Facebook Pixel
التفكير العلمي
1103 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

ان العلم لا يهدد أحدا , وانما هو في اساسه منهج وأسلوب منظم لرؤية الأشياء وفهم العالم بالشكل الصحيح

إذا شئنا أن نكون متسقين مع انفسنا , واذا أردنا أن نتجاوز مرحلة اجترار الماضي والتغني بأمجاد الأجداد , وإذا شئنا ألا نبدو امام العالم كما يبدو اولئك العاطلون الذين لا رصيد لهم من الدنيا سوى أن أجدادهم القدامى كانوا يحملون لقب ((باشا)) أو ((لورد)) أو ((بارون)) فعلينا أن نحترم العلم في الحاضر مثلما احترمناه في الماضي , وأن نعترف بأن هذا الأسلوب في التفكير , الذي كان مصدراً لاعتزازنا بأجدادنا في الماضي _ أعني الأسلوب العلمي _ ينبغي أن يكون هدفاً من اهدافنا التي نحرص عليها في الحاضر بدوره , وأن المعركة التي يشنها الفكر المتخلف على كل من يدعو الى المنهج العلمي في التفكير , ستقف عائقاً في وجه جهودنا من أجل اللحاق بركب العصر , بل ستلقى ظلالا من الشك حول مدى إخلاصنا في التغني بأمجاد ((ابن حيان)) و ((الخوارزمي)) و ((ابن الهيثم)) و ((البيروني)) .
الذين كانوا يقفون في الصف الأول من العقول التي تفكر بالأسلوب العلمي في عصورهم .

والحق أن اية محاولة لاعتراض طريق التفكير العلمي , في عصرنا الحاضر , انما هي معركة خاسرة . فلم يعد للسؤال : هل نتبع طريق العلم أم لا ؟ مجال في هذا العصر , بل إن الدول التي تحتل اليوم موقع الصدارة بين بلاد العالم قد حسمت هذا السؤال منذ أربعة قرون على الأقل _ولم تعد هذه المشكلة مطروحة امامها منذ ذلك الحين _. وصحيح أن طريق التفكير العلمي كان في بدايته شاقاً , وأن المقاومة كانت عنيفة , والمعركة دامية سقط فيها شهداء كثيرون , ولكن العلم اكتسح أمامه كل عناصر المقاومة , وأصبحت القوى المعادية له , والتي كانت في وقت من الأوقات تمسك بزمام السلطة في جميع الميادين , أصبحت هي التي تبحث لنفسها عن مكان في عالم يسوده العلم . ومنذ اللحظة التي بدأ فيها عدد محدود من العلماء يكتشفون حقائق جديدة عن الكون بأسلوب منطقي هاديء , وبناء على شواهد قاطعة وبراهين مقنعة لا سبيل الى الشك فيها _ منذ هذه اللحظة أصبحت سيادة العالم مسألة وقت فحسب , ولم يعد في وسع اية قوة ان تقف في وجه هذه الطريقة القاطعة في اكتساب المعارف الجديدة . ذلك لان العلم ليس قوة معادية لأي شيء , ولا منافسة لأي شيء , والعالم شخص لا يهدد أحداً , ولا يسعى الى السيطرة على أحد . وكل المعارك التي حورب فيها العلم والعلماء كانت معارك اساء فيها الآخرون فهم العلم , ولم يكن العلم ولا اصحابه هم المسؤلون عنها . وأعظم خطأ يرتكبه المدافعون عن مبدأ معين , أو عن ضرب من ضروب النشاط الروحي للإنسان , هو ان يعتقدوا أن العلم مصدر خطر عليهم , ويضعوا مبدأهم او نشاطهم الروحي في خصومه مع العلم . فعلت هذا الكنيسة الأوروبية في مطلع عصر النهضة , فقام رجالها يحاربون العلم الوليد ويضطهدون رواده , ولم يكن ذلك منهم إلا عن جهل بطبيعة العلم أو طبيعة الدين او كليهما معاً , وربما كان في بعض الأحيان خوفاً على نفوذ او دفاعاً عن مصالح يعتقدون أن اسلوب المعرفة الجديدة كفيل بتهديدها . فماذا كانت النتيجة آخر الأمر ؟ ظل العلم يسير في طريقه بهدوء وثقة , ويحرز الإنتصار تلو الآخر , وتعاقب ظهور العلماء الأفذاذ , الذين كان معظمهم اشخاصاً مخلصين في عقدهم الدينية , ولم يكن أحد منهم يتصور أن الجهد الذي يبذله من أجل بسط سيطرة العقل على الطبيعة وتحقيق النفع لاخوته في الإنسانية يمكن ان يغضب أحداً , لا سيما اذا كان من رجال الدين . واضطرت الكنيسة الأوروبية آخر الأمر الى التراجع أمام قوة الحقيقة التي لا يستطيع أن ينكرها عقل سليم , ولكن تراجعها ربما كان قد أتى بعد فوات الأوان , إذ أن الكثيرين يعزون موجات الإلحاد التي اجتاحت اوروبا , منذ القرن الثامن عشر بوجه خاص , إلى تلك الخصومة التي لم يكن لها داع , والتي افتعلتها الكنيسة ضد العلم .
ان العلم لا يهدد أحدا , وانما هو في اساسه منهج وأسلوب منظم لرؤية الأشياء وفهم العالم . وكل ما وجه الى العلم من اتهامات انما هو في واقع الأمر راجع الى تدخل قوى أخرى لا شأن للعلم بها , تفسد تأثير العلم أو تسيء توجيه نتائجه .
وعلى العكس من ذلك , فإن كل تقدم أحرزته البشرية في القرون الأخيرة انما كان مرتبطاً _ بطريق مباشر او غير مباشر – بالعلم . وإذا كان من المعترف به أن وجه الحياة على هذه الأرض قد تغير , خلال الأعوام المئة الأخيرة , بأكثر مما تغير خلال ألوف الأعوام السابقة , فان الفضل الأكبر في ذلك انما يرجع الى المعرفة العلمية , ويرجع _قبل ذلك_ الى وجود شعوب تعترف بأهمية هذا اللون من المعرفة وتقدم اليه كل ضروب التشجيع .

فؤاد زكريا _ #التفكير_العلمي

#الثورة_الفكرية
الثورة الفكرية
نشر في 09 آب 2013
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع