو تموت وهى فى ضمير الغيب، لأنها لم تجد العون المادى الذى يمسكها وينميها.

وما أكثر الطاقات التى ماتت فى مهدها، كما يموت الزرع جفافا لانقطاع الماء عنه..
وكان المفروض على أصحاب المال أن يسارعوا إلى استحيائها بما آتاهم الله من فضله.

لكنهم ضنوا بما لهم فى وجوه الخير، وكبوه فى وجوه الشر! فعليهم وزر ما ضيعوا من مصالح الأمة، ثم وزر ما جروا عليها من معاطب..!!

لقد تحول المال فى أيدى هؤلاء الأشحاء إلى لعنة شاملة، بدل أن يكون بركة ينتفعون بها وينفعون..!

ترى هل استفاد الأغبياء من هذا الشح المطاع والهوى المتبع؟ كلا، إنهم اختنقوا فى ثرواتهم كما يختنق الغريق فى اللجة، وسلط الله عليهم من حصدها، وحصدهم معها...!!!

وصدق الله العظيم (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ).

وان المرء لتأخذه الحسرة إذ يجد أغنياء المسلمين أبطأ الناس فى أداء حق وسداد ثغر...!

وأن الخلف منهم لا يعتبر بما صار إليه السلف من بوار!! وبينما تعتمد عشرات الجامعات والمستشفيات ومعاهد التبشير، ومصادر البر على منح وصدقات أهل اليسار من اليهود والنصارى، تجد أغلب أغنياءنا فى أكثر الأقطار صيادى لذائذ، ورواد آثام...!

ومعظمهم ينتسب للإسلام زورا، وباطنه خرب لا أثر فيه لدين!! لكن البذل ليس مفروضا على هؤلاء الأغنياء وحدهم.

فإن الله اشترى من المؤمنين جميعا أنفسهم وأموالهم..

ولو بقى باعث الإسلام قويا كما كان فى الأجيال الأولى لترعرعت مئات المؤسسات بنفقات الطبقات الوسطى والدنيا...!

• وأين الأمانة؟

وأعنى بها أول ما أعنى قيام كل إنسان بما كلف به، وإنجازه ما تعاقد مع الدولة والجماعة على إتمامه...!

يا غوثاه من الخيانات الفاشية فى هذا الميدان!!! إنها خيانات لو سلطت على بناء شامخ لسوته بالحضيض.

الغيرة على المصلحة العامة مفقودة بين عدد ضخم من الموظفين والعمال، بل إن الإحساس بحق الجماعة على الفرد، إحساسا يصل بالإنتاج إلى مستوى معقول، لا يكاد يوجد..!

فأنى ننتظر الإجادة والتفوق...!؟؟

وأستطيع القسم بأن العدد الكثيف من الموظفين والعمال الذى يعمل فى الجهاز الحكومى يستطيع ـ لو نبت شعور الأمانة فى قلبه ـ أن يؤدى للدولة عشرة أضعاف ما ينتجه الآن، وأن يمنع من الخسائر مثل هذه النسبة..!!

ولكن الأمانة ترتكز على اليقين.

وأين تجده وسط العواصف والزلازل التى تهز الإسلام بعنف، وتخلع عراه من الأفئدة؟
ندى أمين يقدر الواجب، ويتحمس فى أدائه و أشرف من مائة جندى ليسوا على غراره...!

طبيب أمين يسهر على مرضاه، ويخلص فى رعايتهم، أفضل من مائة طبيب يمرون بالأسرة فى فتور واسترخاء...!

مدرس يسكب العلم من قلبه فى نفوس طلابه، ويحرص على حسن تنميتهم، أنفع من مائة مدرس يدخلون الفصول ليرددوا كلمات ميتة يائسة...!

مهندس أمين يعى ما يصنع، ويبذل وسعه فى إتقانه، أجدى على أمته من مائة مهندس يحيا على هامش البلد، ويترك شئونه العمرانية تسير كيفما اتفق...!

ويطرد هذا الحكم على كل إنسان تستعمله الدولة فى منصب جل أو هان...!

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا إيمان لمن لا أمانة له ".

وإذا كان الإيمان يتلاشى مع فقدان الأمانة، فإن الدنيا نفسها تذوب مع ضياع الأمانة، ويتصدع كل ما يرتبط بها من منافع عاجلة.

ومن الخيانات الثقال التى تقع فى الأمة الإسلامية تكبير الصغار، وإسناد المناصب الخطيرة إليهم!! وتصغير الكبار، ورميهم فى مؤخرة الصفوف..!!!

فإن الجاهل إذا ملك سلطة ما، عبث بأولى الألباب الواقعين تحت يده، كما يعبث الصبية بما بين أيديهم من لعب..

ولعله يجد فى ذلك لذة ترضى ضعة نفسه، ولا عليه من مصلحة أمته!! وبالله! كم يحرمها ذلك من خير أجل الكفايات، وينكبها بشر أتفهها...!

وقديما قال أبو العلاء: تعد ذنوبى عند قوم كثيرة ولا ذنب لى إلا العلا والفضائل كأنى إذا طلت الزمان وأهله رجعت وعندى للأنام طوائل وفى دنيا الوظائف كما فى دنيا الأعمال الحرة تقع هذه المفارقات المثيرة.

غير أن حياة الدواوين أحفل بتلك المناكر، لأن آثار الفوضى إذا ظهرت فيها أو استكنت لا تجد من يأسى عليها!! ومنذ سنوات وقعت لى حادثة مضحكة، فقد قررت هيئة الإذاعة نقل الخطبة إلى مستمعيها من الجامع الأزهر ـ حيث أصلى الجمعة ـ واتصلت بوزارة الأوقاف لترسل لها صورة النص المعد.

وكلفتنى الوزارة بكتابة الخطبة المطلوبة، فصغت مطلعها على هذا النحو ـ بعد الديباجة ـ.
أما بعد..

فقد قال مؤرخ أوروبى كبير: إن العالم لم يعرف فاتحا أرحم من العرب.

وهذه كلمة حق أملاها الإنصاف وجانبها الهوى...!

فإن المتتبع لأحوال الفاتحين فى التاريخ القديم والحديث، يجد زحوفا أطلقها من مواطنها الطمع وحف مسيرها البغى، وصحب انتصارها الويل للمغلوب، والقهر للمستضعفين.
فكانت هذه الزحوف بلاء على الناس، ودمارا لما عمروا...!

أما العرب الذين طلعوا على الدنيا منذ أربعة عشر قرنا، وانسابوا خلالها شرقا وغربا، فقد كانت زحوفهم طرازا آخر من الفتح لم تعرف الأرض له مثيلا.

لقد طلعوا وكأنهم الأشعة البازغة بعد ظلام موحش طويل....! ... الخ.

وعرضت الخطبة على من ملكته الظروف حق المحو والإثبات فى وزارة الأوقاف! فأمسك بقلمه وضرب خطوطا على هذا الكلام كله رافضا له...!

وكتب بدله هذه العبارات:

أما بعد: فقد قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
عباد الله: الإسلام دين الرحمة العامة، الرحمة بالإنسانية لا تفرق بين دين ودين، ولا بين قبيل وقبيل، رحمة بالحيوان لا تفرق بين قوى وضعيف، يقول "ص" :"الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" .. و قد غزت رحمة الإسلام اليلاد و نعمت بها الشعوب....

و أحسست دهشة و أنا أرى هذا التبديل..

و قلت: أمثلي يرمي بكلامه و أسلوبه، ليجاء عوضاً عنه بهذا المطلع الذي لا جد فيه غير كلام الله و رسوله "ص" و هو مالم أنس إثباته؟

إذغ وصف الطائي بالبخل مادر * وعير قساً بالفهامة باقل
و قال السها للشمس: أنت ضئيلة * وقال الدجا للصبح: لونك حائل
و طاولت الرض السماء سفاهة * و فاخرت الشهب الحصى و الجنادل
فيا موت زر ان الحياة ذميمة * و يا نفس جدي، إن دهرك هازل
و لم أطلب زيارة الموت – كما فعل المعري- فقد كان الأمر أهون..!

و إنما الذي آسفني أن تسير الأمور على هذا النحو. رمزاً لوأد أي مقدرة وشحا عليها بالظهور...

و لقد خيل إلي أن مخترع القنبلة الذرية لو كان بيننا لدفنه في أودية الإهمال رئيس جاهل، يسفه جهوده و يحقر محاولاته.

و هل تذوي الكفايات إلا في تلك البياءت؟

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم * ولا سراة إذا جهالهم سادوا
تبقى الأمور بأهل الرأي ماصلحت * فإن تولت فبالأشرار تنقاد...!

• هذا الغش العام:

و اصطياد الحياة من أي ناحية.. و بأي أسلوب رذيلة شائعة بين الذين يعيشون في القمم و الذين يعيشون في السفوح.

أن الغالب على الشخص- و هو ينطق في الحياة – الحرص على منفعته الخاصة و تحصيلها بإشراف نفس و شدة نهم ....

و قصة أن "الحلال ما حل في اليد" تهيمن على مشاعر كثيرة.

ونشأ عن ذلك تيار يزين الأخذ، ويكره العطاء، ويغرى بأداء الأعمال مشوهة أو ناقصة أو مغشوشة...!

والغش فى كل شئ طبيعة الأمم المنحطة...!

وربما وقر فى الأذهان أن الغش لا يعدو خداع المشترين بإيقاعهم فى سلعة خفية العيوب لقاء ثمن كامل.

وهذا غلط: فإن الغش يتجاوز هذا النطاق إلى كل عمل خلا من الكمال، وكان يجب أن يؤدى على خير وجه ما دام صاحبه قد تناول ثمنه كاملا.

والحق أن الذين يعيشون على هذا النحو إنما يأكلون أموال الناس بالباطل ويسيئون إلى الأمة ورسالتها أبلغ إساءة.

وهم ـ مهما خدعوا أنفسهم ـ آكلوا سحت وأعداء أمة.

إن الإسلام لا يقبل من المكاسب إلا ما كان طيبا بعيدا عن الشبهات. ولا يقر من المعاملات إلا ما كان واضحا بعيدا عن التغرير والتدليس.

وبعض الناس يوسوس له الشيطان أن يكتسب من المال عن أى طريق تيسر له. ولا يبالى فى معاملته للآخرين أن يخدعهم أو يغشهم.

وقد يظن ذلك مهارة وذكاء. وهو فى الحقيقة مكر سئ وتفكير خبيث.

وقد بين النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ عواقب هذا السلوك فقال " من غشنا فليس منا، والمكر والخداع فى النار " نعم: المكر والخداع فى النار.

ربما حصل الماكر على ربح عاجل، وربما استطاع المخادع أن يفوز فى الجولة الأولى بيد أن حبل الكذب قصير.

ولابد من فضيحة فى الدنيا أو الآخرة تجلب على الغاشين العار وتجعلهم حطبا للنار وبئس القرار.

إن الغش رذيلة خطيرة النتائج بعيدة الآثار.

والغاش قد يستهين بعمل تافه يرتكبه لأن شهوة الربح الحرام قد غطت فكره.

ولكنه لا يدرى كم سيجلب على الآخرين من شقاء بسوء تصرفه.

فالمقاول الذى يغش فى مواد البناء أو مقاديرها يكسب مقدارا من المال قل أو كثر، ثم بعد أن يسكن الناس فى المبنى يتعرضون للأخطار التى تعكر صفوهم أو تحترم آجالهم.

والمصانع التى تشوب الطعام أو الدواء بما ليس منه وتعرضه فى الأسواق على أنه سلعة كاملة الخصائص نقية الأوصاف، تعرض الصحة العامة لبلاء بعيد المدى، وتصيب الجمهور المسترسل الخالى الذهن بمتاعب شتى.

وأشنع من ذلك أن تصدر البلاد إلى الخارج بضائع معينة معروفة الميراث محترمة السمعة، ثم يفاجأ المشترون بعيوب تظهر فيها تبخس قيمتها وتحط مكانتها.

ولا ريب أن البلاد لا تحصد من وراء الغش إلا محو الثقة بمادياتها ومعنوياتها جميعا، وانتشار قالة السوء عنا فى كل مجال، وتعرض المحسن والمسيء والأمين والخائن، والجاد والمقصر للاتهام المدمر، وينشأ عن هذا أن تكسد سوقنا، وترجى بضائعنا، وينصرف الناس وهم معذورون عن شرائها.

وأنكى من ذلك أن ديننا نفسه سيصيبه رشاش من هذا الغش البين فيصد الناس عنه.
وقد يسخرون منه.

وهذا هو السر فى أن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ نفى الغاشين من المجتمع الإسلامى وعدهم خونة له.

وخارجين عليه، وجمعهم مع المارقين المحاربين فى سلك واحد، فقال عليه الصلاة والسلام: " من حمل علينا السلاح فليس منا. ومن غشنا فليس منا ".

وقد كان النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرقب الأسواق التجارية. ويتتبع مسالك التجار وأحوالهم، ويوصى بالصراحة فى المعاملة، ويحارب الغش والتغرير والمخادعة، ويؤسس قواعد الاقتصاد الإسلامى على الأخلاق الشريفة والإيمان الراسخ بالله واليوم الآخر.

عن قيس بن أبى غرزة رضي الله عنه قال: " مر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ برجل يبيع طعاما فقال: " يا صاحب الطعام. أسفل هذا مثل أعلاه؟ فقال: نعم يا رسول الله ـ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " من غش المسلمين فليس منهم".

وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت بللا فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله- يعنى المطر!! قال: " أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس.. من غشنا فليس منا ".

وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السوق فرأى طعاما مصبرا، فأدخل يده فأخرج طعاما رطبا قد أصابته السماء فقال لصاحبه: ما حملك على هذا؟ قال: والذى بعثك بالحق إنه لطعام واحد .
قال: " أفلا عزلت الرطب على حدته واليابس على حدته فتتبايعون ما تعرفون..؟
- من غشنا فليس منا ".

وحدث أن أحد الناس اشترى ناقة من دار واثلة بن الأسقع أعجب بها.
فلما خرج ومعه الناقة تبعه واثلة مسرعا يجر إزاره وقال له: اشتريت؟ قال: نعم.
قال: أبين لك ما فيها.
قال الشارى: وما فيها؟ قال: أردت بها الحج.
قال: فأرجعها فهى لا تصلح لك.
فقال المشترى: ما أرغب فى إعادتها.
فقال له واثلة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحل لأحد يبيع شيئا إلا بين ما فيه. ولا يحل لمن علم ذلك إلا أن يبينه.. ".

وفى رواية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من باع عيبا لم يبينه لم يزل فى مقت الله. ولم تزل الملائكة تلعنه ".

سواء أكان العيب عن غش متعمد. أو إهمال وتكاسل. فهو لا يجوز شرعا فالفلاح الذى يعبئ القطن فى أكياس مبتلة بالماء أو ملوثة بالمواد، فهو يرتكب جرما شنيعا فى حق الأمة وثروتها، وحاضرها ومستقبلها...!

عن جرير بن عبد الله: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة.
وأن أنصح لكل مسلم.

وكان إذا باع شيئا أو اشتراه قال لصاحبه: أما أن الذى أخذناه منك أحب إلينا مما أعطيناك.
فاختر.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم. ومن لا يصبح ويمشى ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم".

• أين التعاون؟

ومن أغرب الظواهر فى مجتمعنا أن يكون الإنسان وحده قويا متحمسا، فإذا التقى بثان وثالث، وتألفت منهم " لجنة " ما، هبط مستوى القوى إلى النصف أو الثلث.

وربما كان هذا الالتقاء سببا فى توقف العمل وعطب ثماره!! وقد قلت يوما لصاحب لى: ليس هنا تعاون على بر وتقوى. ولا تعاون على إثم وعدوان!!

قال: إذن ما هنا؟ قلت: كأن حريقا اندلعت نيرانه، وكل امرئ يفر من لفحه، ويحث الخطا بعيدا عنه ونجاة بنفسه...!!

الميادين والشوارع ملأى بأناس يجرون فى كل ناحية، ما يفكر أحدهم إلا فى غايته، وما يحس إلا حاجته، وما يعنيه من شئون الآخرين قليل ولا كثير!!؟ الأثرة تكاد تحطم كل خلق وكل مسلك..
وما بهذا تقوم أمة أو تستقيم حضارة...!!

وقد تأملت فى تعاليم الإسلام فوجدت الدعامة الأولى فى بناء أمته هى الأخوة..

الأخوة التى تخلع الإنسان خلعا من نطاق الأسرة، وتدفعه دفعا إلى الامتزاج بغيره، ومخالطته فى السراء والضراء، والتكاتف معه على الشدة والرخاء (والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم).

وانظر إلى المثل الذى ضرب لهذه الجماعة المؤمنة (كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه ..).

وقد بدأ الإسلام فجعل الجوار الحسن أول تشابك للخيوط التى تنسج الأمة، وتمتد بها لحمتها وسدادها.

وللجوار حقوق عظام نزل جبريل من الملأ الأعلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصى بها ويوثق عراها..

، وإن كنت اليوم ترى العمارة الكبيرة فيها عشرات الأسر متجاورة.

وأحسن أحوالها أن تغلق كل أسرة بابها على نفسها، فما تحب أن يعرفها أحد، أو تعرف أحدا..

وقد تجمع بينهم المصادفات فى تلاق عابر، حسبهم منه السلام المؤدب!!.

هذه أحسن الأحوال...! على طريقة الشاعر:

إنا لفى زمن ترك القبيح به .. من أكثر الناس إحسان وإجمال.!

أما فى أغلب الأحوال فأفئدة مطوية على الضيق، ومشاكسات يكفكفها العجز أو اليأس، ولو بلغت مداها لتدخلت الشرطة لفضها...!

التعاون قانون إنسانى لتحقيق النفع ومنع الضرر.
ولو عشنا بمنطق الغرائز الحيوانية التى تسعى وراء أكبر مقدار من الخير الخاص، لكان التعاون أيسر السبل لنفع الفرد وحده، ورد البلاء عنه.

لذلك كان ترك التعاون يتضمن من غباء الفكر مثل ما يتضمن من ضعف الخلق...!

وقد بلغت الإنسانية فى العمران طورا يكاد يلغى الجهد الفردى المبتور، ويبنى كل شئ على تشابك القوى، وتساند الهمم، والاشتراك فى الغراس والثمار على سواء..

وخير للمسلمين أن يستوحوا من دينهم الروح الملهم والنصوص الموجهة، تلك التى تصوغ مجتمعهم صياغة جديدة، أساسها التعارف لا التناكر، والتجمع لا التفرق...!

وعندئذ يكون التعاون بجميع مظاهره الإيجابية، فى الاستهلاك، والإنتاج فى الماديات والأدبيات، سبيلا لدعم كيانهم وإحاطته بسياج حصين...!

• الإختلاف:

الفرقة فى حياة المسلمين وتاريخهم، داء خبيث الجرثومة مشئوم البداية، مقبوح الخواتيم...!والسعى للخلاص منه واجب فى عنق كل مخلص لله ورسوله، ناصح لهذه الأمة، حريص على مستقبلها...!

ونحن نعرف أن هناك خلافا بين الأفكار والأحكام والمذاهب يشبه الخلاف الطبيعى القائم بين الألسنة والألوان.

وهذا خلاف لا يحذر، ولا ينبغى أن يكون مصدر قلق...! بل هو من آيات الله الداعية إلى التأمل والإعجاب، لا إلى القلق والاضطراب....!!

إن الشاعر ينظر إلى الحقل ليقرأ فى سطور النبات آيات الجمال، ثم تسبح نفسه وراء خيال رقيق، يصوغه فى كلم أنيق...!

على حين ينظر علماء الحياة إلى الحقل نفسه فما يحس أحدهم شيئا مما قاله الشاعر.
إنه مشغول بالتربة وعناصرها، والعيدان ومقدار ما حوت من ماء وألياف، والثمار ومدى ما اختزنت من نشا وسكر.....!! الخ.

إن الله عز وجل خالف بين الملامح النفسية والفكرية للناس بقدر ما خالف بين ملامحهم البدنية وقواهم المادية.

ولا شك أن هناك معانى عامة يشترك الكل فى وعيها، ولكن من العبث إنكار أثر التفاوت العقلى والعاطفى فى طبيعة الإدراك وأسلوبه...!

إن هذا واقع لا مفر من الاعتراف به....!

ففي قضية الأسرى ببدر اختلفت أحكام الصحابة باختلاف أمزجتهم حدة وهدوءا، وفى الصلاة ببنى قريظة اختلفت أحكامهم بين وقوف عند ظاهر النص، أو تمش مع فحوى الكلام...!

وكان هذا الاختلاف كله شيئا لا يحقر أصحابه، ولا يحرجون به.

ونحن لا نخشى مثل هذا الاختلاف ولا نحاول منعه...! ولا نتتبع عثرات الناس فيه إذا عثروا...! بل نتعاون على بلوغ الحق قدر ما نفهم ونطيق، والله حسبنا.

أما الخلاف الذى نبغض، ونعوذ بالله من شروره، ونهيب بكل تقى أن يطفئ ناره، فهو الخلاف الذي يخالطه الهوى، وتصحبه الشهوات، وينفخ فيه الشيطان...!

ويغلب أن يكون هذا الخلاف على الاستئثار بالسلطة، أو على الانتفاع بالحكم.

وهو ـ كما رأينا ـ ينشأ علي الدنيا، ثم تلتمس له الأسباب والمسوغات من الدين، لكى يكون خلافا إسلاميا لا شخصيا!! وربما نشأ هذا الخلاف دينيا فى مهده...!

ثم تتدخل الحزازات والشهوات فتوسع هوته، وتضاعف شرته، وترتب عليه من النتائج ما لا يجوز فى دين ولا عقل.

وقد رمقت ما شجر بين المسلمين من خلافات دامية، فلم أر هنالك علة دينية محترمة تذكر لتبرير هذه المجازر، واستبقاء هذه الفرقة.

فى يوم واحد، سقط ثمانية عشر ألف قتيل فى معركة بين الشيعة والسنة دارت رحاها بآسيا الصغرى....!

بالله!! لم هذا الجبل المركوم من جماجم الضحايا؟ إن هؤلاء القتلى الأبرياء الذين سقطوا من الفريقين سوف يحاسب عنهم نفر من الحكام الجائرين...!

وغريب أن يختفى هذا النزاع السياسى وراء ثوب التدين...!!

ما دخل الدين فى هذه المعارك.؟

لقد خدع العامة من الشيعة فقيل لهم: إن أهل السنة يكرهون قرابة رسول الله ويبغضون آل البيت...!

وخدع العامة من أهل السنة فقيل لهم: إن الشيعة زعموا عليا أحق بالنبوة من رسول الله، وأنهم يتبعون قرآنا غير الذى بأيدينا..

وتلك المزاعم كلها افتراء...! فالمصحف الشريف لا يختلف عليه شيعى أو سنى، وليس هنالك مصحف فى بلاد الإسلام كلها يخالف مصحفا آخر من القرن الأول إلى هذا اليوم.
ومحمد هو وحده الرسول، وهو أفضل الخلق عند المسلمين قاطبة، ما يدانيه فى مرتبته أحد.. وأهل بيته موضع الإعزاز والتجلة ما يفكر فى كراهيتهم مسلم.

وإذا تركنا هذا اللون من الفرقة وجدنا بين المسلمين مناوشات جنسية أخرى لا سناد لها إلا دعوى الجاهلية، فالإسلام لا يعرف فروقا بين أبنائه من الهنود، والأتراك، والفرس، والعرب، والبربر..

بيد أن أصحاب المطامع لا يبالون فى سبيل تمزيق الأمة الكبرى بإثارة نعرات لا تخدم الجماهير، ولا يصلح بها الدين، ولا ينتفع بها العالم...!

إنما هى ستار لمجادة شخصية، وحماقة عنصرية، وتلك كلها ويلات تقع على رؤوس الجماهير وتشقى بها قضايا الإيمان.

عندما يصاب الجسم بسرطان الدم يقع بين الكرات البيضاء والحمراء نزاع عنيف، فيلتهم بعضها بعضا، ويأخذ الجسم طريقه السريع إلى القبر.

وعندما تصاب الأمة بداء الفرقة يقع بأسها بينها، ويتحول كل حزب إلى مكايدة الآخر وإيذائه، وينحدر الكيان كله إلى الموت!! فلا جرم أن معظم القربات عند الله تجنيب المسلمين هذه الكوارث، والتقريب بين أفرادهم وجماعاتهم، وإصلاح ذات بينهم حتى يلتقوا على غايتهم العظمى، ويؤدوا فى العالمين رسالة الإسلام.

• الصلاة:

نحن نؤمن بقيمة التوفيق الإلهى، وروعة الإمداد الأعلى!! ونعتقد أن الناس يوفرون على أنفسهم متاعب اللف فى الطرق الضالة والتعرض لوعثائها، وأذاها.. عندما يطلبون من الله بين الحين والحين أن يسدد خطاهم ويصون وجهتهم...!

ولن يأتى على الناس يوم يستغنون بعزائمهم ونشاطهم عن الله جل شأنه كلا.
إن حاجتهم إليه ماسة، وملحة، ودائمة..!!

وكما تحتاج أبدانهم إلى وجبات الطعام كى تحيا، تحتاج أرواحهم إلى أوقات الصلاة كى تصفو وتزكو وترشد...! (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).

وقد حضرت الأحفال التى أقامها زوار القاهرة من القساوسة الأمريكيين واستمعت إلى الخطب التى ألقوها، وراعنى أن القسيس الشاب الذى يتحدث باسم قومه قال فى نهاية كلامه: فلنصل لله الآن كى يبارك جمعنا، ويصلح عملنا...!

وتلا الرجل بعض الأدعية المأثورة لديهم.

وقد قارنت بين هذا القسيس الأمريكى الناشط الذكى، وبين طوائف المثقفين من شبابنا الذين يستحيون من إقامة الصلاة، وعرفت مدى الهاوية التى سقطنا فيها، وحرمتنا من رعاية الله بعدما أبنا بسخط عباده وازدرائهم.

إن الصلاة عندنا حرفة بعض الكسالى، أو مسلاة من تركوا وظائفهم، ووجدوا فى المساجد متسعا لهم...! أو عادة أقوام يخلطونها بسلوكهم لا لتطهره، بل لتستره.

وقلما يكون اتجاه العبد المنيب إلى خالقه الكبير، استدامة لذكره فى مواطن الغفلة، وإقرارا بشكره على ما أسدى من جميل..

والصلاة فى زماننا هذا معزولة عن حياة الكبراء فى الجملة. وقد تركها جمهور الشباب والمتعلمين والأغنياء والقادرين.

لقد استغنوا عن الله فاستغنى الله عنهم...!

ولا أدرى! بم ننشد فضل الله، وبره، ونصره، ونحن على تلك الحال الكنود؟ إننا لو وصلنا الليل بالنهار دأبا، ثم حرمنا عناية السماء، فلن نحصد من تعبنا إلا البوار..!

ولنعلم أن إضاعة الصلاة، واتباع الشهوات، أمارة على انحطاط الأمة وسوء مصيرها.

قرأت وصفا لرواد المساجد فى هذه الأيام جاء فيه: " الناس فى الميادين والطرقات ألوف ومئات يزحمون المسالك، ويعمرون القهوات، ويطيلون الوقوف والمرور، حتى كأنهم فى موكب أو عيد.

والمسجد ـ ضاقت رحابه أو اتسعت ـ لا تشغل منه إلا صفوفه الأولى، أما جنباته فهى فراغ ووحشة...!

والذين يقفون للصلاة قلة لا يعيينى حصرهم، ولا التفرس فيهم، هم بين شيخ فان، وفقير بائس..!!

رأيت الذين نهضوا للصلاة ممن مسهم ضر الهرم وضر الفاقة..

معمر قوست ظهره السنون فلا يستوى قائما أو راكعا، وضرير قادته العصا فى نور من قلبه أو من صحبه، ومرتعش لا تستقر يده على حال، ومقعد لا يقوى على قيام أو استواء، وضعيف إن ركع أعياه السجود، وإن سجد أضناه الرفع..!!

ثم هذا بواب العمارة فأين صاحبها، وأين ساكنها؟؟ وهذا سائق السيارة فأين راكبها الذى يختال بها فى مواطن اللهو والزهو والضلال؟ وهذا ساع أو حاجب فأين المدير؟ وأين المراقب؟ وهؤلاء الفانون الذين تلهث أنفاسهم من كر الدهور، فأين الشباب الأقوياء الأصحاء المفتولو السواعد؟ ".

يا قومنا ما هذا الذهول، يا قومنا أين تذهبون؟؟ (يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم * ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين).

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالي
#الإسلام_والطاقات_المعطلة
كلمة حرة
نشر في 06 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع