Facebook Pixel
ثق بربك.. فاليأس من الناس
1789 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

من كتاب الجانب العاطفي من الإسلام للكاتب محمد الغزالي يتكلم فيه عن تجارب المربين أنه ثق في ربك، اليأس من الناس، نقص القادرين على التمام

كتاب : الجانب العاطفي من الإسلام - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 20 ] من تجارب المربين (2 من 7) : ( ثق في ربك – اليأس من الناس – نقص القادرين على التمام )

• ثق فى ربك:

قال ابن عطاء الله : " ما توقف مطلب أنت طالبه بربك، ولا تيسر مطلب أنت طالبه بنفسك...".

أقول : عندما خاض المسلمون معركة بدر كانوا يحسون أن القتال فرض عليهم دون أن يأخذوا له أهبته الواجبة، فكان اعتمادهم على الله شديدا، والتماسهم عونه بالغا.

وتضاءل شعورهم بأنفسهم حتى استخفى، وتضاعف ذكرهم لله حتى لكأن الله هو الذى يدير المعركة، وكأن خيلهم ورجلهم أدوات المشيئة العليا.

من أجل ذلك جاءت نتيجة المعركة نصرا باهرا للذين خاضوها باسم الله، وجاء فى وصف أدوارها (فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم و ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)

والحق أن المرء يكون قوة غالبة عندما يعمل، وهو يستمد من الله العزم والجهد والتوفيق والنجاح.

وقد كان رسول الله يلقى الأعداء بهذا الروح المستظهر ببأس الله وحده، فكان يقول: " اللهم بك أصول وبك أجول وبك أقاتل. اللهم إنا نجعلك فى نحورهم ونعوذ بك من شرورهم ".

أما إذا شمخ الإنسان بحوله وطوله، وأنس بما أعد، وذهل عن الله الذى تصير إليه الأمور، المهيمن على زمام الحياة، فإن النتائج تفجؤه بما لا يتوقع.

استراح المسلمون لكثرتهم فى معركة حنين وقالوا: لن نغلب اليوم عن قلة ونظر بعضهم إلى بعض فلم يروا إلا كتائب معبأة لا يثبت لسطوتها أحد. فتبخر اعتمادهم على السماء، ولم يرتقبوا النصر إلا من عند أنفسهم.

شتان بين هذا الشعور الذاهل الكليل وبين الشعور الذى غمر سرائرهم فى معركة بدر. فماذا كانت النتيجة؟.

يقول الله فى كتابه: (.. و يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين).

هذه عقبى الاغترار بالنفس والذهول عن الله.

وهى العقبى التى ذاق المسلمون مرارتها عند جبل أحد : (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم)

إن التعويل على النفس مهما أحكمت الأمور واستكملت الأسباب لا يفتح أبواب الخير فما اكثر الثغرات فى جهد الإنسان ورأيه إذا أراد القدر خذلانه.

والواجب أن يستعين بالله فى كل شىء. فإن عونه إذا تخلف لم يغن عنه شىء. بل سيكون الأمر على حد قول القائل: إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجنى عليه اجتهاده...

ومعنى طلبك الشىء بالله أن تضم " سببه القوى " إلى ما بيديك من أسباب، لا أن تكسل أو تفرط، فإن الكسل والتفريط ليسا طلبا من الله، بل هما عصيان لله وخروج على سننه الكونية المقررة.

• اليأس من الناس:

قال ابن عطاء الله : " ما بسقت أغصان ذل إلا على بذور طمع ".

أقول : الإنسان يكون فى أشرف أحواله عندما يتبتل إلى الله، فلا يرجو إلا جداه ولا يؤمل فيما سواه.
هذه الحالة تقوم على إدراك عقلى سديد لطبائع الأمور.

فماذا يرجو الفقير من فقير مثله، وماذا يبغى العاجز من عاجز مثله.

إن المسلك الرشيد الوحيد ألا يقف المرء سائلا إلا بباب الله القوى الغنى، أما أن يتولد فى نفسه رجاء عند ذى جاه من الخلق، فهذا هو الحمق، وما أحسن قول الشاعر:

ولى بالله إيمان وثيق .. فعن لكم بإيمان وثيق؟
قويت به فما أعيا بعبء .. ولا أشكو عثارا فى طريق
ولا أخشى المضرة من عدو .. ولا أرجو المبرة من صديق

وما طمعك فى بشر لو اعتدت عليه ذبابة لم يستطيع الانتصار منها؟.

إن جرثومة مرض ما ـ وهى أقل وأضأل من الذبابة ـ تسلب الجبار من الخلق صحته، فيحار كيف يستردها منها؟.

وصدق الله العظيم إذ يقول: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا و لو اجتمعوا له و إن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب و المطلوب).

والغريب أن الطمع فى العبيد خالط ألوف القلوب فأفسدها.

هذا عالم يتكلم بصوت خفيض وطرف كسير مع الحكام الجائرين.

ولو شاء لرفع صوته كالرعد، ولكنه يهمس حينا ويخرس أحيانا لأن بذور الطمع نمت فى نفسه فأذلته...

إن تطلعه إلى ما يملك فلان من مال، وإلى ما يهب فلان من جاه جعله يلين وينكسر وينكمش.

ولو أنه يئس من عطاء الخلق، وأنس بعطاء الخالق، لكان أعز نفسا وأعلى رأسا.

وكم من أناس أزرى بهم طمع فى هذا وأمل فى ذاك.

وكم من حقوق طمست، ومصالح عطلت؟ وأوضاع اعوجت بسبب أطماع نفسية محقورة.

واليأس من الناس يحتاج إلى تدريب النفس على العفة والأنفة، وعلى اكتفاء ذاتى يصدها عن التطلع إلى ما بأيدى الآخرين، والاستغناء بالقليل الموجود عن الكثير المشتهى.

قال محمد بن بشير:

لأن أُزَجِّىَ عند العُرْى بالخلَقِ .. وأجْتَزى من كثير الزَّاد بالعُلَق
خَيْرٌ وأَكْرَمُ لِى مِنْ أنْ أرَى مِننًا .. مَعْقُودَة للئامِ النَّاسِ فى عُنُقى
إنى وإن قصرت عن همتِى جِدَتِى .. وكان مالَى لا يقوى على خلق
لَتَارِكٌ كُلَّ أمر كان يلزِمُنى .. عَارا ويُشرِعُنِى فى المَنهلِ الرَّنِق

• نقص القادرين على التمام:

قال ابن عطاء الله : " ربما كنت مسيئا فأراك الإحسان منك صحبتك لمن هو أسوأ حالا منك ".

أقول : الأعور أحسن حالا من العميان، ولكن العور ليسى كمالا فى الأجسام أو صحة فى الحواس.

ومن الناس من يقارن جهده المحدود بأعمال أهل البلادة، أو علمه القليل بأفكار أهل الجهالة فيظن نفسه على شىء طائل، وهو فى الحقيقة فقير إلى ما يكمل مواهبه ولكنه مخدوع.

إن النظر إلى أدنى حجاب قاطع، أو هو عائق عن الرفعة المنشودة.

وإذا أحببت أن تقارن نفسك بغيرك فلا تنظر إلى الدهماء ثم تقول: أنا أفضل حالا، بل انظر إلى العلية ثم قل: لماذا أقصر عنهم؟ يجب أن أمضى في الطريق، ومن سار على الدرب وصل...

كثير من الأذكياء وقفهم فى منتصف الطريق أو فى مبادئه أنهم صحبوا نفرا من القاصرين والعجزة، فغرهم ذلك بأنفسهم وستر عنهم ما كمن فيهم من نقص أو أخفى عنهم ما يطيقونه من درجات الكمال لو نشطوا.

وهذه الصحبة وبال على الإنسان، لأنها قيدت الهمة وشلت الطموح. ولذلك ينصح ابن عطاء الله قبل ذلك فيقول: " لا تصاحب من لا ينهضك حاله ولا يدلك على الله مقاله... ".

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى
#الجانب_العاطفي_من_الإسلام
كلمة حرة
نشر في 18 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع