1600 مشاهدة
0
0
إنَّ أطول آية في القرآن الكريم هي آية التَّداين وقد حضَّ الله فيها على الكتابة والإشهاد ولكن الله توَّجَ ذلك بدعوة أوثق من العقود وهو الأخلاق
مع النبيّ " 4 " : دَيْنٌ وسَداد !روى البخاريُّ في صحيحه من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أنَّه ذَكرَ رجلاً من بني إسرائيل
سألَ بعضَ بني إسرائيلَ أن يُسلِّفه ألفَ دينار
فقال : ائتِني بالشُّهداء أُشهدهم
فقال : كفى بالله شهيدًا
قال : فأتِني بالكفيل
قال : كفى بالله كفيلاً
قال : صدقتَ
فدفعها إليه على أجلٍ مُسمَّى
فخرجَ في البحرِ فقضى حاجته ثم التمسَ مركبًا يركبها
يَقْدمُ عليها للأجلِ الذي أجلّه فلم يجدْ مركبًا
فأخذ خشبةً، فنقرها ، فأدخلَ فيها ألف دينار، وصحيفةً إلى صاحبِه
ثم زجَّجَ موضعها، ثم أتى بها إلى البحرِ فقال :
اللهم إنك تعلمُ أني كنتُ تسلَّفتُ فلاناً ألفَ دينار
فسألني كفيلًا، فقلتُ : كفى بالله كفيلًا، فرضيَ بكَ
وسألني شهيدًا، فقلتُ : كفى بالله شهيدًا، فرضيَ بكَ
وأني جهدتُ أن أجدَ مركبًا أبعثُ إليه الذي له
فلم أقدرْ، وإني أستوْدِعْكَها !
فرمى بها في البحر حتى ولجتْ فيه، ثم انصرف !
فخرجَ الرَّجلُ الذي كان أسلفه ينظرُ لعلَّ مركبًا قد جاءَ بماله
فإذا بالخشبةِ التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبًا
فلما نشرها، فوجدَ المالَ والصَّحيفة !
ثم قَدِمَ الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال :
والله ما زلتُ جاهداً في طلب مركب لآتيكَ بمالكَ
فما وجدتُ مركبًا قبل الذي أتيتُ فيه
قال : هل كنت بعثتَ إليَّ بشيءٍ ؟
قال : أخبرتُكَ أني لم أجدْ مركبًا قبل الذي جئتُ فيه
قال : فإنَّ الله قد أدَّى عنكَ الذي بعثتَ في الخشبة
فانصَرِفْ بالألف دينارٍ راشدًا !
الدَّرْسُ الأوَّل :
النَّاسُ للنَّاسِ !
وقد سمعَ عمر بن الخطاب رجلاً يدعو :
اللهم لا تجعلْ لي حاجةً عند أحدٍ من خلقكَ
فقال له : ما أراكَ إلا تدعو على نفسكَ بالموت
فالنَّاسُ لا يستغني بعضهم عن بعض !
مَنْ قصدكَ فإنما توسَّمَ فيك الخير
وكفى بالمرء نُبلاً أن يكون عند حسن ظنِّ النَّاسِ به
وإنَّ العطاءَ ليس مالاً فقط وإن كان أكثر ما يحتاجُ إليه النَّاسُ !
وإنَّ على كلِّ شيءٍ زكاة
فزكاة الغِنَى أن ترحمَ فقيراً
وزكاة العلم أن لا تكتمه عمَّن طلبه، وعمّن لم يطلبه
وزكاة العقل أن تُسدي لمحتار نصيحة
وزكاة الجسد أن تجرَّ كسيحاً، أو تعبرَ بأعمى الطريق !
الدَّرْسُ الثَّاني :
مَنْ أخذَ مال النَّاسِ يريدُ سداده سدَّدَ الله عنه
ومَنْ أخذ َمال النَّاسِ يريدُ إتلافه أتلفه الله
وليس هناك أحقر ممن ينكرُ المعروف
إلا من يردُّ المعروفَ بالإساءة
فلا تكن سبباً في انقطاع الخير من الدنيا
كثيرٌ من النَّاسِ توقفوا عن تسليف المحتاج
لأنَّ كثيراً ممن طلبوا السَّلفَ نصبُوا وهربُوا
وكثيرٌ من النَّاسِ توقَّفُوا عن تزويج بناتهم بلا مهرٍ
لأنهم رأوا أن كثيراً ممن تزوجوا بلا مهر ظنُّوا أنَّ البنتَ رخيصة
وكثيرٌ من النَّاسِ لم يعودوا يُقلّون مقطوعاً في الطريق
لأنَّ مقطوعين كُثر كانوا غدّارين
وأجمل ما قالته الجدات :
مّنْ أمَّنكَ لا تخُنْه ولو كنتَ خوَّاناً !
الدَّرْسُ الثَّالث :
إنك لا تعرف في هذه القصة ممن تعجب
من الرَّجلِ الذي قَبِلَ أن يكون اللهُ شهيدًا وكفيلاً
أَمْ من الرَّجلِ الذي خاطر بماله كي لا يُخلف وعداً قطعه
ما أجمل النُّبلاء حين يتعاملون فيما بينهم
نبيلٌ يُقرضُ ماله بلا شهيدٍ ولا كفيلٍ
ونبيلٌ يردُّ دينه في خشبة !
الدَّرْسُ الرَّابع :
انوِ الخيرَ يفتحُ الله لكَ طريقاً له !
عندما نوى المُستدين أن يردَّ مال الدَِّائن
صارت الخشبةُ رسالةً والبحرُ ساعيَ بريد !
انوِ أن تكون زوجاً صالحاً وستأتيك الزوجة
انوِ أن تتعلمَ وستجد من يُعلِّمك
وانوِ أن تكون أميناً وستجد من يأتمنك
ما عَلِمَ اللهُ خيراً في قلب إنسان إلا بسطَ له الخير !
الدَّرْسُ الخامس :
إن استجاركَ أحدٌ بالله أجِرْهُ
وإن سألكَ باللهِ أعطِه
إنَّ النَّاسَ اعتادتْ أن لا تردَّ شفاعة شريفٍ يشفع
فكيف بمن جاءك باللهِ شفيعاً
وطلبُ الشُّهود وكتابة العقود ليس فيه شيء
بالعكس هذا هو الأصل لأنَّ الدُّنيا فيها حياة وموت وغدر وخيانة
فلا تزهدْ في تدوين حقك
ولا تنزعجْ ممن طلبَ أن يكتب حقه عندك ليضمنه
وإنَّ أطول آية في القرآن الكريم هي آية التَّداين
وقد حضَّ الله فيها على الكتابة والإشهاد
ولكن الله توَّجَ ذلك بدعوة أوثق من العقود وهو الأخلاق، فقال :
"فإن أَمِنَ بعضُكم بعضًا فليؤدِ الذي أُتمن أمانته" !
أدهم شرقاوي
من كتاب : مع النبيّ
إصدار : دار كلمات / الكويت
نشر في 07 آب 2017
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع