Facebook Pixel
516 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

إن المسلمين الأولين اخترعوا العلوم النحوية والعربية لخدمة الإعجاز البيانى فى القرآن الكريم، ولكن القرآن أيضاً بحاجة إلى علوم الأحياء والفيزياء والكيمياء والفلك وطبقات الأرض

إن المسلمين الأولين اخترعوا علوم المعان والبيان والبديع، والنحو والصرف لخدمه الإعجاز البيانى فى القرآن الكريم.. وخدمة هذا الكتاب تحتاج إلى جانب ذلك حاجة ماسة إلى علوم الأحياء والفيزياء والكيمياء والفلك وطبقات الأرض إلخ. والجهالة بهذه العلوم خيانة مخزية للإسلام وكتابه الضخم.. وهى- مع كونها خيانة دينية- خيانة إنسانية عامة لرسالة أبينا آدم الذى ألهم الأسماء كلها، وجعلت له الأرض ذلولا، وساد فيها البر والبحر!
لماذا يغوص غيرنا فى الماء، ويسبح فى الفضاء ونحن ننظر مشدوهين؟ لماذا يملك الإلحاد الكهرباء والذرة ولا نملك نحن إلا الهراوات؟ نهدد بها من يعترض أهواءنا..!!
أليس عجيبا أن تكلف أمة ببناء إيمانها على دراسة الكون، ومع ذلك تحيا محجوبة عن الكون ونواميسه وأسراره وقواه؟ أهذه هى استجابتها لقول الله: 'إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك.. '.
لو كانت أمتنا حين تكاسلت واستنامت تعيش على ظهر الأرض وحدها لكان وزر تخلفها على رأسها، تعانى منه فى شئونها قلت أوكثرت!! لكن أمتنا فى سباق مع أمم أخرى لاتنام! أمم لارسالة لها، أو لها رسالة مادية محدودة قوامها الباطل والهوى. ومع ذلك فإن المبطلين يسابقون الريح نشاطا وعزيمة، ونحن ممثلى الحق جاثمون على الثرى، ننظر ببرود أو بلاهة إلى الآخرين، ولا نعى من رسالتنا شيئا ذا بال..
الآدمية فى كتابنا علم عجزت عنه الملائكة، وظفر به آدم وحده، فاستحق الخلافة فى الأرض!
والآدمية فى حياتنا طعام وسفاد، وتحاسد وتفاخر، أى هى الحيوانية الهابطة . الآخرون سيروا الأقمار الصناعية، وأرسلوا مركبات الفضاء تزودهم بمزيد من المعرفة.. وفى الوغى لهم أظافر تخنق وتذبح وتصعق، وتفعل المنكر بعدوها.. أما نحن فقد نتودد لهم مشترين من أسواقهم، أو متزودين من غنائمهم، أو مستعيرين من أسلحتم مانحتاج إلى تعلمه منهم، قبل أن نحسن استخدامه!!
أنا ما أشك فى أن هناك عطبا أوكسرا أو تلفا فى كياننا الفكرى والنفسى، جعلنا فى هذا الوضع المهين، وما نصح أبدا إلا بذهاب هذه العاهات، وعندئذ نصنع كمايصنعون..

وقد أنظر إلى أنظمة الحكم هناك، فأجد القادة بلغوا فى ثقافتم أعلى شأو، وفى تجربتهم أعظم خبرة.. ومع اقتدارهم على الرأى السديد فهم يستشيرون أهل الحل والعقد فى بلادهم، ويستمعون بإخلاص إلى الرأى الآخر، وإلى النصح المجرد، وكأن على لسان كل منهم كلمة أبى بكر 'وليت عليكم ولست بخيركم، إن رأيتم خيرا فأعينونى، وإن رأيتم شرا فقوموني '. أما نحن فقد وقعت أمورنا بين أيدى أقزام متعالمين متطاولين، لاندرى من أين جاءوا، ثم نسمع الواحد منهم يقول فى صلف وزهو: 'ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد '!!
قائد الحق تجرى على لسانه صيحة فرعون- قبحه الله- وقائد الباطل تجرى على لسانه كلمة الصديق رضى الله عنه!!
ما يكون المصير مع هذا البلاء، فى الأحوال السياسية والعمرانية التى تسود أرض الإسلام..؟ وشىء آخر ما نستحى من ذكره بعدما لفحنا دخانه وشروره. فقد كان لتعمق الأوربيين فى العلوم الكونية أثره فى انفتاح أبواب الغنى عليهم
إن القُوى والأسرار التى اكتشفوها كانت مفاتيح لخزائن السموات والأرض، فلا غرابة فى ارتفاع مستوى معيشتهم، ولاغرابة فى اتساع دائرة الرفاه والتنعم لديهم! إنهم استثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمرها غيرهم، فخدمهم الرطب واليابس، والسائل والجامد، والحديد والذهب، والتراب والهواء، وتوشك أن تأخذ الأرض زخرفها، وتزدان وتتحول إلى خادم طمع لأطماع الإنسان..!! أى إنسان؟ الإنسان الذى عرف الخلق ولم يعرف الخالق، والذى يحس أهواءه فى بدنه وفى دنياه، ولايدرى عن وحى الله شيئا له وزن، ولايقدم للآخرة شيئا يكون له ذخرا!!

كتاب: تراثنا الفكري في ميزان العقل والشرع
روائع الشيخ محمد الغزالي
نشر في 03 نيسان 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع