Facebook Pixel
مقلدو الحضارة المادية في وقتنا هذا
964 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

إن الحضارة المادية التى صدعت اليقين فى القلوب هونت من شأن الإيمان وجعلت الناس ينحنون لأقوام حاربوا الله والمرسلين، وربما أعجبوا بهم

كتاب : الجانب العاطفي من الإسلام - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 16 ] مقلدو الحضارة المادية عندنا

رأيته لامع الشعر والنعل، حسن الهندام، يتأنق فى الحديث، ويتلطف مع الآخرين ويفرق البسمات والتحيات بأدب جم...

فقال لى صاحبى: ما رأيك فيه؟ إنه من أولئك الذين صنعتهم الحضارة الحديثة على نحو معين.

قلت: ما تعنى؟

قال: أعنى أنه لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر!

قلت: إذن فهو حيوان مستأنس!

قال : أفبعد هذا الارتقاء تصفه بأنه حيوان مستأنس؟

قلت: إن الاستئناس هو الوصف الذى أضفته عليه الحضارة، وسيبقى حيوانا ما بقى كافرا بالله، فإذا آمن فهو عندئذ إنسان.

إنه لطيف الشمائل، حلو المنظر، ولذلك قلت: إنه مستأنس كهذه القطط والكلاب التى نألفها ونسمح لها بالتطواف علينا، ولا نلقاها بالرصاص، كما نلقى الذئاب والضباع...

واستتليت: أترى الخائن لوطنه عندما يجر إلى حبل المشنقة؟ إنه قد يكون وسيم التقاطيع، وربما كانت له أم يبرها، أو زوجة يحبها، أو رحم يصلها. لكن شيئا من هذا لا يذكر أبدا عند اقتياده إلى ساحة الموت.

إن الجرم الذى ارتكبه أفظع، وأشنع من أن تذكر بجانبه حسنة!!

ألم يخن وطنه؟ إن خيانة قطعة من الأرض تسمى الوطن، جريمة أهون من خيانة رب الأرض كلها. أهون من الكفر بالله رب العالمين.

إن الحضارة المادية التى صدعت اليقين فى القلوب هونت من شأن الإيمان وجعلت الناس ينحنون لأقوام حاربوا الله والمرسلين، وربما أعجبوا بهم. بيد أننا لا نفقد عقلنا، ولا وزننا للأمور إذا اختلت موازين الناس وطاشت ألبابهم.

إن إنكار الألوهية جريمة كبرى، وإذا تلطخ بهذه الرذيلة أحد فهو فى نظرنا شخص نجس.

ونحن نعامل الأحياء والأموات على ضوء هذا الحكم الحاسم.

نعم نحن فى ميادين الدعوة إلى الله نعذر الجاهلين، ونتطلف مع غير المسلمين، بل إننا مأمورون أن نبر أهل الذمة، ونقسط إليهم لكن تقرير الحقائق شئ والنظر فى أحوال الجاهلين بها، والصادين عنها، والخارجين عليها شئ آخر.

فى ميدان التعليم والتربية لا خلط بين الإيمان والإلحاد، ولا بين الشرك والتوحيد.

يجب إحقاق الحق، وإبطال الباطل بصرامة. يجب أن يقال: إن الصدق فضيلة، وإن الكذب رذيلة دون مواربة، ويجب أن يحترم الصادقون، ويزدرى الكاذبون.

وقد يحدث أن نلقى فى ساحات الحياة أقواما مرضى يحتاج علاجهم إلى أناة وسياسة وحكمة، حتى نسوق لهم الشفاء الذى حرموا منه.

بل قد نحتاج إلى أمد بعيد حتى نقنعهم بما فى أبدانهم من مرض وما فى كيانهم من جراثيم.

وإدارة الأمر مع هؤلاء لا يعنى بتاتا أن تنقلب الحقائق، وتعوج المقاييس فالمؤمن مؤمن والكافر كافر. وعقبى هؤلاء الجنة وعقبى أولئك النار، ولا كلام.

وترسيخا لهذه المعانى فى النفوس أمر الله أن نذكر الضالين بعاقبتهم التى لا محيص عنها فقال : (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم).

وقال: (بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما).

ولهذا التبشير أحيانه ومناسباته التى يساق فيها، ولكن روى الطبرانى عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: " حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار ".

وقد صحح المحدث الكبير الأستاذ محمد ناصر الدين الألبانى هذا الحديث.

ويبدو أن فى عصرنا هذا ما يستدعى التذكير به، إنك ترى رجالا كبارا وصغارا يزورون أوربا مثلا فيقصدون أول ما يقصدون إلى قبر الجندى المجهول.

ونحن لا نعرف من هذا الجندى، ولا نجزم بمصيره فربما كان ممن لم تبلغهم الدعوة فمات جاهلا.

ولكنه على كل حال يمثل قومه الذين دفن بينهم، فإن كان فى شرق أوربا فهناك يقولون: لا إله، وإن كان فى غربها فالآلهة ثلاثة!!!

وهؤلاء الجنود ـ فى أغلب الظن معادين لنا ـ نحن المستضعفين فى الشرق ـ لولا أن شغل الله بعضهم ببعض.

ترى ما الذى يجعل رجالنا يقدسون هؤلاء؟ أهو تقديس للجحود أو للتثليث أو للاعتداء الذى لولا القدر لكنا ضحاياه؟.

لندع هذه الفروض، ولننقل هنا كلام الشيخ ناصر فى شرح الحديث السابق قال:

" وفى هذا الحديث فائدة هامة أغفلتها كل كتب الفقه، ألا وهى مشروعية تبشير الكافر بالنار إذا مر بقبره، ولا يخفى ما فى هذا التشريع من إيقاظ المؤمن وتذكيره بخطورة جرم هذا الكافر حيث ارتكب ذنبا عظيما تهون ذنوب الدنيا كلها تجاهه ولو اجتمعت، وهو الكفر بالله عز وجل والإشراك به الذى أبان الله تعالى عن شدة مقته إياه حين استثناه من المغفرة فقال: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).

ولهذا قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " أكبر الكبائر أن تجعل لله ندا وقد خلقك" متفق عليه.

إن الجهل بهذه الفائدة أودى ببعض المسلمين إلى الوقوع فى خلاف ما أراد الشارع الحكيم منهم، فإننا نعلم أن كثيرا من المسلمين يأتون بلاد الكفر لقضاء بعض المصالح الخاصة أو العامة، فلا يكتفون بذلك حتى يقصدوا زيارة بعض قبور من يسمونهم بعظماء الرجال من الكفار ويضعون على قبورهم الأزهار والأكاليل ويقفون أمامها خاشعين محزونين، مما يشعر برضاهم عنهم وعدم مقتهم إياهم، مع أن الأسوة الحسنة بالأنبياء عليهم السلام تقضى بخلاف ذلك كما ثبت فى هذا الحديث الصحيح، واسمع قول الله عز وجل : (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا).

هذا موقفهم منهم وهم أحياء، فكيف وهم أموات؟

عن ابن عمر أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لما مر بالحجر: " لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين، إلا أن تكونوا باكين. فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم ما أصابهم ".

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى
#الجانب_العاطفي_من_الإسلام
كلمة حرة
نشر في 17 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع