Facebook Pixel
في عالم المرويات
1630 مشاهدة
2
0
Whatsapp
Facebook Share

إن من واجب المسلمين العناية بفقه الكتاب، فإن النكبة فى هذا الفقه لا يداويها الاستبحار فى السنن، وأنه لابد من ذوب العقول الكليلة عن العبث بما يقع بين يديها من مرويات، فهى تسىء أكثر مما تحسن

كتاب : الطريق من هنا - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 5 ] : فى عالم المرويات

قرأت هذه الرواية المنسوبة إلى الشعبى ـ وهو من التابعين ـ وضقت بها ضيقا شديدا .. وقبل أن أنقلها ألفت الأنظار إلى تفاهة نفر من الناس يعيشون داخل قوقعة من أهوائهم ثم يحاولون عقد صلح بين الدين الحنيف وأهوائهم الشاذة!.

هذا امرؤ مصاب بجنون العظمة، تقول الرواية: إنه قصد الكعبة طالبا من الله أن يمنحه ملك العالم الإسلامى، فإذا خرج عليه أحد أمكنه الله من ضرب عنقه (!) أى دعاء هذا؟.

وهذا امرؤ آخر متواضع يطلب ملك العراق فقط، بيد أنه يضم إلى هذا الطلب الزواج من امرأة بعينها، سمتها الرواية!.

لم أشك فى أن الرواية مكذوبة، وأن الشعبى أعقل من أن ينقل هذا الهراء لكن الذى أهمنى هو سوء تصور بعض الناس لحقائق الدين ومراميه، فليس الدين كبتا للشهوات الجامحة، وليس رفعا لمستوى النفس، وليس نشدانا للآخرة، بل هو جراءة على الوقوف بين يدى الله لطلب ما لا يليق منه- سبحانه وتعالى..!.

والغريب أن القصة تنتهى بدعاء من الصحابى الكريم عبد الله بن عمر، فإنه لما رأى أولئك النفر يسألون الله الدنيا ومتاعها ذهب هو إلى الكعبة وطلب من الله الجنة.

قال الراوى: فبشره الله بإجابة سؤله! كيف بشره؟ سلبه بصره! ومن صبر على العمى دخل الجنة!!.

ولأنقل الرواية بعد هذه التقدمة... فهى نموذج لتفكير أقوام يعيشون فى عالم المرويات التى لا يضبطها فقه ولا وعى...

نقل ابن ظهيرة عن الشعبى أنه قال: رأيت عجبا كنا بفناء الكعبة أنا وعبد الله بن الزبير وأخوه مصعب وعبد الملك بن مروان فقالوا بعد أن فرغوا من حديثهم ليقم رجل بعد رجل فليأخذ بالركن اليمانى وليسأل الله تعالى حاجته فإنه يعطى من سعة، ثم قالوا لعبد الله قم أولا فإنك أول مولود فى الهجرة، فقام فأخذ بالركن اليمانى ثم قال: اللهم إنك عظيم ترجى لكل عظيم، أسألك بحرمة وجهك وحرمة عرشك وحرمة نبيك أن لا تميتنى من الدنيا حتى تولينى الحجاز ويسلم على بالخلافة وجاء وجلس، ثم قام أخوه مصعب فأخذ الركن اليمانى فقال: اللهم إنك رب كل شىء وإليك كل شىء أسألك بقدرتك على كل شىء ألا تميتنى من الدنيا حتى تولينى العراق وتزوجنى سكينة بنت الحسين وجاء وجلس، ثم قام عبد الملك بن مروان فأخذ بالركن اليمانى وقال : اللهم رب السموات السبع والأرض ذات النبات بعد القفر، أسألك بما سألك عبادك المطيعون لأمرك وأسألك بحرمة وجهك، وأسألك بحقك على جميع خلقك وبحق الطائفين حول بيتك أن لا تميتنى حتى تولينى شرق الأرض وغربها ولا ينازعنى أحد إلا أتيت برأسه ثم جاء وجلس.

ثم قام عبد الله بن عمر حتى أخذ بالركن ثم قال: الله يا رحمن يا رحيم أسألك برحمتك التى سبقت غضبك، وأسألك بقدرتك على جميع خلقك أن لا تميتنى من الدنيا حتى توجب لى الجنة.

قال الشعبى فرأيت كل واحد وقد أعطى ما سأل وبشر عبد الله بالجنة، قال ابن ظهيرة: ولقائل أن يقول: ما الدليل على وجه البشرى؟.

والجواب من وجهين:

الأول: أن ابن عمر كان قد كف بصره بعد ذلك وقد وعد النبى " من ابتلى بذلك بالجنة " ـ كما فى صحيح البخارى.

والثانى: أن الثلاثة لما أعطوا ما سألوه كان ذلك أدل على إجابة دعاء الجميع إذ هو اللائق بكرم الله وسعة عطائه، وكان سيدنا ابن عمر من الورع والزهد والصلاح بالمكانة التى لا تجهل كما فى مناقبه (كذا فى الجامع اللطيف 42).

عندما قرأت هذه الحكاية منسوبة لمحدث فقيه قلت: كيف لم يشعر التابعى الجليل بما فى هذا الدعاء من نكر؟ أيجوز أن يكون عبد الله بن الزبير طالب ملك قاتل دونه ومات فى سبيله؟.

ألا يعرف عبد الله أن سؤال الإمارة لا يجوز، وأن طالبها لا يولى وإذا رفضت أن ينسب هذا المسلك لعبد الله، ورفضت أن ينسب مثله إلى أخيه الشجاع مصعب، فهل يجوز أن يطلب عبد الملك أن يمكنه الله من قتل الذين يشغبون على سلطانه الفذ؟. أهذه عبادة الله ! فما عبادة النفس إذن؟.

وأنتقل إلى موقف الرجل العابد المجاهد عبد الله بن عمر الذى شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاركه الوثنية، وبقى طيلة عهد الخلافة صواما قواما منكرا لذاته مبتعدا عن الفتن مستغرقا فى طلب الآخرة!.

أينسى هذا الماضى الوضىء كله، ولا يستحق به شيئا حتى إذا فقد بصره قيل: هذا بشير الجنة؟. أعرف الحديث القدسى الصحيح " إذا ابتليت عبدى بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة". وفسر النبى - صلى الله عليه وسلم - حبيبتيه بعينيه.

وتصبير الإنسان على ما أصابه هو من عزائم الدين! والرضا بقضاء الله طريق لا ريب فيه إلى الجنة...

ولكنا نحفظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يستعيذ بالله من سيئ الأسقام والأوجاع، ومن أدعيته: " اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا؟".

أى لا تحرمنا من هذه الحواس ما بقينا فلا تفارقنا ما دمنا على ظهر الأرض.

ترثنا بعد أن نفارق نحن الحياة ولا نرثها ونحن أحياء..

هذه طبيعة البشر، وفطرة الله فى الأنفس، فليس يستحب أحد لنفسه فقد سمع ولا بصر، ولا بشرى فى هذا! فإذا أصيب كما أصيب يعقوب صلوات الله عليه صبر واحتسب وتعلق بثواب الآخرة!.

لكن ناقل الرواية التى أثبتناها هنا كان من ضيق الفقه بحيث ذهل عن ماضى ابن عمر الزاهر، وقال: مادام الله قد عجل الإجابة لطلاب الملك والنساء، فالإجابة المعجلة لابن عمر أن يفقد بصره ليدخل الجنة..!.

ويؤسفنا أن كثير من النقلة للأخبار مبتلون بهذا التصور العقلى، وذلك ما جعلنى أقول فى كتاب آخر: لا سنة من غير فقه!.

وعالم المرويات واسع الأرجاء، ونحن نستقبله كل صباح عندما نقرأ الصحف التى تصدر كل يوم، أليست تروى لنا أنباء ما يقع فى الدنيا؟ وهذه الصحف الناقلة للأخبار أنواع، منها ما هو جاد دقيق نثق فى مصادره ونستريح إلى تعليقاته، ومنها ما هو معروف بالتهويل والاثارة نأخذ الحقائق منه بقدر..

وإذا كانت الصحافة والإذاعة ترويان ما يقع الآن فإن التاريخ السياسى والأدبى يروى لنا ما وقع فى الماضى القريب والبعيد...

والماضى سناد الحاضر، وكثير من التيارات المعاصرة تنبجس من الأيام الخالية! ونحن نقرر ذلك لندرك أن التعامل مع عالم المرويات لا محيص عنه، ولا عيب فيه..

إنما يكمن العيب فى تلقى الأخبار دون تمحيص، وفى قبول الروايات دون روية، والأمم ذوات الأديان تعتمد فى إيمانها وسلوكها على ما آل إليها من تراث، ولسنا- نحن المسلمين- بدعا فى الاستقاء من الوحى الذى نزل، استفتاؤه فى أمور كثيرة.

ومن الواجب أن نعرف كيف تلقينا ما جاءنا، فما كنا، ولن نكون، أتباع أوهام! إننا نصدق ما لا يكذبه عاقل! ولدينا من مقاييس النقد مالا يعرفه الآخرون..

ولنذكر بادئ ذى بدء أن القرآن الكريم أساسنا، وهو كتاب ثابت ثبوت السماوات والأرض والليل والنهار، وحوله سياج من التواتر جعله محفوفا باليقين من جهاته كلها...

والكتاب تحفظه عن ظهر قلب جماهير من المؤمنين وهو معروض على أولى الألباب فى كل آن يتدبرونه ويتساءلون عما يعن لهم فيه..

ونحن المسلمين نرى فى القرآن الكريم جميع الحقائق التى كلف المرسلون الأوائل بتبليغها، وأنه إلى آخر الدهر مجمع العقائد والشرائع التى تكفل للناس الهدى والاستقامة، وأنه مصون من التزيد والتحريف اللذين تعرضت لهما كتب أخرى، وأنه يمكن القول الجازم بأن الوحى الآلهى للناس أجمعين، فى القارات كلها قد استقر فى هذا الكتاب وحده.

ونجىء بعد ذلك إلى سنة محمد خاتم النبيين لنقول: إن ما تواتر منها واشتهر وصح جدير بالثقة، وأنه امتداد للقرآن يمشى فى سناه ولا يزيغ عنه!!.

والواقع أن علماءنا الأقدمين وضعوا لقبول المرويات ضوابط يتأملها العقل العادى، فيستريح إليها، وقد قلت: إن هذه الضوابط لو عرضت على الماديين أنفسهم ما لا حظوا عليها مأخذا.

وما نستطيع أن نجد ضمانات أخرى فوق الضمانات التى اشترطوها لمنع الأخطاء عن النقول المروية...

ولا نقبل من أحد أن يقول: نرفض كل هذه المرويات لأن الوهم قد يتسرب إليها، لأننا لا نقبل من أحد أن يقول: نرفض التاريخ كله لأن التاريخ يغلب أن يكتبه المنتصر، ولا نقبل من أحد أن يقول: أرفض قراءة الصحف لأنها قد تروى الشائعات.

أقرأ وأنقد وأزن وأرجح وأبحث عن الحق ما استطعت وأتجرد من الهوى، فهذا هو النهج!.

وعلماؤنا الأقدمون مشوا فى هذا الطريق، والأمة الإسلامية فى تاريخها الأول كانت أمة حقائق لا أوهام، ولم تكن للخرافات أسواق رائجة كما يحدث الآن...

كان للفقه علماؤه، وكان للحديث علماؤه، وربما ذهل الآخرون فى شىء فيستدرك عليهم الأولون، وقد يكون العكس، وإن كان تاريخنا العلمى قد جعل الفقهاء أصحاب القيادة وجعل الجماهير تتبع مذاهبهم عن اجتهاد طورا وعن تقليد أغلب الأحيان...

والذى نلحظه آسفين أن كثيرا من جامعى السنن قد تساهلوا فى قبول أسانيد ضعيفة، وأن هذا التساهل زحم ميدان السنة بآثار ما كان ينبغى أن تذكر..

وإذا كان من شرط الحديث الصحيح أن يخلو من الشذوذ والعلة القادحة فإن كثيرين نقلوا ما خالفوا به الثقات، ونقلوا ما به علل ترده ! ومع ذلك سطروا وحبروا، وتركوا للأخلاف ما عكر المجرى، وبلبل الفكر.

إن رجلا جليلا كالبخارى ترك أحاديث كثيرة مرت به فلم يرها أهلا للتدوين، ومن هنا لم يجمع فى صحيحه إلا ألفين وبضع مئات من السنن..

على حين جمع غيره آلافا وآلافا من الآثار تحتاج فى غربلتها ـ حسب مقاييس علمائنا ـ إلى جهد جهيد..

ولأذكر مثالا واحدا للبلاء الذى أصاب الجماعة الإسلامية من تسجيل الأحاديث الضعيفة وتركها تشغب على معالم الدين، ومعاقده!

من تلاوتنا للقرآن الكريم نعى أن الله خلق لنا ما فى الأرض جميعا، ومكننا منه وملكنا إياه..

ألسنا جزءا من البشر الذين قال الله لهم. (...وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).

وصاحب هذه الامكانات المتاحة مكلف أن يتصرف فيها بما يرضى الله ، كما تصرف سليمان فى نقل عرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين ثم قال : (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر).

هل يقبل من أحد أن يستقبل من هذه الوظيفة، ويحيا صفر اليدين، ويفر من أعباء التكليف، ويقول: أنا زاهد فى الدنيا...!!.

وما مستقبل الإيمان ودولته على ظهر الأرض إذا كان الأتباع جماهير غفيرة من أولئك المستقيلين الهاربين؟؟.

إن أعدادا كبيرة من المسلمين زعموا أن صاحب الرسالة آثر الفقر على الغنى، ودعا إلى قلة ذات اليد، وبهذه الفلسفة الجبانة نشروا الفقر فى الأمة الإسلامية من عدة قرون، وجعلوها لا تحسن إدارة مفتاح فى خزائن الأرض! الأمر لا يستحق هذا العناء!!.

فلننظر: هل جاء فى سنة صاحب الرسالة تحقير للغنى وتأخير لأصحابه وذم لأنشطتهم؟.

فى السنة الصحيحة لا يوجد شىء من ذلك! بل الذى رواه البخارى " لا حسد إلا فى اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته فى الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمهما ".

والأحاديث كثيرة فى توكيد هذه القاعدة الاجتماعية الرشيدة، فالعالم الأول فى عصرنا يقوم على المال والعلم، والعالم الثالث يقوم على الفقر، والجهل البسيط. أو المركب!!.

ومع ذلك فقد روى نقلة السنن عشرات الأحاديث تحت عنوان " الترغيب فى الفقر وقلة ذات اليد وما جاء فى فضل الفقراء والمساكين والمستضعفين.. ".

وقد ساءنى فى إحدى المحاضرات أن المتحدث ـ هو من العلماء المرموقين عمر عبد الرحمن بن عوف، ناقلا حديثا نبويا يفيد أن عبد الرحمن ـ لكثرة ماله لا يدخل الجنة إلا حبوا ـ قلت له : هذه الأحاديث وأشباهها معلولة لا يجوز أن تروى!.

وأنا وفق القواعد القرآنية والنصوص القاطعة أرفض هذا الحكم.. أليس يقول الله فى عبد الرحمن وأشباهه (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا …).

وعبد الرحمن أسلم يوم كان المسلمون يعدون على أصابع اليد، ومنذ أسلم سخر نفسه وماله لله، فهل جريمته أنه صاحب مال سلطه الله على هلكته فى الحق؟ أذلك الذى يؤخر مكانته ويضع درجته؟.

إن علماءنا قالوا بوضوح فى علم الحديث: إذا خالف الثقة الأوثق فحديثه شاذ، فإذا كان المخالف ليس ثقة فحديثه منكر أو متروك! لماذا لم نطبق القواعد العلمية الموضوعة المحترمة على هذا السبيل من المرويات التى ضارت مجتمعنا وأوهنت قواه..؟.

لقد رأيت الأمة الإسلامية محكومة بجملة من الأحاديث المتروكة والمنكرة والشاذة! ورأيت هذه الأحاديث تطرد أمامها المتواتر والمشهور والصحيح! كما تطرد العملة المزيفة العملة الصحيحة!.

ولا أدرى كيف استطاعت هذه الأحاديث تنويم حملتها، ولا أزال أعجب كيف أن رجلا من أساطين المحدثين كابن حجر يعترف بحديث الغرانيق وهو أكذوبة غليظة، وإن كان يضعفه، لكنه يرى له أصلا، أى أصل غفر الله لك؟.

وكذلك فعل مع حديث " أفعمياوان أنتما؟ " مع أن الروايات الصحيحة فى البخارى ومسلم ترده، وتجعله حديثا لا وزن له... ورأيت ابن كثير يروى حديثا أن سورة الأحزاب كانت فى طول سورة البقرة (!) وأن النسخ عرض لأكثرها فبقى منها ما بين أيدينا! قلت أينزل الله وحيا فى نحو ثلاثين صفحة ثم يمحو منه ثلاثا وعشرين أو أربعا وعشرين صفحة ويدع الباقى؟ إذا لم يكن هذا الكلام علة تقدح فى الحديث فما تكون العلل القادحة؟ هذا حديث لا يساوى المداد الذى كتب به.

والأحاديث الصحاح من رواية الآحاد تفيد العلم المظنون لا العلم المستيقن، وقد اتفق علماؤنا على العمل بها فى فروع الشريعة.

ورأيت قلة من الظاهرية والحنابلة يرون العمل بالآحاد فى القضايا القطعية، بيد أن هذا رأى مردود، وعلى أية حال فعقائدنا تعتمد على نصوص متواترة، سواء كان التواتر لفظيا أو معنويا.

والقدر الذى لابد منه من العبادات والأخلاق والمسالك المنجية عند الله مروى بهذا الطريق.

وأكثر ما وقع من خلاف هو فى أمور ثانوية، الاجتهاد فيها من أهله مأجور خطأ كان أم صوابا، ولا تهولنك وجهات النظر الكثيرة فى المذاهب الفقهية، فإن الخصام فيها نوع من الجنون الذى يسود بين الدهماء، ويجب أن يتنزه عنه أولو الألباب..

ذلك، ويرى أبو حنيفة أن " الفرض " ما ثبت بدليل قطعى لا شبهة فيه، أما ما يثبت بدليل ظنى كأحاديث الآحاد، فإنه يكون دون الفرض..

والأئمة الكبار يحسنون التنسيق بين أدلة الكتاب والسنة، وفى علم أصول الفقه متسع لمن أراد الاستزادة، وإنما ذكرت هذا الكلام لأنى فى ميدان الدعوة الإسلامية وجدت ما يستحق الشرح والتعليق، عند الاستشهاد بشتى الأحاديث..

إننى آبى كل الإباء أن أربط مستقبل الإسلام كله بحديث آحاد مهما بلغت صحته، كيف أجازف بعقائد ملة شامخة الدعائم عندما أقول: لا يؤمن بها من لم يؤمن بهذا الحديث الوارد؟.

أقول ذلك لأنى وجدت فى تجاربى، وفى قراءاتى ما يحتاج إلى إزالة الريبة وكشف الحق، قال الباقلانى يصف ما دار بينه وبين ملك الروم من حوار حول صحة الإسلام، "قال الملك: هذا الذى تدعونه معجزة لنبيكم فى انشقاق القمر، كيف هو عندكم؟ قلت: هو عندنا صحيح! انشق القمر على عهد رسول الله حتى رأى الناس ذلك، وإنما رآه الحضور، ومن صادف نظره إليه فى تلك الحال! فقال الملك: وكيف لم يره جميع الناس؟ قلت: لأن الناس لم يكونوا على موعد وأهبة ليروا انشقاقه! قال الملك: أبينكم وبين القمر نسب، أو قرابة؟ لأى شىء لم تر ذلك الروم وسائر الناس؟ وإنما رأيتموه أنتم خاصة ! قلت : فهذه المائدة- التى أنزلها الله على عيسى ـ بينكم وبينها قرابة؟ لماذا رأيتموها أنتم وحدكم دون اليهود والمجوس والبراهمة وأهل الإلحاد، وخاصة يونان جيرانكم؟ فإنهم كلهم منكرون لهذا الشأن، وأنتم رأيتموها دون غيركم؟ ".

وقبل أن أذكر رأيى فى هذا الجدال، أذكر للقراء أن صاحب إظهار الحق تعرض لهذه القضية، ورد على أتباع الكتاب المقدس بأدلة أخرى أشد قوة وأكثر إقناعا مما ذكره الشيخ الباقلانى...

وكأنه يقول لهم : إن اعتراضكم على قصة الانشقاق يرتد اليكم فيهدم مقررات عندكم لها مكانتها، بل قد يحجب الثقة عن مراجعكم العتيدة، ويجعلها مستحيلة الصدق، وقد فصل كلامه فى سبعة وجوه نجتزئ منها بوجهين اثنين :

* الوجه الأول : تقولون إن طوفان نوح امتد سنة كاملة، فنى خلالها كل ذى حياة من الطيور والبهائم والحشرات والإنسان، ما عدا أهل السفينة، وما نجا من بنى الإنسان غير ثمانية أشخاص على ما هو مصرح به فى الباب السابع والثامن من سفر التكوين..

وقد أيد ذلك بطرس فى رسائله الأولى والثانية، وأكد أن العالم القديم فنى إلا ثمانى أنفس.

قال الشيخ رحمه الله: إن حادثة الطوفان كما يذكر أهل الكتاب مضت عليها 4212 سنة شمسية ـ كتاب المؤلف ظهر منذ قرن تقريبا ـ وهذه الحادثة العامة الطامة لا يعلم الهنود عنها شيئا، قال ابن خلدون: اعلم أن الفرس والهند لا يعرفون الطوفان، ويقول بعض الفرس: إنه كان " ببابل فقط "!.

والحق الذى نجزم به أن الطوفان وقع لقوم نوح وحدهم، وأن أوربا وإفريقية والأمريكيتين وأكثر آسيا الكبرى لم يغمرها الطوفان، ولماذا يحكم الله عليها بالغرق وهى لا تعرف نوحا ولم تسمع به؟؟.

وظاهر من التاريخ العبرى أن الطوفان وقع بعد عصر بناة الأهرام فى مصر، والمصريون ما تعرضوا للطوفان ولا غرق من أرضهم شبر!.

ومعنى ذلك أن ما ذكره سفر التكوين عن هلاك العالم القديم كله لا أصل له.

* الوجه الثانى: جاء فى الباب العاشر من كتاب يوشع وفق الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 م ما يلى:

" 12 حينئذ تكلم يسوع أمام الرب فى اليوم الذى دفع " الأمورى " فى يدى بني إسرائيل وقال أمامهم: أيتها الشمس مقابل " جبعون " لا تتحركى " (!) والقمر مقابل قاع أيلون 13 فوقفت الشمس والقمر حتى انتقم الشعب من أعدائهم، أليس هذا مكتوبا فى سفر الأبرار، فوقفت الشمس فى كبد السماء، ولم تكن تعجل إلى الغروب، يوما تاما؟.

وفى الباب الرابع من الحصة الثالثة من كتاب تحقيق الدين الحق المطبوع سنة 1846 م ص 362 يقول: " أما غربت الشمس ـ أى تأخر غروبها ـ بدعاء يوشع إلى 24 ساعة "؟.

وتوقف الشمس فى الفلك، وعدم جنوحها إلى الغروب مدة يوم كامل كما يروون وقع قبل الميلاد سنة1450.

مَن مِن أهل الأرض يذكر هذه الحادثة؟ إن أحدا من كتاب التاريخ لم يشر إليها أو يتحدث عنها، وإذا كان عدم العلم العام بانشقاق القمر قادحا فى صحة الرواية، فالأمر كذلك فى توقف الشمس ليوشع، بل إن توقف الشمس يوما، أو بعض يوم أوغل فى البعد وأجدر بالإنكار..

ولأترك ما قاله صاحب إظهار الحق ولأعد إلى حوار الباقلانى مع ملك الروم! إننى لو كنت مكان الرجل، وسألنى هذا القيصر عن انشقاق القمر لقلت له كلاما آخر..!.

لقلت له: أيها الإمبراطور الكبير إن سلفا عظيما سبقك فى حكم الرومان جاءه كتاب من رسولنا يقول له فيه " أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين " ثم يختم كتابه بقول الله تعالى (... يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون).

أيها الإمبراطور، إن نبينا عندما كاتب سلفك، لم يذكر له خارقة من خوارق العادات التى عرضت له، وإنما خاطب عقله، واستثار أنبل ما فى نفسه، وذكر له أنه باقي على إسلامه.

فإن رفض ملك الروم هذه الإجابة منى قلت له: إن شرحت صدرا، بعقيدة التوحيد، ورفضت من الناحية التاريخية انشقاق القمر وتوقف الشمس، فأنت مسلم مقبول الإيمان.

ولا يصدنك عن دين الله خبر راو من الرواة حفظ أم نسى واعلم أن من مفكرى المسلمين ومفسرى دينهم من اعتبر الانشقاق من أشراط الساعة، وأن من المتكلمين من توقف فى أخبار الآحاد، كما قال إبراهيم النظام: " إن القمر لا ينشق لابن مسعود وحده " وابن مسعود هو الذى روى عنه الحديث المذكور...

ربما قال لى قائل: كيف تتهاون فى حديث صحيح على هذا النحو؟ وأجيب إن ردّ حديث بالهوى المجرد مسلك لا يليق بعالم، وقد رد أئمتنا الأولون أحاديث صحاحا لأنها خالفت ما هو أقوى منها عقلا ونقلا.. وبذلك فقدت مقومات صحتها، ومضى الإسلام بمعالمه ودعائمه لا يوقفه شىء! وقد قلت: إننى لا أربط مستقبل ديننا بحديث آحاد يفيد العلم المظنون، وأزيد الموضوع بيانا فأقول:

إننى أومن بخوارق العادات، وأصدق وقوعها من المسلم والكافر والبر والفاجر، وأعلم أن قانون السببية قد يحكمنا نحن البشر بيد أنه لا يحكم واضعه تبارك وتعالى..

وعندما قرأت حديث الانشقاق شرعت أفكر بعمق فى موقف المشركين، إنهم انصرفوا مكذبين إلى بيوتهم ورحالهم بعدما رأوا القمر فلقتين عن يمين الجبل وشماله، قالوا: سحرنا محمد، ومضوا آمنين سالمين لا عقاب ولا عتاب..!.

قلت: كيف هذا؟ فى سورة الأنبياء يحكى الله سبحانه سر كفر المشركين بنبيهم محددين مطلبهم منه (فليأتنا بآية كما أرسل الأولون) ويحكى القرآن لماذا لم يجابوا إلى مطلبهم (ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون) إن التكذيب بعد وقوع الخارق المطلوب يوجب هلاك المكذبين!.

فكيف يترك هؤلاء المكيون بدون توبيخ ولا عقوبة بعد احتقارهم لانشقاق القمر؟. ويؤكد القرآن الكريم هذا المنطق فى سورة الإسراء (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون) فإذا كان إرسال الآيات ممتنعا لتكذيب الأولين بها فكيف وقع الانشقاق؟..

بل كيف يقع أو يقع غيره والله يقول فى سورة الحجر (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون).

ثم إن المشركين فى مواطن أخرى ألحوا فى طلب الخوارق الحسية (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها …) فلماذا لم يقل لهم: سبق أن انشق لكم القمر فكذبتم؟ أيمر هذا الحدث ليعقبه صمت تام؟..

وفى سورة أخرى قيل للكافرين وهم ينشدون المعجزات الحسية: حسبكم القرآن فيه مقنع لمن نشد الحق (وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين * أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم …).

إن مئات الآيات فى سور كثيرة طوال العهد المكى دارت فى إثبات الرسالة على محور واحد، إيقاظ العقل وتعريفه بربه واعتبار صاحب هذا الوحى إمام السائرين إلى الله المعتصمين بحبله، وتجاوزت مقترحات الكفار أن يروا آية مادية معجزة..

من أجل ذلك لم أقف طويلا عند حديث الانشقاق وأبيت بقوة أن أربط مستقبل الدعوة به أو بغيره من أحاديث الآحاد التى تصطدم بأدلة أقوى منها..

ولست بدعا فى هذا المسلك، فأبو حنيفة ومالك ردوا أحاديث من هذا الطراز عارضها من دلالات القرآن ما هو أقوى منها..

إننا لا ننكر الخوارق من حيث هى، وإنما نناقش الأسانيد التى جاءت بها، ونوازن بين دليل ودليل، وإيماننا بالخوارق هو الذى جعلنا نحن المسلمين نصدق بميلاد عيسى من غير أب، فالقرآن قاطع فى هذه القضية وإذا ثبت قول الله فلا كلام لأحد..!.

والقاعدة أن خبر الواحد يعمل به ما لم يكن هناك دليل أقوى منه فيصار إليه..

ونحن فى ميدان الدعوة الإسلامية نواجه ماديين لا يؤمنون بشىء، وكتابيين يؤمنون ببعض ما عندهم ويكفرون ببعض، ومسلمين زحزحهم الغزو الثقافى عن قواعدهم فهم يتبعون كل ناعق..

ومن ثم يجب أن تكون الدعوة للأركان المستيقنة، وأن يبتعد الدعاة عما اختلفت فيه أنظار المسلمين أنفسهم، وفى القطعى ما يغنى عن الظنى، وفى الكتاب الكريم وما اشتهر من السنن غنية عن الغرائب والآراء الاجتهادية..

لقد راقبت الموضوعات والشواهد التى يعيش كثير من الناس فى جوها فوجدت خليطا مزعجا من مرويات نصفها واه، والنصف الآخر لا يكاد يفهم على وجه الصحيح إلا نادرا، قلت: كيف تنجح دعايتنا للإسلام بهذا الأسلوب؟.

إنه على قدر العناية بالثانويات يقل الاكتراث بالأصول! ولا يجوز ربط ديننا العظيم بأمور ما دارت فى خواطر الصحابة والتابعين وهم ينشرون الإسلام فى المشارق والمغارب...

وحتى لا يفهم البعض أننى أنكر خوارق العادات، أذكر أننى قرأت فى الصحاح من كتب السنة قصصا تنضح بالصدق والخير، عرضت للنبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو مع صحابته، أعنى أنها وقعت بين قوم مؤمنين لتزيدهم إيمانا، وإذا نقلت إلى كافرين محت من نفوسهم ظلمات.

وفى دراستى للملل والنحل، قرأت قصصا مشابهة لها تمام الشبه فى بعض الأناجيل! فعجبت لهذا الاتفاق، وقبل أن أنقل ما رواه البخارى من تكريم الله لنبيه.

أقول: إن رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ اختص من بين إخوته السابقين بمعجزة عقلية عامة دائمة، أو حسب تعبيره صلوات الله عليه " أوتيت وحيا يتلى " ثم شق طريق البلاغ وسط أنواء وأعباء تهد الكواهل الشداد، ولكنه وفق السنن المعتادة أدى الأمانة ونجح كما لم ينجح أحد..

وفى أثناء ذلك قد يجوع وهو يواجه أزمة، أو يرهقه حصار! وقد يحرج ويهزم فى إحدى مراحل الجهاد، أو قد يتبعه الرعاع بالحجارة يدمون قدمه وهو عائد من محاولة ضائعة الثمرة.

وهو مع وثاقة الإيمان يهتف بربه: " إن لم يكن بك على غضب فلا أبالى!. من أولى بأن تخرق له العادات أحيانا من هذا الرسول؟ فانظر بعض ما يروى من ذلك.

روى البخارى عن اسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة: أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شىء؟. قالت: نعم فأخرجت أقراصا من شعير، ثم أخرجت خمارا، لها فلفت الخبز ببعضه ، ثم دسته تحت يدى، ولا ثتنى ببعضه، ثم أرسلتنى إلى رسول الله قال: فذهبت به فوجدت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم، فقال لى رسول الله : أأرسلت أبو طلحة؟. فقلت: نعم. قال: بطعام؟. قلت: نعم، ويظهر أن رسول الله أبى أن يأخذ ما أرسل إليه من طعام وقرر شيئا آخر جاء فى بقية الحديث. فقال رسول الله لمن معه قوموا، فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته. فقال أبو طلحة: يا أم سليم، قد جاء رسول الله بالناس وليس عندنا ما نطعمهم!. فقالت: الله ورسوله أعلم. فانطلق أبو طلحة حتى لقى رسول الله، فأقبل رسول الله وأبو طلحة معه، فقال رسول الله : هلم يا أم سليم ما عندك، فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله ففُتَّ، وعصرت أم سليم عكة فآدمته، ثم قال رسول الله فيه ما شاء الله أن يقول، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال: ائذن لعشرة، فأكل القوم كلهم حتى شبعوا. والقوم سبعون أو ثمانون رجلا؟.

ونترك هذه الصورة العجيبة، ونقلب فى كتاب التاريخ، لننظر صورة أخرى مشابهة وقعت لنبى الله عيسى بن مريم، وهو من المرسلين أولى العزم، وقد كافح فى سبيل الله وتحمل من اليهود بلاء شديدا.

وقد كان مع عيسى حواريون آمنوا وثبتوا معه، وشاء أن يريهم آية من آياته التى بها نبيه عيسى ننقلها من كتاب " متى " لما فيها من شبه بما وقع لنبينا عليه الصلاة والسلام.

14- فلما خرج يسوع أبصر جمعا كثير، فتحنن عليهم وشفى مرضاهم.

15- ولما صار المساء تقدم إليه تلاميذه قائلين: الموضع خلاء، والوقت قد مضى،

16- اصرف الجموع يمضوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعاما، فقال لهم يسوع: لا حاجة لهم أن يمضوا، أعطوهم أنتم ليأكلوا

17- فقالوا له: ليس عندنا ها هنا إلا خمسة أرغفة وسمكتان

18- فقال ائتونى بها إلى هنا

19- فأمر الجموع أن يتكئوا على العشب، ثم أخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين ورفع نظره نحو السماء وبارك وكسر وأعطى الأرغفة للتلاميذ، والتلاميذ للجموع

20- فأكل الجميع وشبعوا ثم رفعوا ما فضل من الكسر اثنتى عشرة قفة مملوءة

21- والآكلون كانوا نحو خمسة آلاف رجل، ما عدا النساء والأولاد.

ونلفت الأنظار إلى أن تلك الخوارق لم تقع بين كفار يجحدون، وإنما وقعت بين مؤمنين استقر فى صدورهم اليقين، وهنا قد يسأل سائل: ألم يكن الكفار أولى برؤية هذه الخوارق ليؤمنوا؟ ونجيب بأن الذين كفروا من قبل قد قست قلوبهم واستغلقت عقولهم فهم لن يتغيروا برؤية المعجزات التى يظهرها الله على أيدى رسله، وإذا رأوها فسيقولون: سحر، أو شعوذة، أو أى شىء آخر.

ولعل ذلك هو السر فيما رواه متى عن عيسى عليه السلام لما طلبت منه اية: " جيل شرير فاسق يلتمس آية، ولا تعطى له آية إلا آية يونان " يونس " النبى، وتركهم ومضى".

وقد أكد مرقس هذا المعنى [ 8: 11- 12 ] فخرج الفريسيون وابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكى يجربوه، فتنهد بروحه وقال: لماذا يطلب هذا الجيل آية! الحق أقول لكم: لن يعطى هذا الجيل آية.. ".

وفى الأجيال المتعصبة المستكبرة على الحق يقول الله تعالى: (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم).

إن عالم المرويات ممدود الأرجاء، وما نحب أن يشتغل كل الناس بالتجوال فيه، فإن ذلك لا يصلح له إلا رجل يجمع بين أمرين : الأول معرفة المقبول من المردود، الثانى معرفة الصحيح على وجهه المراد، فقد رأيت ناسا يروون الحديث الصحيح بيد أن معناه فى عقولهم باطل! وقد أصاب الإسلام من هؤلاء ضر شديد!.

بل إن فسادا واسعا وقع فى عالم الاقتصاد، وفى فقه العلاقات الدولية، وفى العلاقات بين الجنسين، وفى بيان أصول الحكم بسبب العوج فى الفهم، أو القصور فى الفقه اللذين يصيبان مشتغلين بالمرويات.

والواجب أن تزداد عناية المسلمين بفقه الكتاب، فإن النكبة فى هذا الفقه لا يداويها الاستبحار فى السنن، كما أنه لابد من ذوب العقول الكليلة عن العبث بما يقع بين يديها من مرويات، فهى تسىء أكثر مما تحسن

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى
#الطريق_من_هنا
كلمة حرة
نشر في 11 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع