3566 مشاهدة
0
1
لا توجد أفضل من هكذا مقدمة و تعريف، لكن أ ليس هذا مقرف و جميع مخبوزات هذا الكوكب تحتوي نوعا من الخمائر؟ وإذا أمعنت النظر لتعجبت كيف تسنى لإنسان ما أن يفكر في هذا الأمر أول مرة، و كم من الوقت تحديداً استغرقه الوصول إلى هذا التصور المذهل
كيمياء خميرة الخبزالخميرة هي كائنٌ حي.
لا توجد أفضل من هكذا مقدمة و تعريف. لكن، أ ليس هذا مقرف و جميع مخبوزات هذا الكوكب تحتوي نوعا من الخمائر؟ وإذا أمعنت النظر لتعجبت كيف تسنى لإنسان ما أن يفكر في هذا الأمر أول مرة، و كم من الوقت تحديداً استغرقه الوصول إلى هذا التصور المذهل (أنها فطريات مفيدة جدا!).
صناعة الخبز، بأوسع معاني الكلمة، عبارة عن خلط فطر: كائن بدائي أحادي الخلية، المنتج لثاني أكسيد الكربون أو ما نسميه الخميرة، بالماء والدقيق. ثم تتدخل يدا الخباز لتصنع هيكلا يدفع الخميرة إلى إطلاق الغاز السابق الذِكر إلى داخل عجينة الماء والدقيق، ما يدفعها بدورها إلى تشكيل هيكل لدِّن محكمٌ أنيق.
وبعد أن يترك ذلك الخليط لينضج، تُحيل الحرارة هذا الهيكل إلى شكل دائم، أو دائم إلى الحدِ الذي يمكن أن يكون عليه الخبز الجيد الطازج كأفضل ما يكون قبل التهامه.
ما نظرة الكيمياء في ذلك الآن؟
العملية الكيماوية الكامنة وراء كل وصفة خبز تتمثل في تحول الجزيئيات الطويلة من الخليط إلى شبكيات! وهذه العملية تحدث في الكثير من أنواع الأطعمة، و هي التي تخلق الأذواق و التركيبات، يتحكم في هذه الأخيرة في الغالب الماء و الدهن.
إلا أن حالة الخبز مختلفة نوعا ما، و قد تكون متفردة. فإن سئلت والدتك عنه أو راقبتها تعدُّه، ستتسائل ما السبب الذي يدفع أنمالها لعجنه؟ إنه الغلوتين: الجزيئيات المعنية هنا، وهي من أسرة بروتينات القمح الضرورية واللازمة لقوام الخبز .
عندما يختلط دقيق القمح بالماء تُبعث الحياة في خيوط الغلوتين الطويلة واللدنة، ما يؤدي إلى تراخيها و ترهُلها. و هذا ما نسميه بالتعجن.
إلا أن عجّن العجينة يُسهِم بإدخال كمية من الهواء الذي يحتوي على الأكسجين، و الذي بمساعدته تبدأ تلك الخيوط في الارتباط ببعضها البعض من الأطراف. وهذه السلاسل الطويلة تلتصق أيضا بجاراتها. ومع استمرار عملية العجن يصبح الجلوتينين أكثر التصاقا مع بعضه البعض مما يُشكل جملة البروتينات المشبعة بحبوب النشا، و يُخرِج خبزا متماسك القوام. لكنه صعب المضغ بالغالب.
و بأم الإختراع: الحاجة، صدفةً دمج الإنسان الخمائر للخبز، ملاحظا فرقا شاسع! حتى جاءت الكيمياء و أستطاعت تفسير ما يحدُث عند إضافتها لعجينة الخبز.
إضافة الخميرة و تفاعلها يحرر آلاف الفقاعات الغازية الصغيرة في العجينة، والعجن يوزعها في كافة أجزاءها، و هنا تبدأ الخميرة التي تتغذى على نشويات الدقيق في الإنتشار وتفريغها. فيتخذ الغاز مسارا له عبر المسارات الدقيقة المتبعثرة في الخبز مما يؤدي إلى انتفاخ الجيوب الصغيرة فيما يشبه بالونات الهواء الساخن.
هناك وسط تلك النيران، بالفرن. تستعر الخميرة، وتحوِّل الحرارة الماء إلى بخار ماء، وينتفخ الخبز، وتتصلب شرايين النشويات، وتتخذ الشبكة التي تشكلها جزيئيات الغلوتين شكلها النهائي.
والناتج هو عبارة عن خبز متخمر، وقابل للمضغ، وجاهز لاستقبال مسحات الزبدة الدافئة، وهو منتج لا ينسى، وعجيبة من إحدى العجائب التي قد لا نتفطن إليها إلا إذا ما فكرنا في دقّة وتعقيد تلك العملية. لكن يظل الإنسان في نهاية المطاف، مستعداً لفعل أي شيء من أجل الفوز بقضمة خبز مقرمش هش من الداخل.
#بعلي_عبد_الفتاح
#الفيزياء_العملية
نشر في 23 حزيران 2019