إذا كنت تجد ضيق في الرزق فضحي ببعض المال، وإذا كنت كثير المشاغل فضحي ببعض الوقت للمساعدة، وإذا كنت تشعر بضيق الوقت فضحي ببعض الوقت للذكر
التّضحية= البركة
في عالم الحسابات والأرقام الدّقيقة و مفاهيم المحسوسات والأمور الملموسة، لا وجود لمفهوم البركة، فهي عبارةٌ عن قيمةٍ معنويّةٍ، ترتبط بشعور إيجابيّ.
ففي عالم البَركة (١+١) لا يساوي(٢) بل يضاعفُ الله لمن يشاء أضعافاً كثيرةً، هي نعمةٌ إلهيّة، يمنّها الله على عباده كي لا يربطوا العمل بالنّتيجة المنطقيّة فحسبْ، وليكون هناك أملاً مستمراً بإمكانيّة الزّيادة في كلّ خير.
فالله سبحانه وتعالى، لديه خزائن رزق، و أيضاً خزائن بَركة، فنرى كثيراً من النَّاس، ذوي الدّخل المادّي الكبير، لا يصل لآخر الشّهر، إلّا وقد أنهكت جيوبه المصاريف الهائلة، وربّما اقترض من بنكٍ، أو استلفَ من صديق.
في حين، أنّ هناك من النَّاس ذوي الدّخل المحدود، والمحدود جدّاً، وقد بارك الله له في ماله وعياله وبيته، وبسط الرضا في قلبه، وعلى وجهه، فلا تراه إِلَّا هانئ البال مرتاح السّريرة.
الإيمان والتقى هما الشيفرة الحقيقيّة للبركة، فقد قال تعالى:
( و لو أنّ أهل القرى آمنوا و اتَّقُوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السَّمَوَات والأرض)
إذاً هي إيمانٌ يرسخ في القلب، فيولّد الزيادة والنّماء، فبركة العمر تكون بإنجازاتٍ هامّة، تترك الأثر الطَّيِّب لصاحبها، و لو كان العمرُ قصيراً،
البَركة في العمر، هي ما جعلت عرش الرَّحْمَن يهتزّ لموت مصعب بن عُمير، الذي أسلم في عُمر (٣٠) ومات في عُمر (٣٦).
أمّا البركة في العلم تكون، بتطبيق آية ما، أو حديثٍ نسمعه، أو ربّما حكمةً نتّبعها، فيكون لها وقعاً مؤثّراً على حياتنا وتعاملاتنا فيما حولنا، فتُلازمنا بقيّة حياتنا بالخير، في حين أنّنا، نسمع العديد من المحاضرات، ونقرأ الكثير من الكتب، وتُعرَض أمام ناظرينا معلومات لا حصر لها، تغادرها البَركة، فلا نجد لها في أنفسنا أدنى أثّر.
و لعلّ البشريّةِ جمعاء، أقرّت بحديث رسول الله صَلِّى الله عليه وسلّم( اللهم بارك لأمّتي في بكورها) لِما لَمسته من بركةٍ حقيقيّةٍ في الوقت، حين يستيقظ أحدنا باكراً لإنجاز مهامّه، عن سائر أوقات اليوم.
فكيف إذا عَمَدَ أحدُنا إلى تحرّي أوقات البَركة و روابطها، كأخذ سورة البقرة، والإلتزام بوجبة السّحور، والأكل من حوافّ القصعة لا رأسها، وتناول الطَّعَام مجتمعين لا فُرادى، وغيرها من الأمور التي تيسّر البَركة.
و لعل صحبة القرآن من أجلّها، ففي تلاوته بركة في الجسم والصّحة وشفاء، وتلاوته في البيت طاردةً للشياطين، جالبةً للرزق والبركة، وتطبيقه فيه حُسن التّعامل مع النَّاس والحياة، وفِي القبر، بركة صحبته الصّالحة في دفاعه عن صاحبه، ويبارك لنا في مقعدنا في الجنّة، فربما أعمالنا لا ترتقي بِنَا لعليين، وبتلاوته نرتقي.
و من أشهر قصص التّاريخ الدّالة على البَركة هذه القصّة:
دَخَلَ (مُقاتل بن سليمان) على الخليفة (المنصور ).
فقال له (المنصور):عِظني .
فقال (مقاتل): بما رأيتُ أم بما سَمِعْت.
فقال (المنصور): بل بما رأيت.
فقال: إنّ عمر بن عبد العزيز، أنجبَ أَحَد عشر ولداً، وتركَ ثمانيةَ عشر ديناراً، فكفِّنَ بخمسة دنانير، واشتّريَ له قبراً بأربعة دنانير، ووزّع الباقي على أولاده.
و هشام بن عبد الملك، أنجبَ أحد عشر ولداً، و كان نصيب كل ولدٍ من التركة، ألف ألف دينار
فوالله يا أمير المؤمنين
لقد رأيتُ في يومٍ واحدٍ، أحدَ أبناء عمر بن عبد العزيز، يتصدّق بمئة فرسٍ للجهاد في سبيل الله، و أحدَ أبناء هشام، يتسوّل في السّوق!.
هي البَركة البعيدة عن حسابات الدُّنْيَا تماماً، اربط معناها دائماً بالتّضحية، فإن كنت ضيّق الرِّزْق، ضحّي ببعض مالك تجد البَركة، و إن كنت كثير المشاغل، ضحّي ببعض وقتك لمساعدة غيرك، يُنجز عملك بجهدٍ ووقتٍ أقلّ، وإن كُنتَ تعاني من ضيق الوقت، اقتطع وقتاً للذكر والتسبيح والتأمّل في ملكوت الله، تجد سعةً في الوقت، وصفاءً في الذهن، وإن ضحّيتَ ببعض الوقت لصلة الرّحم والأقارب، تجد بركة محبّة النَّاس الدّالة على محبّة الله.
فالمعادلة هي: تضحية =بركة.