1600 مشاهدة
0
0
القسطنطينية منذ فجـر الإسلام الأول طموح كل الصحابة و التابعين و الخلفاء و السلاطين و الفاتحين، لصلتها ببشارة رسول الله صلى الله عليه و سلم
التاسـع و العشـرون من أيـار/مايو عام 1453 للميـلاد .. المـوافق للحـادي و العشرين من جمادى الأولى عام 857 للهجـرة ..المسلمـون بقيـادة السلطـان العثمانـي محمـد الفاتـح ... يفتحـون القسطنطينيـة .. عاصمـة الإمبراطوريـة البيزنطيـة ... بعد أكثر من 50 يوم من الحصـار الشديد بـراً و بحـراً ... و ينهـون بشكل رسمي الوجود التاريخي للإمبراطورية البيزنطية ذات الألف عـام ... محولين مركز أوربـا الشرقية إلى عاصمـة السلطنة الإسلاميـة الجديدة باسمها الجديد .. إسلامبـول .. دار الإسـلام ..
القسطنطينية كانت منذ فجـر الإسلام الأول .. طموح كل الصحابة و التابعين و الخلفاء و السلاطين و الفاتحين .. لصلتها ببشارة رسول الله صلى الله عليه و سلم بأن الجيش و الأمير الذي يفتحها هو خير الأمراء و الجيوش .. و جرت عدة محاولات حقيقية فشلت على أسوار هذه المدينة المنيعة ذات الموقع الاستراتيجي الرهيب على مضيق البوسفور .. و ذات الأسوار الأشهر في التاريخ بثلاث طبقات دفاعية .. و التي مكنتها من الصمود ل 1000 عام ..
و لكن مع صعود نجم الدولة العثمانيـة و عبورها من الأناضـول إلى البر الأوربي في القرن 14 .. و تمددها المطرد على جسد الإمبراطورية البيزنطية الآيلة للسقوط .. و سحق الجيوش العثمانية لكبرى الحملات الصليبية الهادفة لاستنقاذ بيزنطة .. بانتصارات مدوية في كوسوفو و نيقوبوليس و فـارنا على سبيل المثال ... أصبح فتح القسطنطينية التي باتت جزيرة منعزلة في بحر عثماني يحيط بها .. أمراً مفروغاً منه و ينتظر الوقت ليس إلا ..
و كان ذلك العمل الكبير سيتم على يد السلطان بيازيـد الصاعقة الذي بنى قلعة أناضول حصار على طرف البوسفور الشرقي ليفرض حصاره البحري و يجهز للفتح .. لكن اكتساح التتـار بقيادة تيمورلنك للشرق الأوسط و سحقهم للجيش العثماني في معركة أنقرة و أسرهم للسلطان نفسه .. أجّل العمل الكبير ..
حتى كانت سنة 1451 حين ارتقى محمـد الثاني بن مـراد الثاني عرش السلطنة ... ذلك الشاب صاحب الملكات و الإمكانات العظيمة ... متقن اللغات و خبير الجيوش و محترف السياسة و فنونها .. و الذي شهد مع أبيه ملحمة و انتصار فارنـا .. و تتلمذ على يد كبار علماء الإسلام في بلاط والده مثل آق شمس الدين و الملا كورانـي و اللذان زرعا في نفس السلطان الفاتح الهمة العارمة لفتح المدينة و نيل شرف البشارة النبوية .. محمـد منذ وفاة والده كان همـه الأول هو القسطنطينية .. شغلت ليله و نهار و جلّ تفكيره ... ما إن تسلم زمام السلطنة حتى بدأ يعد لها .. فبنى قلعة روملي حصار المقابلة لقلعة جده ليغلق مضيق البوسفور ضد أي نجدة من الجنويين أو البنادقة ... ثم حشد جيشاً عظيماً قدّرته المصادر العثمانية بثمانين ألفاً ... و أحاط به المدينة ابتداء من يوم السادس من نيسان ... يرافقه الأسطول العثماني الذي رسى عند المضيق تجهيزاً للحرب .. و الأهم من ذلك كله .. السلاح الأهم لو الأقوى لذلك الزمان .. المدافع العثمانيـة العملاقة .. و أهمها المدفـع السلطاني .. سلاح الدمار الشامل للقرن 15 .. و الذي انطلق من أدرنـة عاصمة الدولة يجره عشرات الثيران لضخامة حجمه ... و كانت مهمة هذه المدافع التي لم يرى العالم مثلها حتى حينه .. إنهاء أسطورة أسوار القسطنطينية مرة واحدة و للأبد ...
بدأت المدافع العثمانية قصفها العنيف للمدينة مع بدء الحصار .. و لم تتوقف نيرانها حتى يوم الفتح .. و شن المسلمون عدة هجومات شاملة عنيفة على الأسوار في محاولة اعتلائها دون جدوى ... و كان البيزنطيون يرممون السور ليلاً بعد نقب المدافع له نهاراً ... و جاءهم المدد من الممالك الأوربية على شكل مؤونة و قوة جند ... فنفذ السلطان الفاتح خطته العظيمة لإطباق الحصار و نقل الأسطول على البر و أنزله في الخليج الذهبي لتجاوز مشكلة السلسلة العملاقة التي كانت تحمي المدينة .. و أصبح الحصار محكماً تماماً ..
أرسل السلطان الفاتـح مبعوثاً إلى الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الحادي عشر يطلب منه الاستسلام و تسليم المدينة و خروجه و حاشيته منها .. مقابل منح الأمان لكل سكانها و تمتعهم بحريتهم الدينية و كنائسهم و كل ممتلكاتهم و عدم التعرض لهم أبداً .. و حذره بأن رفضه يعني أن للجيش العثماني الحق في فعل ما يراه مناسباً في حال تمكن من أخذ المدينة بالقوة ... فرفض الإمبراطور العرض و قرر القتال حتى النهاية .. و حين وصل الرد للسلطان الفاتح قال جملته التاريخية :
( حسناً .. عن قريب سيكون لي في القسطنطينية عرشٌ أو يكون لي فيها قبر ) ..
و حينها بدأ الجيش العثماني بحفر الانفاق و تلغيمها لنسف السور و تضعضعت دفاعات المدينة مع التفجيرات و القصف المدفعي ... و حشد السلطان جيشه و أنبأه بأن الهجوم الشامل النهائي قد اقترب ... فقضى المسلمون اليومين الأخيرين صوماً و ابتهالاً إلى الله لتأييدهم بالظفر و النصر ... و في مثـل هذا اليوم تماماً شن الجيش العثماني هجـومه الكاسح و النهائي على المدينة و انهارات أجزاء من السور و بدأ تدفق المسلمين داخلها ... و حينها اندفعت نخبة الجيش العثماني من فرسان الإنكشارية و السباهية للمشاركة بقوة .. و بدأت بحصد العساكر البيزنطية و التي اختلت صفوفها و تمزقت شذر مذر .. إلى أن تمكن أحد أبطال فرسان السباهية و هو حسن أولوباتلي .. من ارتقاء أعلى السور .. و رمى الراية البيزنطية .. ليركز مكانها راية الدولـة العثمانيـة معلناً للجيشين الملتحمين سقوط المدينة ... و تدفقت أمواج العساكر الإسلامية في المدينة معلنة النصر الإسلامي الكبير ...
دخل السلطان محمـد الفاتـح على صهوة جواده إلى عاصمته الجديدة ... و ترجل منه ليدخل آيا صوفيـا في مركز المدينة .. و يمنح أمانه و كل الحرية الدينية للمدنيين من أهل المدينة الذين التجؤوا إليها .. ثم تم إقامة الأذان في المسجد الجديد و صلى السلطان صلاة العصـر فيه معلناً تحوله إلى مسجد جامـع للمسلمين في عاصمتهم الجديـدة .. حيث أن المسلمين فتحوا المدينة عنوة و لم يفتحوها بالأمان و للعنوة أحكام تختلف عن التسليم المشروط بالأمان .. و بعد ثلاث أيام من الفوضى العارمة التي أعقبت الفتح .. أمر السلطان بفرض الأمان و بث بشارات النصر لحواضر العالم الإسلامي و دعا سكان المدينة للعودة و منحهم الأمان و عين بطريركاً للكنيسة الأثوذوكسية و منجها حرية الاعتقاد و ممارسة الدين .. و أصبحت إسلامبول عاصمة الدولة العثمانية .. و انتهت بذلك العصور الوسطى بشكل رسمي بواحد من أهم المفاصل التاريخية على الإطلاق ...
نشر في 29 أيّار 2017
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع